x

دينا حمدى البحيري والطريق إلى داعش دينا حمدى الإثنين 20-04-2015 21:08


أثار اللقاء بين إسلام البحيري وكل من الشيخان الحبيب على الجفري وأسامة الأزهري العديد من القضايا الفكرية العميقة كما هو متوقع، بالإضافة إلى إشكاليات مثيرة للجدل حول أسلوب طرح مثل هذه القضايا.

فلقد خرجنا من الحلقة أنه بصرف النظر عن الطرح والمضمون، والذي يحتاج إلى حلقات عديدة للتناول، إلا أن إسلام البحيري قدتمكن من إثارة ضجة لدى الرأي العام، ليس لأنه أتى بجديد، كما أكد الشيخ أسامة الأزهري، ولكن بسبب الأدوات التي يستخدمها، كما قال الشيخ الجفري، وهي أدوات ما بعد الحداثة. وفي دراسة النقد الأدبي نجد أن مدرسة ما بعد الحداثة تعتمد على تفكيك المسلمات، والتشكيك في حقيقة الواقع، وطمس الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والخيال، بهدف إقامة عالم افتراضي موازي للواقع وبديل له في نفس الوقت. وهو نفس الأسلوب الذي يقدم به إسلام بحيري مادته، فهدم الثوابت وطمس الفواصل بين الحقيقة والافتراض هي الخطوة الأولى لبناء واقع بديل في أحسن الأحوال، أو وهو الأغلب الأعم إثارة الفوضى. وهو نفس أسلوب الفكر المتطرف، بداية من سيد قطب، وانتهاءبداعش. والبراعة تكمن ليس فقط في هدم الثوابت وإقامة واقع بديل يبدو رشيق في منطقه بسيط في حجته، وإنما فيتقديم خطاب بديل قطعي حاسم، لا يحتمل التشكيك والتأويل. وهذا هو سر جاذبية الخطاب المتطرف حيث يعتمد على الاجتزاء، في حين أن الخطاب الديني يصعب اجتزاءه أو الاقتطاع منه دون الإخلال بالمحتوى أو هدم أصوله.

ولقد تمكنالبحيري،مثلما نجحت مدرسة ما بعد الحداثة في النقد الأدبي، ليس فقط في التشكيك في الثوابت، ولكن أيضا في إجبار المؤسسة الدينية المتحفظة على نفض الغبار عن نفسها ومحاولة لملمة أوراقها، للرد على أطروحات البحيري، ليس رغبة في إعطائه أكبر من حجمه، ولكن لتهدئة البلبلة التي أحدثها بما طرحه، والدفاع عما تؤمن بأنه الثوابت. وهي نقطة إيجابية تحسب للشيخين الأزهري والجفري، إلا أنها جاءت متأخرة من المؤسسة الدينية والأزهر.

كما أعجبني رأي الشيخ الجفري في أن أطروحات البحيري ساعدت في إبقاء شريحة كادت أن تلحد، لأنه نفى عن الإسلام ما يرونه منافي للمنطق. إلا أن ذلك قد يحدث إشكالية مستقبلا حين يجد العلماء أنفسهم مضطرين لتناول نفس القضايا الشائكة التي أحدثت إشكالية لشريحة معينة من المسلمين، الذين استراحوا لطرح إسلام من التشكيك في المذاهب والتراث كتفسير لنفي هذه الوقائع. فأصبح على الأزهر ودور العلم والإفتاء الأخذ بزمام المبادرة في طرح وتحليل القضايا الشائكة والشبهات التي قد تثير اللغط والبلبلة، بدلا من ترك الساحة متاحة لمن عنده قدره في الطرح على إثارة الجدل، كما حدث مع إسلام البحيري.

الإشكالية التي تجلت فيالحلقةهي أن البرامج التلفزيونية قد لا تكون منصفة كوسيلة لإيصال علم وأطروحات من النوع الثقيل فكريا، وهو ما تجلى في مقارنة أداء الشيخان بالبحيري. فبرغم نجاح الجفري والأزهري ببراعة في التصدي للكم الهائل من الشبهات التي قذفهم بها البحيري لتشتيت الانتباه وتصعيب القدرة على الرد المقنع على قضايا متفرقة في وقت قصير، إلا أنني شعرت أحيانا وكأن الشيخان يحاولان تمرير جمل من ثقب إبرة. فالقضايا كلها عميقة، ومثيرة للجدل، وأحدثت بلبلة وتشكيك لدى قطاع لا يستهان به من المسلمين، ولذلك فالمطلوب تناول أكبر قدر ممكن من القضايا المطروحة في وقت قصير وبأسلوب سلس بسيط يقنع المشاهد ويقطع الشك باليقين، وهي مهمة شاقة إن لم تكن مستحيلة في إطار مثل هذه البرامج الحوارية.

إن إطار البرنامج من حيث محاولة مقدمه خيري رمضان في تقسيم الوقت بمهنية ومساواة، مع استماتة البحيري في الدفاع عن آرائه الجدلية بمحاولته تشتيت من رآهم خصوما في المعركة الحوارية، لا يسمح إلا بالردود السريعة والعبارات القصيرة الرنانة التي تعلق في ذهن الجمهور بصرف النظر عن مصداقيتها. وقد صدق الشيخ الجفري حين تناول هذه الإشكالية وقال أن المشاهد يريد إجابات قاطعة إما أبيض أو أسود، في حين أن المطروح هو مادة علمية اكاديمية فكرية عميقة، قد لا يسهل تناولها بأسلوب الإثارة. لقد شعرت في أجزاء من الحوار بأن المطروح هو أسئلة وجودية عن ماهية الدين، تمس مصداقية القرآن والسنة، ولذلك فإن التهاون في التناول يهدد بزلزال إيماني لدى ملايين من المشاهدين، الأمر الذي لا شك أنه وضع ضغطا هائلا على الشيخين، فهما المنوط بهما في المساحة المتاحة الدفاع عن عصب الدين والحفاظ على إيمان الملايين من التصدع تحت وطأة معركة حوارية المراد بها في النهاية من الواقفين عليها من محطات فضائية زيادة المعلنين للاستفادة من ارتفاع نسب المشاهدة.

ولذلك فإن إحدى الدروس المستفادة هي ضرورة تدريب شباب الدعاة من خريجي الأزهر على فن المناظرات التلفزيونية أو الجماهيرية، وكيفية تبسيط المعلومة وتوصيلها لجمهور عريض بأسلوب شيق ومثير. والمطلوب أيضا أن يكون شباب الدعاة على صلة وطيدة بواقع الحياة وهموم الناس والشباب، وأن يتعلموا كيفية التواصل مع الجمهور، سواء في لقاءات مباشرة، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فهذا من صميم الدعوة في عصرنا الحديث، كما أكد الشيخ الجفري في نهاية الحوار. فليس أقدر من الشباب في التواصل مع شريحة عريضة من المجتمع، وهناك دروس مستفادة من نماذج نجاح شباب الدعاة الجدد بداية بعمر خالد ومرورا بمعز مسعود ومصطفى حسني. فالمستقبل للأسف سيكون، ليس بالضرورة لمن يملك الحجة والعلم، بل لمن هو «ألحن من أخيه» كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في تعبيره البليغ، لمن يملك أدوات الإثارة والقدرة على مباغتة الجمهور بما يصدمهم وإقناعهم بمنطق فيصلي لا يحتمل التأويل والرماديات. تماما كما فعل البحيري، وتماما كما فعل سيد قطب من قبله، وتماما كما تمكنت داعش من إقناع قطاع عريض من الشباب بالانضمام إليها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية