x

أنور الهواري الطريق إلى السجون أصبح من اتجاهين أنور الهواري الأربعاء 08-04-2015 21:16


السجنُ- فى القرآن- مؤسسة سياسية مصرية، ثم هو- بعد ذلك- أنشط المؤسسات السياسية المصرية. لم يرد السجنُ- فى القرآن- إلا عند الحديث عن السياسة المصرية. وبالتحديد عند الحديث عن العلاقة بين الحاكم والشعب، بين الفرعون والناس. فأنت تُسجن لأسباب سياسية، هذه هى الجريمة.

يستوى- فى ذلك- أن تكون جريمتُك رفض الخضوع المُطلق لسلطة الحاكم المُطلق، كما هو الشأن فى جريمة موسى من وجهة نظر الفرعون: «لئن اتخذتَ إلهاً غيرى لأجعلنَّك من المسجونين». الآية 29 من سورة الشعراء.

أو تكون جريمتُك رفض الخضوع- ليس فقط لسلطة الحاكم- بل لأهواء حاشيته، مثلما هو الشأن فى جريمة يوسف من وجهة نظر امرأة العزيز: «ليُسجَنَنَّ وليكونَن من الصاغرين». الآية 32 من سورة يوسف.

لم يُذكر السجنُ إلا فى سورتى يوسف ثم الشعراء. الفرعون مع موسى. زوجة العزيز مع يوسف. موسى لم يدخل السجن، بل هرب، والفرعون غرق. يوسف دخل السجن: «ثم بدا لهم من بعض ما رأوا الآيات ليسجُنُنَّه حتى حين» الآية 35 من سورة يوسف، ويقضى فيه عدة سنوات، يدخله بقرار سياسى، ويخرج منه بقرار سياسى، وإذ يتكرر الحديثُ عن السجن ومن فيه وعن الحياة داخله، تلتقط- بسهولة- الجوهر الثابت فى لعبة السياسة المصرية، منذ تأسست على ضفاف هذا الوادى أعرقُ دولة فى تاريخ الإنسان، لكن واضح من الإشارات الموحية فى القرآن لطبيعة الحياة اليومية داخل السجون السياسية للفرعونية القديمة، أنها كانت فرعونية شريفة، مستبدة لكنها ليست خسيسة، ليس فى الفرعونية القديمة أثرٌ للتعذيب داخل السجون، بل فيها طعامٌ وشرابٌ وحوارٌ، وقد تكررت صيغةُ النداء الدافئة الحميمة «يا صاحبى السجن» مرتين فى الحوار بين يوسف ومن معه من المساجين. فى إشارة- لا يُخطئُها الإحساسُ- إلى أن أوضاع السجن السياسى فى الفرعونية القديمة كانت تحترمُ حقوق الإنسان.

طبعاً لم يذكر القرآنُ شيئاً عن إمكانية أن أمين شرطة- فى الفرعونية الجديدة- يستطيع أن يلفق لسيادتك قضية، تدخل بها السجن، وقلبُه مطمئن بأنه ظل الدولة على الأرض، أو ظل فرعون فى البلد.

التاريخ يتغير. العلاقة بين الحاكم والمحكوم تتغير. زمان كان الحاكم يسجن المحكوم، بقانون أو بغير قانون، بالحق أو بالباطل. اليوم: الوضع مختلف، السجن السياسى أصبح طريقاً له اتجاهان، الاتجاه الجديد فيهما: أن الشعب يستطيع أن يسجن الحاكم. اتجاه جديد فى السياسة المصرية، اتجاه تأسس ليؤسس علاقة جديدة ممتدة، ليس مصادفة، ليس زلة زمن، ليس خطأً تاريخياً، ليس جملة اعتراضية. بل هو نقطة الانطلاق التى تتأسس عندها كل التعاقدات الاجتماعية الجديدة بين الشعب والسلطة.

نحنُ لانزال فى استقبال ألفية جديدة من تاريخ الدولة المصرية الألفى الطويل، لم يمر- من هذه الألفية- إلا خمسة عشر عاماً فقط، 2000 م- 2015 م، وهى سنوات الغليان والفوران الأعنف والأعمق والأوسع فى تاريخ مصر المكتوب، ومع أنها لا تزيد على خمسة عشر عاماً فقط إلا أنها أحدثت الانقلاب الأضخم فى تاريخ الدولة المصرية العتيدة:

لم يعُد فرعون هو الذى يهدد بسجن موسى، العكس صحيح، موسى [الشعب] هو الذى يحلم بسجن الفرعون، ثم يهدد بسجن الفرعون، ثم ينجح ويسجن ويحاكم الفرعون. هذا انقلاب ضخمٌ فخمٌ منذ عرف الشعبُ معنى الدولة، ومنذ عرف الشعبُ جلال الفرعون، حتى خرج بعد صلاة الجمعة 28 يناير 2011 م، فرقَّع أصداغ الدولة، ووضع الفرعون فى القفص الحديدى، وقد نُزعت عنه هيبةُ السلطة، إلا من قضاءٍ يحكم باسم الشعب.

كذلك، لم تعُد حاشيةُ العزيز تملك سلطة تلفيق القضايا لكل من يخرج عن الطاعة، ومهما حاولت الحاشية أن توهم نفسها أنها قادرةٌ على ذلك، فلن تستطيع. فهذا زمانٌ لن تدوم فيه الأيام لعزيز، ولن يدوم فيه السلطان لحاشية، هذا زمانٌ العزيزُ فيه هو الشعب، ولن ينجح، ولن يُفلح كل من يريد أن يمحو- من وعى الشعب- فصول الزلزال التاريخى الذى ضرب أركان الفرعونية إلى غير رجعة.

سين سؤال: لماذا هذه المقدمة وما ورد فيها من خواطر؟!

جيم جواب: مع احترامى الشديد لاجتماعات السيد رئيس الوزراء مع السادة رموز الأحزاب، فيما يختص بالانتخابات البرلمانية، ودون أدنى إساءة أو انتقاص من أقدارهم جميعاً، أود أن أقول:

رقم واحد: رئيس الوزراء يمثل من جاءوا به- دون أدنى استحقاق- إلى منصبه، يمثل المنصب، ولا يمثل الشعب، على الأقل فى هذه اللحظة التاريخية المثقلة بالآمال الكبار والإحباطات الأكبر، رئيس الوزراء ليس أكثر من موظف قطاع عام.

رقم اثنين: قادة الأحزاب يمثلون أنفسهم خير تمثيل، أما الشعب- فى مجمله- فهو مازال خارج الأحزاب، بمثل ما هو خارج سلطة 30 يونيو، التى دخلت القصر، ثم جلست، ثم أغلقت على نفسها الباب، ثم قالت للشعب: انتظرنى بره شوية من فضلك.

رقم ثلاثة: سُلطة 30 يونيو سادرةٌ فى المراوغة، تُسعدُها أجواء الغموض التى تصنعها عن عمد وقصد، تستذكى نفسها على الداخل والخارج، كأن الداخل أعمى، وكأن الخارج يأكل من هذه الأفلام. هى تريد أن تصور الموضوع كالتالى: أحزاب ضعيفة ومنقسمة وهشة وذات مصالح وأغراض، وشعب زهقان وقرفان منها ولا يثق فيها، العيب فى الأحزاب وفى الشعب، وليس فى سلطة 30 يونيو. وهذا تضليلٌ محضٌ: صحيح الأحزاب أى كلام، لكنها نفسها لم تقل إنها تمثل الشعب، كلنا نعرف أن الشعب مازال بعيداً عن الأحزاب. لكن الشعب يستطيع أن يعمل سياسة من خارج الأحزاب. ويستطيع- لو أن السلطة مستقيمة- أن يختار أفضل النواب، ويشكل أروع برلمان. وهذا بالضبط: ما لا تريده سلطة 30 يونيو. هى لا تريد ديمقراطية. ولن ترضى بالبرلمان إلا إذا كان تكريساً لسلطتها، ولن ترضى- أبداً- ببرلمان يمثل الشعب تمثيلاً حراً.

اسمعوا كلامى: الطريق إلى السجون أصبح من اتجاهين. يعنى مزدوجاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية