«الصبر ليس مفتاح الفرج، إنه توقيع مجانى على صكوك اليأس».
«لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، أجّله أسبوعاً أو شهراً أو عاماً- إن استطعت- ما أصعب العثور على شىء تنشغل به، وتجد فيه ما يُشبه المعنى».
من كلمات زميلنا الكبير الأستاذ مصطفى بيومى، وهو من أنبل من تخرجوا فى كلية الإعلام، ومن أولياء الله الصالحين فى مهنتنا الصعبة التى يعرفها الناس باسم «الصحافة».
فهمتُ كلمات الزميل النبيل على غير ظاهرها الذى يبدو متشائماً أو مُحبطاً أو يائساً، كلا، إنها على النقيض من ذلك، فهمتُ الرسالة الشريفة التى فى باطنها، فهمتُ الكلمات تحريضاً على عدم الركون إلى الانتظار العبثى، فهمتُها تحفيزاً على صناعة الأمل العظيم فوراً، فهمتُها شوقاً إلى أيامٍ لها معنى، وأشخاص لهم معنى، ومواقف لها معنى، فهمتُها مُراوغةً مشروعة: من نفس ذات همة كبيرة، لا ترضى بالدون، ولا تقبلُ بالضيم، ولا تنامُ على خنوع، ولا تصبرُ على ظلم، ولا تقتنعُ بالدجل، ولا تشهدُ الزور، ولا تقولُ الإفك، ولا تلتحفُ مع الباطل بلحاف واحد.
سين سؤال: لماذا هذه المقدمة؟!
جيم جواب: لأن حياتنا السياسية تائهةٌ غامضةٌ: لا نعرفُ لها مقدمة ولا نعرف لها مؤخرة، اختلطت علينا الرؤية، فلسنا نعرف لها ظهراً ولا بطناً، ولا نميز وجهها من قفاها. الغموض العمدى المقصود هو سيد الموقف، غموض على الجميع، غموض فى كل القضايا، نمشى على أطراف الأصابع، القلوب تدق، الأبصار تزيغ، اليقين يتلاشى، الشكوك تتزايد، نخشى المفاجآت، ننامُ على أرَق ونصحو على قلق، نشعرُ كما لو كنا مُختطفين بالجملة، ويبدو أن الأولوية هى لسلامة الخاطفين، وعلى المخطوفين أن يرضوا بما يأتى به القضاء وبما تحكمُ به الأقدار.
الموقفُ السياسى باختصار شديد: شعبٌ يحكمه رجلٌ واحدٌ فقط. رجُلٌ لا ثانى له ولا ثالث، لا شريك معه ولا مُعقب عليه. رجلٌ اجتمعت له من السلطات- فى يديه- ما يجعله تجسيداً لكل سلطات الدولة. يضعُ كل سلطة منها فى جيبٍ من جيوبه. لسنا نعرف بأى الدساتير تُدارُ الدولة، ولسنا نعرفُ متى يكونُ للشعب حضورٌ، فقد قالوا، وما أكثر ما قالوا: البرلمان فى أواخر 2014م، ثم البرلمان قبل المؤتمر الاقتصادى، ثم البرلمان فى مايو، ثم البرلمان قبل رمضان، ثم البرلمان بعد رمضان، ثم البرلمان فى خبر كان وأخوات كان.
من يوم التفويض 26 يوليو 2013م، والشعب ليس له حضور، خارج قفص الحاكم الجديد. هذه هى الحقيقة. ولكن الحقيقة الأكبر: الشعوبُ- بطبعها- ملولة. ثم إن الأقفاص- ولو كانت من ذهب- مرفوضة من الحيوان البهيم نفسه، فكيف يقبلُ بها الإنسانُ العاقلُ؟!
الأعجبُ والأغربُ: أنهم- بالفعل- يفكرون ويخططون لكيف يكون البرلمانُ الجديدُ بيتاً للطاعة. ويكفى- من باب الأمانة- أن نقول: سبق أن فكر الحُكّامُ من قبل فى برلمان الطاعة، برلمان 2010م، وساعتها وقعت الواقعةُ وقامت الساعة.
آخرُ الكلام: من الواجب أن نعترف بأن قطاعات كبيرة من الشعب يُسعدُها حكم الرجل الواحد، وتجد الأمان فى قبضة الرجل الواحد، ولا تعرف شكلاً للدولة غير دولة الرجل الواحد، هؤلاء كثيرون، وهم أحرارٌ فيما يعتقدون، وهم- حتى هذه اللحظة- يمثلون الأغلبية.
لكن، من حق الأقلية- ومنها كاتب هذه السطور- أن تقول ما فى نفسها بحرية كاملة، ليس عليها من قيد ولا سقف إلا قيد القانون، وإلا سقف الدستور، دون حصانة للحاكم، ودون خوف من رهبة الأغلبية.
ليس للأغلبية أن تطغى، وليس للأقلية أن تخاف، ومن الحكمة: أن تتنافس الأغلبيةُ والأقليةُ فى بناء مجتمع ديمقراطى، فى تنمية ثقافة سياسية حديثة، فى تأسيس دولة مدنية حقيقية.
الصبرُ من شيم الرجال، الصبرُ من شروط النصر، الصبرُ مفتاح الفرج، قريباً كان أم بعيداً.