فرضت العمليات العسكرية التي وجهتها قوات التحالف العشري بقيادة المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن نفسها على القمة العربية في شرم الشيخ، وكانت دافعا للكثير من الدول العربية وخصوصا مصر للمطالبة بضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك وتشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة تهديدات الأمن القومي العربي.
التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة العربية كثيرة، والبحث عن صيغ جديدة للتعاون من أجل مجابهتها بات ضرورة ملحة، لكن إنشاء قوة عسكرية مشتركة تحت مظلة الجامعة العربية يستلزم تعديل الميثاق التأسيسي للجامعة لتفعيل دور مجلس السلم والأمن العربي الذي أقره مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بالسودان في دورته العادية الثامنة عشرة في مارس 2006.
في 1945 وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت دول الحلفاء التفكير في استغلال تحالفها الذي مكنها من النصر على دول المحور، لتشكيل قوة موحدة كدرع يحمي أمنها ضد أي تهديد خارجي، فوقعت معاهدة شمال الأطلسي في واشنطن في 4 ابريل سنة 1949 لبناء تنظيم عسكري تكون مهمته الرئيسية حراسة حرية الدول الأعضاء وحمايتها، والمساهمة في حل الأزمات السياسية قبل أن تتفجر وتتحول إلى مهددات لأمن الدول الأعضاء.
منذ هذا التاريخ لم تتعرض الدول الأعضاء في الحلف لهجوم عسكري مباشر رغم التوترات التي سادت العلاقات الدولية إبان فترة الحرب الباردة. أي يمكن القول أن إنشاء الحلف منع التهديدات المحتملة من المنبع، فهل ينجح العرب في تشكيل «ناتو عربي»، لمجابهة التهديدات الحالية وصيانة الأمن القومي العربي من تهديدات لم تظهر بعد؟.
تشكيل قوة عربية مشتركة لن تقتصر مزاياه على مكافحة الإرهاب العابر للحدود، لكنه سيجعل العرب رقما صعبا في خريطة توازنات القوى إقليميا، في ظل الصراع المحموم على النفوذ، من خلال جيش يلعب دورا اكبر ليس على مستوي الداخل العربي ولكن على مستوي الاقليم ككل بهدف خلق ما يمكن ان نطلق عليه «جيش ردع»، عربي في مواجهة بعض الاطراف الاقليمية.
ومن هنا، يواجه تشكيل القوة العربية العسكرية المشتركة عدة تحديات أبرزها عدم موافقة بعض الدول الأعضاء بسبب تخوفها من أن تستخدم هذه القوة للتدخل في شؤونها الداخلية، كالعراق الذي تحفظ على القرار حتى تتم دراسة كل الجوانب القانونية ذات الصلة، وامتناع سلطنة عمان عن إبداء رأيها حتى الآن.
أيضا ارتباط بعض الدول العربية بعلاقات وثيقة مع بعض القوى الدولية والإقليمية، والتي ترى في هذه القوة تهديدا مباشرا لمصالحها ونفوذها مثل (تركيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية)، وهو ما قد يعرقل مفاوضات إنشاء القوة، حيث أن الموافقة المبدئية لبعض الدول العربية على إنشاء قوة مشتركة لا يضمن بالضرورة إنجاز المهمة.
اختلاف الرؤى الدولية لعدد من القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية مثل (سوريا، وليبيا، والعراق، واليمن) أيضا قد يؤدي إعاقة تشكيل قوة عربية مشتركة، وهو ما ألمحت إليه رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقمة العربية حول ضرورة تجنب التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة، وهو ما قد يفسر تخوفه من أن تستخدم القوة المشتركة ضد حليفه نظام بشار الأسد في سوريا، فضلا عن اعتراض روسيا والصين على الضربة الجوية السعودية للحوثيين في اليمن.
أيضا، القوة العربية المشتركة من شأنها أن تشكل مصدر قلق لإسرائيل بسبب توتر علاقاتها مع معظم الدول العربية، وهو ما قد يدفع حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو للعمل على إجهاض تشكيلها من خلال علاقاتها بالقوى الدولية، لا سيما مع حصول فلسطين على صفة عضو مراقب بالأمم المتحدة، واقتراب حصولها على عضوية المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإن تشكيل قوة عربية مشتركة تكون فلسطين عضوا بها من شأنه تعديل موازين القوى.
وللتغلب على كل هذه التحديات في سبيل قوة عربية على غرار حلف الناتو، لا ينبغي أن يقتصر دور القوة المقترحة على التدخلات العسكرية وحسب، بل يجب أن يصاحبها دعم جهود إعادة الإعمار في فترة ما بعد النزاعات لتعزيز السلام والحيلولة دون تجدد النزاعات، بجانب تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب الدولي بكافة أشكاله وجوانبه، إلى جانب تعزيز القدرات العربية في مجال العمل الوقائي من خلال إعداد نظام للإنذار المبكر لرصد العوامل المؤدية للنزاعات. كما تبرز أهمية التنسيق مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في تشكيل القوة العربية المشتركة من أجل اكتساب الغطاء الأممي وفقا لقواعد القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، لتجنب اعتراض القوى الدولية والإقليمية على إنشائها.
أخيراً؛ يمثل تشكيل قوة عربية مشتركة ضرورة ملحة في ضوء التهديدات التي تمر بها المنطقة العربية، بما يفرض على الدول العربية ضرورة العمل من أجل إنجاحها، والتغلب على التحديات التي تواجه تشكيلها من خلال وضع معايير واضحة لاستخدام القوة العربية المشتركة، وتحديد أهدافها بشكل واضح، والاتفاق على أوجه ثابتة لتمويلها حتى تؤدي مهامها بفاعلية ولا تتعثر مستقبلا، مع مراعاة مبدأ عدم تدخل إحدى الدول الأعضاء في الشؤون الداخلية لدولة عضو أخرى، وتدعيم أسس الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان، واحترام القانون الدولي الإنساني في إطار جهود الوقاية من النزاعات ومنعها وإدارتها وتسويتها.