ما الصعوبة فى أن ندرّس لأطفالنا فى حصة الدين ما تيسر من الآيات القرآنية التى تعلمهم التسامح والحب والعمل، وما تيسر من الأحاديث النبوية الواضحة التى تفسر لهم بعضا من أمور الحياة، مع قصص تمهد لهم الطريق إلى الخير والأمل والنظافة والتعاون؟! هل الدين الإسلامى أكثر من هذه الأمور البسيطة التى تشكل وعيا كبيرا؟ أليس الإسلام فى جوهره هو قبضة من الحياة الحلوة التى يسعى أن يكون المسلم عليها؟
أتابع، إذن، تلك المعركة التليفزيونية التى لها آثار الطحن، لكنها لا تنتج فى النهاية حفنة قمح تصنع رغيف خبز لجائع. يسكن الشيطان كالعادة فى التفاصيل، لكن أى شيطان هذا الذى تفتّق ذهنه، ووصل إلى درجة من الشر لم يصلها إبليس ذاته، وهو يشغلنا بما هو تافه عما هو مفيد؟
تعلمت منذ طفولتى أن (أستفتى قلبى) فى كل أمور الحياة. هذه الحكمة الصغيرة البسيطة للغاية تحمل لى كل الإجابات عند مفترق الطرق، لم أسأل مرة شيخا فى أمر، قلبى موجود، وكنت قد حملت معى منذ طفولتى درس أركان الإسلام وآيات ترفعنى إلى درجة التسامح. ماذا أريد أكثر من حقيبة صغيرة خفيفة أسافر بها عبر الأيام دون أن أدخل فى حسابات الشيوخ الذين لا يرون الحياة إلا من خلال نصوص، كثير منها منسوب للسنوات التى مرت!
فى الدين الإسلامى (الوسطاء يمتنعون)، لأن الصواب واضح والخطأ واضح، وهما مثل الماء والزيت لا يختلطان، ومع ذلك يحاول كثير من المستفيدين خلطه!
علينا أن ننتبه إلى أن مناقشة أمور الدين يجب أن تتم فى معزل عن الحالة التليفزيونية والشو الإعلامى الذى ينساق خلف الإثارة، ويجنح إلى إرضاء الزبون بمادة جذابة.. كم فى المائة من المشاهدين يمكن أن يكون طرفا فى مناقشة تليفزيونية؟ منذ ظهرت البرامج الدينية على شاشة التليفزيون وقد تحولت إلى برامج تسعى إلى صناعة نجم يمكنه أن يضمن مشاهدة للقناة، على حساب أى شىء. مرة أخرى أكرر: على حساب أى شىء! والوصول إلى نسبة من المداخلات التليفونية المدفوعة بسعر الدقيقة. خلطة الفتاوى بشهوة إرضاء الزبون هى الخلطة التى أصبح بها شيوخ مليونيرات ومشايخ صالونات وعمائم تقبض ثمن حفظها النصوص التى يمكن أن تدهش المستمع، نفسها أفسدت مجتمعا كاملا، ليس لأنها صنعت إرهابيين فى الفكر، إنما صنعت فتاوى هشة قابلة لأن تلعب أدوارا كثيرة فى حياة الفرد وهو مطمئن أن هناك نصا وفتوى وشيخا يحميه!
كلنا سنقابل الله دون أى شىء إلا ما فعلناه فى حياتنا، لن يشفع لك شيخ أو فتوى أو نص، إنما أنت، أنت كما رغبت أن تعيش، لن نقابل هناك شيخا من الأزهر ولا شيخا من خارجه، ولا باحثا ولا عالما.
أجد هذه المرة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام مهمة تمسه هو شخصيا إذا تركها، مهمة لا تحتمل الصمت أو الاتكاء على أنها سوف تحل نفسها، أو أنها سوف تفتح بابا للنقاش يطهر المجتمع. ما يحدث لا يتفق مع ثورة دينية طالب بها، إنما ينبئ بفوضى دينية تصل إلى درجة الفتنة، فى انتظار قرار جمهورى يمنع مناقشة القضايا الدينية على الهواء، فينقسم المجتمع فى ذات الليلة انقساما يؤدى إلى كارثة.
ثورة دينية معناها مناقشات مغلقة، لا يحق لجمهور العامة الذى لا يفقه فى الأمور أكثر مما يستطيع عقله أن يحمل، ثم تصدر بتوصيات يوقع على تنفيذها الجميع، الإعلام والتعليم والأزهر والأوقاف وكل الجهات المختصة- ترك الباب مفتوحا للمناقشات العلنية الصاخبة لن تولد فى المجتمع إلا عنفا، كما لا يجب أن نترك أمور الدين تدار بمنطق مناظرات تليفزيونية تؤدى إلى مزيد من الاحتقان، ومزيد من الإعلانات بالضرورة والأرباح.
إذا سار الأمر كذلك، فتوقع مناظرات أكثر جدلا وسخونة وبجاحة ووقاحة، كأنها مزيد من السباحة بعيدا عن الدين. وسوف تتحول منابر المساجد بالضرورة إلى منابر لتبادل الاتهامات والسباب !
ما يحدث من مناظرات سقطة إعلامية بدأنا بالفعل فى دفع ثمنها، فهل ترغب، سيادة رئيس الجمهورية، فى المزيد من الثمن والخلاف والاختلاف وربما الدم؟!