x

محمد أبو الغيط إنهم يحرقون كتب سمير رجب! محمد أبو الغيط الخميس 16-04-2015 21:30


(1)

في البدء كانت بثينة ..
بالتأكيد رأيت الأستاذة بثينة كشك من قبل. هناك واحدة أو أكثر منها في كل مصلحة حكومية، قد يكون اسمها مدام آمال أو أماني أو ربما مدام سعاد، المهم أنها موجودة دائماً.

مواصفات هذا النموذج معروفة: تُقدّس ختم النسر والإمضاءات، إلى حد أن تعيدك إلى محافظة أخرى، لأنه «الختم مش واضح يا أستاذ»، وتُقدّس الأقدمية بشكل عام، ومستعدة لفعل أي شيء لتترقى لدرجة حكومية أعلى. قد تحب أن تفيدك بآرائها السياسية العميقة من قبيل «العيال الثورجية خربوا البلد»، وربما تدمج السياسة بمسحة دينية، مثلاً تلمس طرف حجابها وتقول «مصر محروسة بذكرها في القرآن، عشان كده ربنا بعتلنا السيسي».

حين سمعت قصة إحراق كتب مكتبة مدرسة فضل بالجيزة، رسمت مخيلتي القصة فوراً: هناك موظف ما من فئة «عبده مشتاق» هو صاحب الفكرة، والباقون خضعوا للمزايدة، لأنه لا أحد يرغب في أن يظهر أقل حماسة.

بحثت ووجدت ما توقعت: قائدة الحملة المُظفرة الأستاذة بثينة كشك، وكيلة وزارة التعليم بالجيزة، كانت مرشحة لتولي منصب وزيرة التعليم في حكومة الببلاوي، حينها أخبرت الصحفيين بأن رئاسة الوزراء اتصلت بها، وتم عمل حوارات معها تشرح بها خططها كأنها أصبحت الوزيرة بالفعل.

أسباب عدم توليها المنصب بعدها غير معلنة، لكن ربما كان لها علاقة بالحملة الصحفية التي اتهمتها وقتها بالتعاون مع جمال مبارك ثم الإخوان. مثلاً هذا موضوع طويل منشور بجريدة فيتو في يوليو 2013، يحكي عن رفض مسؤولي الوزارة توليها المنصب بسبب مشاركتها في الترويج لجمال مبارك عبر مشروع تطوير الـ 100 مدرسة، ثم تواطأت بعدها مع الإخوان، ففتحت مدارس إدارتها لحزب الحرية والعدالة لتنفيذ بروتوكول التعاون بين الوزارة والحزب، وطورت علاقتها بالإخواني عدلي القزاز، مستشار الوزير، وهي من قدمت له مصطفى مجدي، طالب الإعدادية، الذي اشتهر حين تم تعيينه عضواً باللجنة التنفيذية العليا للتعليم.

لا يوجد ما يؤكد هذه المعلومات، بالضبط كما لا يوجد أي دليل مطلقاً بأن مدرسة فضل الحديثة إخوانية، لذلك يمكنني ببساطة أن أستخدم نفس منطق الأستاذة بثينة وأصدق أنها شخصياً إخوانية حتى النخاع.

بل إن موقف المدرسة من هذه التهمة أفضل منها، فقد صدر لصالح ملاك المدرسة حكم قضائي نهائي في 17 مارس الماضي برفع تحفظ الوزارة وعودة المدرسة إليهم، في شهادة رسمية من «القضاء الشامخ» نفسه بسلامة موقفهم، والشهادة الأهم تأتي من طلاب المدرسة وخريجيها، الذين اكتشفت أنني أعرف بعضهم، بأن المدرسة لم تقدم قط أي محتوى سياسي، ولم تُقصّر في تحية العلم والنشيد الوطني وحصص الموسيقى، بل كان بها دائماً طالبات غير محجبات وطلاب ومدرسون من الأقباط.

https://www.youtube.com/watch?v=CjgP4XdPPOc

في المقابل يمكن أن نجد أدلة دامغة على إخوانية الأستاذة بثينة بمنطقها الخاص.

مثلاً شبكة رصد الإخوانية، احتفت بها وهناك عدة فيديوهات لحوارها معهم، في أحدها تتحدث عن قصة ترشيحها الطالب مصطفى مجدي للوزارة، وتقول: «اللي عايزين نعلمه لولادنا إزاي يعبروا عن رأيهم صح، إزاي تكون مخالف ليا وتعبّر بأسلوب مهذب»، يرد عليها مراسل شبكة رصد بعد أن لمس الكلام وترًا حساسًا لديه في عز الهجوم على مرسي «دي مشكلتنا الحالية»، فتكمل متفقة معه: «مشكلتنا الحالية إن كله صوته عالي محدش بيسمع».

أدعو لتطهير وزارة التعليم من الخلايا الإخوانية مثل الأخت بثينة كشك!

https://www.youtube.com/watch?v=J-qWk4PkSvk


(2)
... ثم كان الجهل.

جانب من قائمة بالكتب التي تم إحراقها:
1- الإسلام وأصول الحكم- الشيخ على عبدالرازق

كل من له أدنى علاقة بالثقافة المصرية يعرف المعركة التاريخية التي أثارها هذا الكتاب، الذي كان كاتبه من أهم رموز «التنوير»، فالكتاب يثبت أن الإسلام لا يوجد به نظام سياسي للحكم أصلاً، بل قواعد أخلاقية عامة. هذا الكتاب تحديداً يُعادي كل أفكار الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان.

2- عدو الإسلام- جلال دويدار

الأستاذ جلال كان سابقًا رئيس تحرير الأخبار الحكومية، وكان رئيس المجلس الأعلى للصحافة قبل الثورة، وهو مؤيد للدولة ومُعادٍ للإخوان، وبمجرد كتابة اسمه في محرك بحث «جوجل» سيظهر مقاله «حكام قطر مستمرون في مخطط الحقد والتآمر».

3- منهج الإصلاح الإسلامي- الشيخ عبدالحليم محمود

الكاتب شيخ الأزهر الشريف سابقاً بين أعوام 73 و79، وكان له دور وطني في دعم حرب أكتوبر، وله دور «تنويري» تاريخي بفتاواه الوسطية.


4- جمال الدين الأفغاني- عثمان أمين

الكتاب عن الشيخ جمال الدين الأفغاني المحسوب تاريخيًا على معسكر شيوخ التنوير في مصر، مثل تلميذه محمد عبده، والكاتب هو الدكتور عثمان أمين، من رواد علم الفلسفة في مصر، توفي عام 1978.

5- ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات- أبوعبدالرحمن السلمي

الكتاب تراثي توفي صاحبه عام 412 هجرية.

6- عفاف العرب- حسن مغنية

الكتاب يدور في زمن التراث العربي من أكثر من ألف عام، ومؤلفه متخصص في هذا النوع من الكتابة فقط. هل أصبحت قصة عنتر وعبلة مخططًا إخوانيًا؟

7- دستور أمة الإسلام- د.حسين مؤنس

الدكتور حسين من أشهر رموز الحياة الثقافية المصرية، وكان رئيس تحرير مجلة الهلال الحكومية منذ عام 1977، وفي هذا الكتاب يتناول قصة صحيفة المدينة بصفتها أول دستور إسلامي ينص على المساواة والمواطنة والحريات. هذا أيضًا كتاب «تنويري» آخر.

8- مكانة القدس في الإسلام- الشيخ عبدالحميد السايح

المؤلف الراحل تولى وزارة الأوقاف الأردنية عام 1968، وكانت علاقته جيدة بمصر التي درس فيها بالأزهر.

9- مكانة المرأة في الإسلام- محمد عطية الإبراشي

المؤلف الراحل هو اسم آخر من رموز حركة «التنوير» في مصر، اختاره طه حسين شخصياً عضواً بلجنة الترجمة والنشر، وعمل بوزارة المعارف (الاسم القديم للثقافة) من 1945 إلى 1953.

10- من معالم الإسلام- محمد فريد وجدي

اسم شهير آخر من عصر «التنوير»، كان معاصرًا للزعيم الوطني مصطفى كامل، وصديقًا للعقاد، ودخل في النقاشات حول كتب طه حسين، وتولى رئاسة تحرير مجلة الأزهر لعدة سنوات، وتُرجمت كتبُه الإسلامية لمختلف اللغات. توفي عام 1948.

11- منهاج المسلم- أبوبكر الجزائري
الكتاب وصاحبه الراحل بالغا الشهرة، وكلاهما سعودي.

12- كلمات عابرة للمرأة المسلمة- محمد أمين مرزا

الكاتب سعودي، كان يتولى منصب مدير إدارة مراكز التوعية الإسلامية في الحج بمكة المكرمة.

13- المختار من إغاثة الأمة بكشف الغمة- المقريزي

كتاب تراثي، توفي مؤلفه المؤرخ المعروف منذ أكثر من 600 عام.

14- توجيهات إسلامية- الشيخ محمد بن جميل زينو

المؤلف سعودي، والكتاب من المطبوعات الرسمية لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.

15- للسياسة رجال- سمير رجب

لا تعليق!

16- عدد 7 كتب من إصدار «المجلس القومي لمكافحة المخدرات»، تشمل عناوين مثل «الدليل الطبي للعلاج من الإدمان» و«مواجهة مشكلة المخدرات».

لا تعليق!


17- زواج هزّ عرش مصر- رشاد كامل

الكتاب بالغ الشهرة، وتمت طباعته في مكتبة الأسرة الحكومية، وكاتبه الأستاذ رشاد كامل قبطي.

18 – عيد ميلاد جديد- محمد عناني

الكتاب أجنبي، وهو رواية معروفة لأليكس هيلي، وأستاذنا العظيم الدكتور محمد عناني هو مترجمها فقط، وليس المؤلف كما كُتب في بيان الوزارة.

19- الإرهاب- أحمد حمدي محمود

أيضاً الكتاب أجنبي، تأليف إريك موريس، وهو يفسر ظاهرة الإرهاب، ويناقش كيفية حلها والقضاء عليها!


كما هو واضح، كلها كتب عادية، أو تحوي أفكارًا دينية سعودية لا قطرية، أو حتى كتب مُعادية للإخوان أصلًا. لا وجود لما قالته الأستاذة بثينة بأن اللجنة الرهيبة اكتشفت فجأة- بعد عام كامل من السيطرة التامة للوزارة على المدرسة- وجود كتب «ممنوع تداولها في مصر، لأنها تحرض على العنف ومؤلفيها هاربون في قطر».

http://www.almasryalyoum.com/news/details/706111

بعد الهجوم الكبير الذي لاقاه الحدث، أصدر مكتب الأستاذة بثينة بيانًا رسميًّا، قالت فيه إن إحراق الكتب تم بسبب «وجود بعض المؤلفين مُعادين للوطن مثل (علي القاضي) والبعض ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين مثل رجب البنا- محمد محمد المدني».

الأستاذة حرفيًا «جت تِكَحّلها عَمِتها».

الأستاذ علي القاضي من عائلة مفتي الجمهورية الأسبق الشيخ محمد إسماعيل البرديسي، وقد حصل على عالمية الأزهر عام 1948، وعناوين كتبه المحروقة من نوع «الإسلام يدلل المرأة» أو «كيف نُعيد للإسلام مجده»، ليس بها شبهة سياسة. هل كون الأستاذ قد أُعير إلى قطر عام 1977 هو سببًا كافيًا لاعتباره «مُعاديًا للوطن»؟!

المسخرة تكتمل بالاسمين المتهمين بأنهما من الإخوان، الشيخ محمد محمد المدني صاحب الكتاب المحروق «وسطية الإسلام» هو من شيوخ الأزهر الشريف القدامى، حصل على العالمية عام 1927 وتوفي عام 1959، أما رجب البنا صاحب الكتاب المحروق «البحث عن المستقبل»، فهو بعيد تماماً عن المجال الديني كله أصلاً، كان رئيس مجلس إدارة دار المعارف الحكومية سابقاً، وأيضاً كان رئيس تحرير مجلة أكتوبر العسكرية سابقاً بين 1994 و2005! (عثرت على شخص آخر اسمه رجب البنا، كان مرشح مجلس شعب في كفر الشيخ، غالبًا هذا سبب الخلط بين الاسمين).

ما حدث هو اختيار اللجنة عشوائيًا للكتب التي توحي أسماؤها بأي كلمات مريبة مثل (الحكم، سياسة، دستور، مخدرات، إرهاب..إلخ)، وهو أسلوب يليق بأسلوب الجهل الخالص الذي تنتجه الدولة المصرية وتحتفي به، بدءًا بطلاب ثانوي الذين يكسرون النسبية ويكتشفون علاج السرطان كل أسبوع، وحتى «جهاز الكفتة».

أما إعلان هذه الأسماء تحديدًا بصفتهم إخوانًا ومُعادين للوطن فتتجاوز دلالته الجهل إلى انعدام الكفاءة التام، إلى حد أن وكيلة الوزارة الحاصلة على الماجستير وربما الدكتوراه، وكل طاقم مساعديها، يعجزون عن استخدام موقع «جوجل» للبحث عن معلومة واحدة صحيحة.

أنتم خارج العصر تمامًا.

(3)

... ثم كانت الهيستريا.

كان يمكن تجاهل الأمر أصلاً. كم طالباً يدخل أي مكتبة في أي مدرسة أصلًا؟ ما هو معدل القراءة في مصر أساسًا؟ من قال إن الإرهابيين يقرأون ويدرسون؟

وكان أيضاً يمكن ببساطة اتباع الطريقة الحكومية المعتادة، وهي المنصوص عليها في قرار التخلص من الكتب «التشميع بالشمع الأحمر».

لكن الأنظمة السلطوية تحتاج الهيستريا، تتغذى على مظاهر المبالغة وتضخيم كل شيء.

في عام 1933، قامت حشود من الألمان النازيين الوطنيين جدًا بإحراق 20 ألف كتاب في إحدى ساحات برلين لمجموعة من الأدباء والفلاسفة. إلى اليوم مازال الألمان يُحيُون هذه الذكرى السوداء في 10 مايو من كل عام. الصديق عبده فايد شاهد تغطية قناة ألمانية للذكرى، قال بها أحد الضيوف، إن «هذا الفعل تفردت به ألمانيا عن سائر الكوكب وسيظل يلاحقها».

إحراق الكتب علنًا، وليس مجرد التخلص منها، فعل يتكرر تاريخيًا في كل سلطوية مهووسة، فعلها النازيون، وفعلها أبو يوسف المنصور الذي أحرق كتب الفيلسوف ابن رشد، ومن قبل فعلها التتار في مكتبة بغداد، ومن بعد فعلتها داعش في الموصل في فبراير الماضي.

ودائماً هناك تلك الأجواء المصطنعة لمشهد الإحراق. حسب البيان الرسمي كانت العملية الخطيرة «مصحوبة بأغانٍ وطنية، مثل (يا أغلى اسم في الوجود- والنشيد الوطنى- وتحيا مصر) مع رفع الأعلام المصرية عاليًا بأيادي الحاضرين»، ولم تنسَ اللجنة في إخراج المشهد النظارات السوداء على عيون المسؤولين لتمنحهم ذلك المظهر الحكومي المهيب، وأيضًا لمسة روتينية أصيلة بتأكيد وجود طفايات الحريق بجوارهم.

هذا هو المكان الذي اختارت السلطة الحالية أن توجد فيه: بجوار التتار والنازيين وداعش، ذلك أفضل جدًا.

(4)
... ثم كانت الازدواجية.

الأستاذة بثينة- رغم كل شيء- هدف سهل، يمكن أن يثبت به الإعلاميون، والسياسيون، والمثقفون أنهم يقفون مع الحق، ولا ترهبهم الدولة أو فزاعاتها.

وصل الأمر إلى أن وزيرها نفسه يدينها. نتساءل هنا مثلًا: ما الفارق بين الفعل الجاهل الذي قامت به بثينة، وبين ترويج المؤسسة العسكرية بجلالة قدرها لجهاز الكفتة الذي صنعه نصاب- بنص الأحكام القضائية- ثم لم يُحاسَب أحد؟ لماذا لم نشهد نفس رد الفعل؟

بل أبسط من ذلك: لماذا يتحدث الجميع عن الأستاذة بثينة فقط وليس عن مسؤولي «الجهات السيادية»، رغم أنها قالت إنها نسقت معها عملية الإحراق؟

(5)

... وفي النهاية كانت بثينة.

كيف يواجه أي مسؤول حكومي أي انتقادات؟

أولًا: الكذب: قالت الأستاذة بثينة للمذيع شريف عامر إن الطلاب لم يكونوا موجودين أثناء الإحراق، وهو ما تنفيه شهادات الطلاب الذين زادوا أن ذلك حدث أثناء الفسحة.

ثانيًا: التخويف من جهات أكبر تسانده، قالت الأستاذة إن «جهات سيادية» هي من نسقت معها عملية الإحراق، وأثناء الحديث قالت إنها راجعت الأمن الوطني.. اعترضوا بقى على كلام الأمن الوطني!

ثالثًا: المزايدة الوطنية، واللوم الدائم لمؤامرة من العدو المرعب. قالت الأستاذة إن الهجوم الذي تتعرّض له «يرجع إلى سعيهم لإيقاف حملة المديرية لتطهير مدارس 30 يونيو من أفكار وأعضاء الإخوان».

الموضوع ليس شخصيًا أبدًا، ولا يصح اختصاره في الأستاذة بثينة ككبش فداء (الأسلوب الحكومي الأثير للتخلص من الإزعاج). هي مجرد نموذج ونمط كامل لعقلية كاملة. هناك أعداد لا تحصى من الـ«بثينة»، نمط متكرر من أصغر مواطن شريف وحتى أعلى المناصب.

الهيستريا التي تصل إلى الضرب في الاتجاه الخاطئ، المزايدة الوطنية والدينية طيلة الوقت، التخويف الدائم من العدو المرعب، دعم كل قيم المُحافظة، والطاعة للكبير، وعدم المراجعة والنقد، وإعلاء قيمة «الاستعراض» فوق قيمة «الكفاءة»، وقيمة «الهيبة» فوق قيمة «العدالة».

الأستاذة بثينة هي الدولة المصرية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية