انتبه، فما يجرى من فعاليات فى هذه الفترة لإحياء ذكرى مئوية مذبحة الأرمن على يد أجداد أردوغان، لا ينبغى أن يبعد أنظارنا عما يحدث فى منطقتنا على يد عناصر تنظيم داعش الإرهابى، وكما تعرض الأرمن لعمليات إبادة جماعية وتهجير قسرى وصلب الكثير منهم وبيع النساء والأطفال فى سوق النخاسة، كرره تنظيم داعش ضد المسيحيين والأيزيديين وكافة الأقليات فى سوريا والعراق، وكما عملت الدولة العثمانية على طمس معالم الحضارة الأرمينية، هكذا يفعل عناصر داعش ضد الحضارة والتعددية التى كثيرا ما كانت هى أهم كنوز بلدان الشرق الأوسط.
نحن نتضامن بلا شك مع ضحايا الأرمن، وندين بشدة ما تعرضوا له على يد الدولة العثمانية خلال الفترة من 1895 وحتى 1915، من اعتداءات جسيمة وجرائم غير إنسانية، وأن المشاركة والتضامن فى هذه الذكرى الأليمة مع كل الشعب الأرمنى سواء الذين يعيشون منهم فى دولة أرمينيا حاليا أو الذين بقوا فى بلدان احتضنتهم، وكانت حصن أمان لهم- هى واجب كل إنسان يؤمن بحقوق الإنسان والعدالة والمساواة.
ومصر لها قصة سيذكرها التاريخ كثيرا فى احتضان الأرمن واحتواء الكثير منهم وقتما تعرضوا فيه لاعتداءات وحشية ومحاولات لإبعادهم وطمس تاريخهم، ولكن التاريخ لا يرحم، وينصف المظلومين والمنكوبين حتى ولو تغافل المجتمع الدولى أحيانا عن فعل ذلك، فإذا كانت كثير من المنظمات الدولية لا تنظر فى قضايا قبل تأسيسها، فما سطره التاريخ عن هؤلاء يكفى لأن يكون لهم فخر بتاريخهم ودورهم وإثرائهم للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى البلدان التى عاشوا فيها، خاصة البلدان العربية.
ففى مصر شغل بوغوص يوسفيان، مؤسس الجالية الأرمنية فى مصر، منصب المستشار الأول لمحمد على فى كافة أمور الحكم، ثم اختيار نوبار باشا الأرمينى الأصل أول رئيس وزراء لمصر فى عهد الخديو إسماعيل، وشغل وزارة الخارجية لأكثر من مرة شخصيات أرمينية الأصل، ناهيك عن شخصيات أخرى كان لها دور كبير فى إثراء العمل الفنى والصحفى بل الثقافى من أصول أرمينية، منهم الفنانة الجميلة نيللى، والطفلة المعجزة فيروز، والفنانة القديرة لبلبة، والفنانة ميمى جمال، والفنانة الجميلة إيمان سركسيان وصاحبة الابتسامة الجميلة الفنانة انجيل، ومنهم أيضا رائد فن الكاريكاتير صاروخان الذى عمل فى صحف ومجلات روز اليوسف وآخر ساعة وأخبار اليوم والعهد الجديد، وكذلك الصحفى إيفون كريشيشيان.
وثراء الدور الأرمنى فى مصر لا يمكن إنكاره، والإسهامات التى قاموا بها واضحة للعيان، لذا أعتقد أنه آن الأوان لكى تتعاون مصر مع الدول التى تعترف بهذه المذبحة رسميا من ناحية، وكذلك التعاون مع السلطات الأرمينية فى الخطوات التى تقوم بها على المستوى الدولى لتحقيق نصر معنوى لأحفاد الأرمن الذين تعرضوا لجريمة غير إنسانية، خاصة فى ظل إصرار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على إنكار هذه المذبحة وعدم الاعتراف بها.
وخلال حضورى احتفالات مطرانية الأرمن فى مصر بعيد القيامة المجيد، تشرفت بمقابلة المطران كريكور أوغسطينوس كوسا، مطران طائفة الأرمن الكاثوليك، الذى أكد فى كلمته اعتزازه بالروابط القوية والمشاعر الأخوية والسماحة الدينية التى تميز الشعب المصرى عن غيره من الشعوب وأن مصر ستظل بلد الأمن والأمان تحت قيادة الرئيس السيسى.
لذا، مصر عليها أن تقود المنطقة للحفاظ على الإرث التاريخى والحضارى التى تميزت به لعقود، وأنه فى ظل الاهتمام بمحاولة تجفيف منابع التطرف، ومواجهة تنظيم داعش وغيره من الجماعات التى أعلنت البيعة له، عليها أيضا أن يكون لها دور مهم وحيوى فى ملاحقة كل من عمل على ارتكاب جرائم غير إنسانية فى الماضى، ولو مرت ذكرى المئوية الخاصة بمذابح الأرمن دون ملاحقة لمن قام بهذه الجرائم أو على الأقل طرح القضية دوليا وبقوة- ستهدر أيضا حقوق كل من تعرضوا لمذابح وجرائم وحشية على يد عناصر داعش وغيره.