x

هاني السلاموني تجربة سنغافورة فى التنمية الاقتصادية هاني السلاموني السبت 04-04-2015 21:09


سنغافورة كانت إحدى المستعمرات البريطانية حتى عام 1960 حيث كانت سنغافورة من الموانئ التي أقامتها شركة الهند الشرقية التابعة للإمبراطورية البريطانية في في عام 1819 في نطاق التوسع الأوروبي في آسيا من أجل الأسواق والموارد الطبيعية، وفى عام 1965 انفصلت عن ماليزيا حيث كان اقتصادها في الأساس بمثابة محطة تجارية إقليمية. وكانت القواعد العسكرية البريطانية تمثل نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي الاسمي وكان ما لا يقل عن 75٪ من السكان بدون تعليم أساسي.

بدأ لى كوان يو قائد التغيير الحديث لسنغافورة والذى استفاد من تجربة الدراسة في المملكة المتحدة في إيجاد رؤية تنموية إنسانية اقتصادية تدفع ببلده المتخلف والمتأخر والمتناحر مع الآخرين إلى طريق التنمية المستدامة، مما نقل سنغافورة من دولة مغمورة من دول العالم الثالث إلى دولة حديثة من دول الصف الأول وتطور الاقتصاد بسرعة ملحوظة حيث تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ما بين 1966 و2013 خمس عشرة مرة، أي بمعدل أسرع ثلاث مرات من نظيره في الولايات المتحدة الأمريكية.

التعليم كان المفتاح الحقيقي للانتقال للعالم الأول والمنافسة الاقتصادية العالمية من خلال الاستثمار الحقيقي في الموارد البشرية مما مكن سنغافورة من استقطاب كبرى الشركات العالمية للعمل فيها نظرا لحسن تعليم وتدريب وانضباط المواطن السنغافورى ويؤكد لي كوان يوفى كتابه من العالم الثالث إلى الأول: قصة سنغافورة 1965- 2000 أهمية الكفاءات الوطنية في بناء الدولة بالقول بعد عدة سنوات في الحكومة، أدركت أنني كلما اخترت اصحاب المواهب والكفاءة كوزراء وإداريين ومهنيين، كلما كانت سياساتنا أكثر فعالية وأكثر نجاح.

كما حرصت سنغافورة على إدارة نظامها المالي بشفافية وكفاءة، تجنبا للكوارث التي حصلت في الأسواق الأخرى فقد رفضت الدولة هناك طلب العديد من المؤسسات الدولية العالمية المشهورة بالفساد مثل بنك الاعتماد والتجارة في فتح فروع لها والعمل داخل سنغافورة نظراً للشبهات التي كانت تحيط به والتى ثبت صحتها، حيث انهار وأغلق عام 1991 عن حوالي 11 مليار دولار خسائر للمودعين، كماامتدت الشفافية التي انتهجتها سنغافورة إلى الإعلام، حيث كانت الحرية للإعلام المحلي أكثر منها للإعلام الأجنبي نظرا لقرب الإعلام المحلي من الأحداث وحتى لو تعلقت الأخبار برئيس الوزراء الذي أدرك أن مناقشة القضايا أمام الإعلام الحر صمام أمان للوطن وأن إسكات الإعلام واستبداله بإعلام دعائي هو سرطان ينهش في جسد الوطن في زمن أصبح فيه الحصول على المعلومة أكثر سهولة خاصة بعد ثورة الإنترنت وتطور الاتصالات.

اشتملت المرحلة الأولى من التنمية في سنغافورة على تعبئة كبيرة للمدخلات لتحويل الاقتصاد إلى قاعدة للصناعات التحويلية الموجهة نحو التصدير وكانت المدخرات الوطنية هي الممول الأول لهذه المرحلة ثم جاء دور الاستثمار الأجنبى مما ساعد على تراكم رأس المال ورفع حصة الاستثمار في الناتج العام من 10% عام 1960 إلى 40% في الثمانينيات طبقاً لتقارير البنك الدولى، كما عززت سنغافورة من القيمة المضافة لمنتجاتها من الصناعات الخفيفة مثل النسيج، والملابس، والمواد البلاستيكية إلى صناعات متطورة كالإلكترونيات، والمواد الكيميائية، والهندسة الدقيقة، وعلوم الطب الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، مضى هذا التطور جنبا إلى جنب مع زيادة كبيرة في الخدمات، وخاصة الخدمات المصرفية..

كما وضعت سنغافورة استراتيجيتين، تعتمد الأولى على استيراد أحدث التطورات التكنولوجية العالمية لزيادة إنتاجية رأس المال والعمالة وذلك من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوظيف المواهب الأجنبية كوسيلة لنقل المعرفة. بينما ترتكز الاستراتيجية الثانية على توفير البيئة القانونية، والفكرية، والحوكمة الرشيدة للنمو ورعاية المواهب المكتسبة من أجل خلق مجالات للابتكار والتقدم التكنولوجي. وفي هذا الصدد، تحتل سنغافورة المرتبة الأولى في نظام الحوافز الاقتصادية لاقتصاد قائم على المعرفة، والرابعة في العالم من حيث الابتكار في مؤشر اقتصاد المعرفة للبنك الدولي. كما يصنف البنك الدولي سنغافورة في المرتبة الأولى في العالم في تقريرها عن جودة مزاولة أنشطة الأعمال.

هناك العديد من أوجه التشابه بين نموذج سنغافورة والنموذج المصرى من حيث البدايات والظروف والصعوبات، وعلى الرغم من أن مصر لم تركب بعد قطار التنمية إلا أن دولة غنية بفرص تنموية نموذجية ولديها وفرة في الموارد البشرية والأرض يمكنها متى توفر لها الإرادة أن تستغرق نصف زمن الرحلة التي استغرقتها سنغافورة للتحول من العالم الثالث إلى العالم الأول.

.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية