x

حسين عبد الرازق الدستور وقوانين الانتخابات: الاستفتاء لا يحصن القوانين غير الدستورية (٢) حسين عبد الرازق الخميس 02-04-2015 21:22


انصب هجوم المدافعين عن قوانين الانتخابات - التى حُكم بعدم دستورية بعض موادها - على الدستور ولجنة الخمسين بداية بالمادة 102 من الدستور باعتبارها سبب هذه الأزمة، خاصة فى نصها على ضرورة «التمثيل المتكافئ للناخبين» إلى جانب مراعاة التمثيل العادل للسكان والمحافظات، وفات أصحاب هذا الادعاء أن معيار «التمثيل المتكافئ للناخبين» تمت إضافته استجابة لتقرير سابق للمحكمة الدستورية العليا عند عرض قانون مجلس النواب عليها فى ظل دستور 2012 الإخوانى السلفى، والذى كان ينص على الرقابة السابقة لقوانين الانتخابات، وفاتهم أيضاً أن الحكم ببطلان المادة الثالثة من قانون تقسيم الدوائر الذى صدر عن المحكمة الدستورية العليا فى أول مارس الماضى لم يستند فقط إلى المادة 102 وإنما استند أساساً للمواد 4 و9 و35 و87 من الدستور.

* وثانى الأخطاء القول إن «الكوتة» أو التمييز الإيجابى للفئات الضعيفة «الشباب والأقباط وذوى الإعاقة والمصريين بالخارج والعمال والفلاحين» اعتداء صريح على مبدأ سيادة الشعب وإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين، فيبدو أن علمهم لم يصل بعد إلى ما استقر عليه الفقه الدستورى العالمى من تبنى فكرة التمييز الإيجابى للطبقات والفئات الضعيفة مستنداً إلى تطور مفهوم المساواة، ليتحول إلى تكافؤ النتائج بدلاً من تكافؤ الفرص. ويقوم مبدأ تكافؤ النتائج على أساس أن إسقاط الحواجز الرسمية ليس كافياً فى ظل معوقات واقعية وعملية، وهى معوقات مركبة وذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، ولذا يعد تخصيص المقاعد «الكوتة» للفئات الضعيفة وسيلة لتحقيق تكافؤ النتائج والقفز فوق المعوقات الحقيقية العلنى منها والخفى، وهناك 108 دول تأخذ بهذا النظام.

* أما القول بالعودة للرقابة السابقة على القوانين والتى كان معمولاً بها فى دستور الإخوان 2012، فيرفضه د. صلاح فوزى، أستاذ القانون الدستورى، «لأن الرقابة السابقة هى عبارة عن رقابة مكتبية تتم على الورق من خلال تبادل نصوص القوانين بين المؤسسة التشريعية والمحكمة دون أن تخضع للتطبيق الذى يظهر العيوب».

ويضيف د. ثروت عبدالعال أن خطورة الرقابة السابقة تكمن فى تطهيرها للقوانين بمجرد صدورها وبراءتها من كافة العيوب الدستورية، أما مميزات الرقابة اللاحقة فتتمثل فى مباشرة المحكمة الدستورية هذه الرقابة بعد أن يوضع القانون موضع التطبيق، وبعد أن يختبر من وجهة نظر اجتماعية، وبعد أن تكون أبعاده فى مجال التطبيق جلية واضحة، والأضرار المترتبة عليه ظاهرة وقاطعة، فدخول القانون مرحلة التطبيق هو الذى يبين نطاق العوار الذى أصاب هذا القانون.

* ويلفت أستاذ القانون الدستورى النظر إلى نقطة مهمة.. «فكيف تتأكد المحكمة الدستورية العليا أن ما انتهى إليه المجلس النيابى من تعديلات يوافق ما أصدرته المحكمة الدستورية من قرار عند العرض المسبق عليها؟ كذلك فالرقابة السابقة تجعل من المحكمة الدستورية العليا (قاضياً ومشرعاً)، فى ذات الوقت، إذ تجعل البرلمان المنتخب ملزماً بسن التشريعات وفقاً لما ارتأته المحكمة الدستورية العليا فى رقابتها السابقة».

ويقول د. حازم الببلاوى: «الطعن بعدم الدستورية هو حق دستورى للمواطن، وكل مواطن، وليس حقاً للمحكمة بقدر ما هو واجب عليها للفصل فى المنازعات المعروضة عليها، أما إذا تم استبدال كل ذلك بنوع من الرقابة المسبقة من أحد الأجهزة الرسمية، فمعنى ذلك حرمان المواطن المصرى من حقه الأصيل فى المنازعة فى دستورية القوانين، وحصر هذه الرقابة على جهة رسمية واحدة هى المحكمة الدستورية العليا.. وبذلك تتحول المحكمة الدستورية من سلطة قضائية للفصل فى منازعات إلى مكتب لإبداء الآراء والفتاوى القانونية».

ومحاولة اكتساب القوانين الخاصة بالانتخابات «قانون مجلس النواب - قانون تقسيم الدوائر - قانون مباشرة الحقوق السياسية» حصانة ضد الطعن عليها بعدم الدستورية عن طريق طرحها للاستفتاء الشعبى العام، محاولة محكوم عليها بالفشل مقدماً، فقد استقر الفقه الدستورى وأحكام المحكمة الدستورية العليا على أن «عرض القانون على الشعب للاستفتاء عليه يكسبه قبولاً شعبياً لكنه لا يمنع أى أثر بعدم الدستورية لأى مادة من مواده».

كذلك فإن الاستفتاء كآلية ديمقراطية يتطلب أن يجرى حول موضوع واحد بسيط يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا، وليس جمعاً لموضوعات مختلفة أو مواد وبنود عديدة يستحيل الإجابة عنها كلها بنعم أو لا، ومن الأمثلة التقليدية فى هذا المجال أن الحكومة الفرنسية طرحت على الاستفتاء الشعبى يوم 21 أكتوبر 1945 سؤالاً يتصل بوضع دستور النظام الجديد بعد تحرير فرنسا: «هل تقبل أن تقوم الجمعية المنتخبة بوضع الدستور؟»، وهو سؤال مركب أو سؤالان على الأصح، جزء منه يتعلق بما إذا كانت الجمعية التى تضع الدستور منتخبة أو لا، والجزء الثانى يتعلق بما إذا كانت تضع الدستور أم لا؟ وأثار هنا السؤال عاصفة شديدة من النقد، وقال فقهاء وساسة كيف سيقضى الشعب فى أمر يختلف فيه أساتذة القانون، وأنه لا يجوز أن يطرح فى الاستفتاء سؤالان متداخلان، فما بالنا والمطلوب الاستفتاء على قوانين تتضمن عشرات المواد وموضوعات عدة؟

تبقى ملاحظة أخيرة حول الحملة على لجنة الخمسين لصياغة الدستور، والقول بأنها تفتقر لخبراء الدستور والقانون، وأنها عملت بمبدأ التوافق بين أعضائها، وينسى هؤلاء أن الدساتير لا يتم إقرارها بالأغلبية والأقلية كما يحدث بالنسبة للقوانين، وإنما يتم إقرارها بالتوافق بين كل مكونات المجتمع السكانية والقومية والطبقية والاجتماعية، وهو ما حرصت عليه لجنة الخمسين، فلم يتم إقرار أى مادة لا تحصل على موافقة 75٪ على الأقل من أعضاء اللجنة، وتم إقرار الدستور فى النهاية بالإجماع قبل طرحه على الاستفتاء الشعبى، ويعكس تشكيل اللجنة كافة مكونات المجتمع المصرى وأطيافه وفئاته، واختارت كل جهة ممثليها ولم يفرضها أحد عليها، ودور خبراء الدستور والقانون هو الصياغة الفنية لما قررته لجنة الخمسين من مواد، وهو ما حدث بالفعل.

لذلك فإن احترام الدستور والتزام القوانين كافة بمواده واجب على الكافة وضمانة للاستقرار فى الحاضر والمستقبل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية