x

دينا حمدى هل يفتح الأزهر باب الاجتهاد والتجديد؟ دينا حمدى الخميس 16-04-2015 00:41


لا يكف رجال الدين والأزهر من التأكيد على أنه لا قداسة أو كهنوت في الإسلام، وبرغم ذلك تجد لغتهم ومنطقهم يؤكد عكس ذلك تماما، فقد سمعت الشيخ خالد الجندي في حلقة آخر النهار يوم السبت الماضي يقول عن بن تيميه«سيدنا ابن تيميه رضي الله عنه»! مع أنه قبل ذلك بخمسة دقائق أكد أنه لا قداسة ولا كهنوت في الإسلام. ويدل ذلك على أنه مهما أكد رجال الدين أن الدين ليس له رجال، فإنهم في حقيقة الأمر يرون أنهم وحدهم حفظة الدين، وأن الله قد اختصهم بذلك عندما قال في كتابه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، وأن مهمتهم الأولى هي الدفاع عن «التراث» و«الثوابت» باستماته، لأن هذا هو السبيل للحفاظ على موقعهم في الكهنوت المزعوم، الذي جاء الإسلام للخلاص منه.

وقد تبين ذلك في الجدل الأخير الذي أثاره إسلام البحيري والحرب التي شُنت عليه بسبب تجرأه على انتقاد «ما هو معلوم بالضرورة». وبالرغم من مقتي الشديد لأسلوب البحيري في حلقاته، التي أرى فيها رغبة في إثارة الجدل لزيادة عدد المشاهدين والمعلنين، إلا أن ذلك لا يمنع أنه من حق أي شخص قرأ واضطلع أن يوجه تساؤلات أو انتقادات سواء لابن تيميه أو الوقائع المثيرة للجدل الواردة في التراث. فالأحرى بالأزهر ورجاله أن يأخذوا هم ببادرة إثارة الجدل عن طريق تناول الملفات الشائكة حتى قبل ظهورها على السطح، وذلك بالحجة والبرهان، لا بالتكفير والتفتيش في النوايا واتهام كل منتقد بأنه يهدم ثوابت الدين، مما يؤدي إلى تأليب المتطرفين على كل من يجرؤ على الانتقاد. فالله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه الحكيم أن نتفكر ونعقل ونتدبر، وليس الدين حكرا على أحد، ولا نقبل أن يكون للإسلام كهنوت.

و بما أن الأزهر وعلماء الدين يأخذون على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على الدين، فإن واجبهم الحقيقي ليس مهاجمة المنتقدين بل سرعة إنقاذ الإسلام من شرّين مرتبطين ببعضهما البعض: الإرهاب والإلحاد. فالمتطرفون، سواء أتباع الفكر السلفي أو الجهادي التكفيري، يأخذون من وقائع التراث والفقه المتشدد ذرائع لارتكابهم أبشع الجرائم باسم الدين، مما جعل الإسلام مدانا في كل بقاع الأرض ومتهما بالإرهاب والدموية والرجعية.

لقد فشل الأزهر والمنظومة الدينية في مواكبة تطورات العصر والتصدي للهجمة الشرسة على الإسلام ليس فقط من الخارج، ولكن الأخطر هو التآكل الذي يستشري من الداخل. فبدلا من التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي والتصدي للفكر الشاذ بالفكر الوسطي ومجادلة المنطق المنحرف، تقوقع الأزهر ورجاله على أنفسهم، وانشغلوا بالتوافه عن واجبهم الأصلي وهو فتح باب الاجتهاد وتجديد الفقه لمواكبة تطور العصروإختلاف الزمن. وبدلا من تمكين المسلمين من دينهم بالحجة والمنطق،ليتصدوا للاتهامات الباطلة والصورة البائسة عن دينهم، أدى فشل الأزهر ورجاله عن القيام بدورهم إلى تشكك الكثير من المسلمين في دينهم وعزوفهم عنه لعدم اقتناعهم باللغة العقيمة والمتعالية التي يتعامل بها رجال الدين مع العامة، واقتناعهم أنهم وحدهم لديهم صكوك احتكار الدين وتفسيره، وأن كل من يسأل وينتقد ويشكك يهدم ثوابت الدين.ومع عدم القدرة على مجابهة آراء المتشككين بمنطق أكثر قوة وحجة أكثر إقناعا، ترك رجال الدين الساحة خالية للبلبلة وأصبح من السهل استقطاب الكثير من الشباب الحائر إما لمعسكرات التطرف أو العزوف عن الدين.

ولكن قبل أن يتمكن الأزهر من القيام بدوره يجب على الدولة تمكينه من ذلك. فالأزهر جزء من النظام الإداري الذي يجب على الجهاز التنفيذي بالدولة وضع الشروط اللازمة لإصلاح الأزهر إداريا أولا ثم إعطاء العلماء الثقات المشهود لهم بالنزاهة والفكر لإصلاح المناهج التعليمية والدراسية والخطابية بالأزهر حتى يكون منارة علمية كما كان بالسابق. إلا أنني أخشى ألا تكون الدولة بجهازها التنفيذي الحالي، غير قادرة على القيام بهذا الدور، إلا إذا تواجدت الإرادة السياسية الحقيقية والرغبة الملحّة في التغيير، وهو ما يؤكده الرئيس السيسي باستمرار عند الحديث عن ضرورة إصلاح الخطاب الديني. ولكن التغيير الجذري المنشود يتطلب أكثر من التصريحات الرنانة، لأن المطلوب تمكين الأزهر من إعادة الهيكلة وتجديد الفكر الديني.

وبالإضافة إلى الإصلاح الهيكلي فالمطلوب من الأزهر أيضا أن يكون له تواجد إعلامي ممنهج، سواء في الإعلام التقليدي مثل الصحف والفضائيات، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تصل مباشرة لشريحة عريضة ومتنوعة من الشباب، وذلك حتى يتمكن الأزهر من التصدي للفكر الشاذ أو المتطرف ويستأصل فرص انتشاره من جذورها، ويسد الطريق على كل من يحاول استغلال الدين لتبرير الإرهاب. بالإضافة إلى أن ذلك يعد أسرع طريق لنشر الدعوة في العصر الحديث، ويضع رجال الدين في اتصال مباشر مع الجمهور، لمعرفة أهم القضايا المثارة على الساحة العامة وتناولها بطريقة سلسة ولغة بسيطة وعصرية تصل للمتلقي بسهولة.

وأقترح إقامة مناظرات دورية منتظمة، يتم الإعلان عنها مسبقا، يتم فتحها للجمهور للحضور، وتصويرها تلفزيونيا، تتناول أهم القضايا الشائكة المطروحة على الساحة، وبذلك نخلق ثقافة مجابهة الفكر بالفكر، وتطوير الحجة والمنطق في مواجهة الفكر المختلف، وتوصيل الصورة الصحيحة للرأي العام بطريقة شيقة وسهلة. بالإضافة إلى أن الاحتكاك الفكري من شأنه أن يؤدي حتما إلى تطوير الفكر وتحديث المنطق، ويفتح باب الاجتهاد والتجديد الفقهي، الذي هو الطريق الوحيد لمواجهة الفكر المتطرف بفكر نهضوي وتحبيب العازفين من المسلمين في دينهم مجددا.

إن استمرار الأزهر ورجال الدين في ترفعهم عن مواكبة تطورات العصر، وتصميمهم على إغلاق باب الاجتهاد والتجديد لتمكين المسلمين من الجمع بين إيمانهم بدينهم مع العيش في العصر الحديث ،يترك المجال مفتوحا لاستشراء فقه التطرف والمنهج الشاذ. إن التقاعص عن الدور المنوط بهم في هذه المرحلة العصيبة التي تهدد الإسلام في مقتل يعني أن الحكومة والأزهر والمنظومة الدينية هي التي تهدم ثوابت الدين بالفعل. ولذلك أقول للشيخ خالد الجندي: عفوا، بن تيمية ليس بسيدنا. فكفانا تقديس للأحبار، لأن هذا التقديس للشاذ من التراث وعدم اتمام العلم به وعدم فهمه فقهيا هو ما دفع بعض الشباب من مستويات اجتماعية مختلفة بالالتحاق بالتنظيمات الإرهابية مثل الإخوان وداعش. نحن في مرحلة نحتاج فيها إلى تجديد الفقه وفتح باب الاجتهاد.نحن في أمّس الحاجة لمجدد مستنير مثل الإمام محمد عبده.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية