x

عادل نعمان حد الردة بين النص القرآنى والأحاديث المكذوبة عادل نعمان الإثنين 30-03-2015 20:51


بعد وفاة الرسول، ارتدت قبائل كثيرة عن الإسلام، منهم من كان إسلامهم نفاقا، ولم يدخلوه طوعا، بل دخلوه كرها. ومنهم من اهتز إيمانه ظنا منهم أن محمدا لا يموت، فلما مات انقلبوا على أعقابهم. البعض منهم ظل على إيمانه، لكنهم امتنعوا عن أداء الزكاة للخليفة الجديد لرفضهم بيعة أبى بكر، لأن فيهم من هو أحق منه. ومنهم أبناء أبى طالب والعباس، وأعلنوا صراحة أنهم سيوزعونها بمعرفتهم لأهليهم- حسب المصادر الشرعية. وأغضبوا جميعا أبابكر فقرر قتالهم- المرتدين لردتهم، ومانعى الزكاة لمنعهم إياها. وكان الخلط هنا محل خلاف. حروب الردة كانت اجتهادا من الخليفة فى وقت رأى فيه خطرا يهدد الدولة (هذا رأيه)، ولا علاقة بين حروب الردة وحد الردة، حروب الردة اجتهاد حاكم، لكن حد الردة حكم من الله.

وفيما قال الرواة إن عمر رفض حروب الردة، لكنه انصاع لها امتثالا للبيعة ولأمر ولى الأمر، أنزل الفقهاء هذا الرأى واجتهاد الخليفة منزلة التنزيل والحكم الإلهى. وكانت فرصة بعد ذلك للخلفاء لإلصاق تهمة الكفر على من يريدون التخلص من خصومهم. هذا الحجاج بن يوسف الثقفى يقتل الآلاف من الشيعة بتهمة الكفر. وهذا المتوكل الخليفة العباسى يقتل المعتزلة، ويشردهم فى البلاد بنفس التهمة. وهذه الدواعش وغيرها يقتلون بنفس العنوان.

هل هناك عقوبة دنيوية للمرتد فى القرآن؟ لا يوجد. نرجع لآيات القرآن الآتية، كلها تؤكد أن الحساب يوم لقاء الله، وليس لأحد وصاية لتأديب أو عقاب المرتد. الآيات الآتية: الأولى «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ». والآية الثانية: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ». والآية الثالثة: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ». والآية الرابعة: «وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ». وكان الرسول- صلى الله عليه، وسلم- يحزن إذا ارتد مرتد، فيقول له ربه «يأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ». الأمر الآخر لم يثبت أن الرسول أقام حدا على مرتد واحد.

أما موضوع صلب وسمل أعين من جاء من قبيلة حقم لمبايعة النبى، فحين استوخموا الأرض، وكسلوا، نصحهم النبى بالخروج إلى الوادى للتريض، بصحبة صبيين صغيرين لخدمتهما، فقتلوهما، وسرقوا النوق، وهربوا. وحين علم النبى بذلك أرسل فى تعقبهم والقبض عليهم، وأقام الرسول عليهم حد الحرابة- قطع الأيدى والأرجل من خلاف وسمل العين. وكان حد الحرابة معمولا به قبل الإسلام، ولما نزل الحد من الله، وافق الإسلام على استمراره.

محاولة سحب هذه الواقعة على أنها ردة تم إدراجها خطأ فى التبويب، خطأ مقصود! بل كان حد حرابة، ولم يكن حدا للردة. فيما اعتمد ألمؤيدون أيضا حديثين مزعومين، أولهما حديث مكذوب لعكرمة خادم بن عباس، والآخر عن الأوزاعى، دون سند، ورواه عنه مسلم. حديث عكرمة رواه عن سيده ابن عباس أنه سمع على بن أبى طالب، حين أحرق الزنادقة أنه سمع عن الرسول: «من بدل دينه فاقتلوه». وكان معروفا عن عكرمة كذبه وغله على السادة من قريش، وحبسه عبدالله بن عباس على باب بيته ليؤدبه (لأنه يكذب على أبيه). الحديث الثانى عن الأوزاعى: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزانى، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

ونرد: أولا، ليس هناك حد قتل الزانى الثيب فى القرآن، بل الجلد. ثانيا: أن الأوزاعى كان فقيه السلطتين الضدين- الأموية، والعباسية، كيف يكون فقيه المتحاربين سوى بتلونه ونفاقه. ثالثا: هذا الحديث رواه دون سند تحت إكراه سيوف العباسيين لاستفتائه للتخلص من بقايا الأمويين بقتل شرعى. العباسيون كانوا يتخلصون من خصومهم بالقتل الشرعى حتى لو كان الحديث مكذوبا أو مزيفا. ولا يبقون على رقاب الخصوم حتى بنص قرآنى صريح، يمنع ذلك. رابعًا: أبوحنيفة لم يأخذ بهذا الحديث، ورأى أن قتل النفس بحكم إلهى، وليس بأحاديث منكرة دون سند. خامسًا: وضح من الحديث أنه خاص بالرجال (الثيب الزانى)، والعقوبة فى الجلد للزانى والزانية معا، وكأن الهدف قتل الرجال فقط. السادس: فى صلح الحديبة وافق الرسول على عودة المرتدين إلى مكة، دون اعتراض.. هل يخالف النبى أوامر ربه؟.

وأخيرا: ما الحكمة من ترك النص القرآنى الصريح فى التعامل مع المرتد والتمسك بأحاديث منكرة، أولها من كاذب، وثانيها روايتها بلا سند، أكل صاحبها وشبع، وأفتى للعدوين اللدودين- الأمويين والعباسيين، تحت تهديد السيوف.

لماذا لا نعود إلى صريح القرآن؟ وهل تنسخ الأحاديث المكذوبة أحكام القرآن؟.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية