«حينما أرى هذا المصنع وقد بدأ فى الأرض.. بدأ يشب إنما أرى فيه مصر وثورتها، وأشعر من كل قلبى أن ثورتكم اليوم أيها المواطنون اتخذت لها قاعدة جديدة، قاعدة من الصلب، وقاعدة من الفولاذ».. كلمات بدأ بها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر خطابه أمام آلاف العمال فى أهم وأكبر قلاع إنتاج الحديد فى مصر والشرق الأوسط، وهى الشركة الوطنية لصناعة الحديد والصلب المصرية، التى أسست عام 1954، لتكون أول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربى برأسمال مليون و200 ألف جنيه، بمدينة حلوان.
لم يكن لـ«عبدالناصر»، الذى طالما حلم بهذا الصرح العملاق، أن يشهد مرحلة انكسار للمصنع، الذى لم يشهدها منذ نشأته التى قاربت الـ60 عاما، بسبب نقص توريد فحم الكوك للشركة.
أظهرت مؤشرات نتائج أعمال الشركة خلال الـ5 أشهر الماضية عن تكبدها خسائر بلغت نحو 326.29 مليون جنيه، مقابل خسائر قدرها 519.86 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من العام 2013: 2014، بخلاف الخسائر التى بلغت قيمتها ملياراً و254 مليون جنيه، عن السنة المالية الماضية.
«المصرى اليوم» رصدت حالة الأفران المتوقفة منذ عام 2011، البالغ عددها 3 أفران، الأول والثانى، صناعة ألمانية، ويعدان الأصغر حجما، حيث يصل إنتاج الواحد منهما إلى 400 طن، تعود صناعتهما لـ1960، والثالث روسى التصنيع، يبلغ حجم إنتاجه 2000 طن فى اليوم، تعود صناعته إلى عام 1979، بسبب عدم توريد فحم الكوك للتشغيل، بالإضافة للأزمة المالية نتيجة الخسائر الكبيرة التى تتعرض لها الشركة، ما أدى إلى جعل الأمر فى غاية الصعوبة، أما الفرن الرابع والأخير الذى يعمل بمفرده لا يتعدى حجم إنتاجه 30% من إنتاجه الأساسى.
حل يراه محمد صلاح، أحد المهندسين بالشركة: «نحتاج إلى قرار سيادى لعودة الشركة كما كانت عليه، وعودة شركتى الحديد والصلب والفحم كما كانتا فى السابق، إن كان هناك من يريد بالفعل الحفاظ على تلك الصناعة، بدلا من عملية فصل الشركتين وعمل ميزانيات مختلفة لكل منهما، ما أدى فى النهاية إلى خسارة الشركتين».
وعن الحديث حول الاستعانة بخبرات أجنبية، قال «صلاح» هناك خبراء من دولة روسيا زاروا الشركة الشهر الحالى، لكن لا نعلم نتائج هذه الزيارة، مشيراً إلى أنه من المرجح أن يتم البدء فى عمل تجديدات فى ماكينات التلبيد، التى تعد الأساسية فى إنتاج الحديد والصلب، والتى دمرت بالفعل.
ويرى «صلاح» أن العمال من بعد ثورة 25 يناير يدفعون ثمن ثورتهم، وهم من يعانون من أوضاع متردية، والحكومات التى جاءت بعد ذلك تعد حكومات تسيير أعمال، ما أدى فى النهاية إلى دفع العمال كل هذه الفواتير، قائلا: «قبل ثورة 25 يناير تحديدا عام 2009 بلغت أرباح الشركة 300 مليون».
«الشركة خربت بسبب الفساد اللى بيحصل، ومحدش بيسأل على الرغم من الخسائر الضخمة التى تلاحق الشركة، على مدار الأعوام الماضية»، كلمات عبر بها القيادى العمالى بالشركة، محمد عمر، والحاصل على وسام «مكافحة الفساد»، يشير عمر إلى أن شركة الحديد والصلب الوحيدة فى مصر التى تحول خام الحديد الموجود فى المناجم إلى منتج نهائى، كما أن لديها محجرين فى المنيا تحديدا فى «بنى خالد، والآخر فى الأدبية بالسويس»، بالإضافة إلى وحدة تجهيز الخام، التى تأخذ الخامات لتكسيرها وخلطها بنسب معينة، ثم إدخالها بعد ذلك النار للحرق، لكى تصبح مادة «اللبيد» وهى المادة التى تستخدم فى الأفران العالية لإنتاج «حديد الزهر»، مشيرا إلى أن الحديد المفترض أن ينتج من الأفران العالية ما يقرب من 4000 إلى 4500 طن فى اليوم، وفى الوقت الحالى لم تستطع الشركة إنتاج أكثر من 1000 طن فى اليوم، بسبب نقص كمية فحم الكوك الذى يعمل على تشغيل الأفران العالية بالشركة، ما جعل وجود حالة من الشلل فى إنتاج الحديد، كما أثر ذلك فى رفع التكلفة بشكل كبير مع نقص الإنتاج، وهو ما سيؤدى حتماً إلى غلق الشركة، التى يعمل بها أكثر من 11 ألف عامل، حال التجاهل المستمر من جانب المسؤولين بالدولة، على رأسهم الحكومة، التى وعدت بإنقاذ الصناعة منذ أشهر، ولم يتم اتخاذ أى قرارات حتى الوقت الحالى.
ويوضح «عمر» فى تصريحات صحفية لـ«المصرى اليوم»، أن من الأسباب الكارثية التى تعيشها الشركة فى الوقت الحالى تغيير العقد المبرم مع شركة الكوك، من جانب المهندس ذكى بسيونى، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، حيث كانت شركة الكوك ملزمة بضخ الفحم لشركة الحديد فى المقام الأول، ثم بعد ذلك يتم تصديره خارجيا، أما خلال الفترة الأخيرة فيحدث العكس، علماً بأن الشركة كان يورد لها 2500 طن فحم يومياً، وحالياً لم تحصل سوى على 600 طن فقط، وأثر ذلك على عملية الإنتاج بشكل كبير جدا، كما أنه لا يوجد سوى فرن واحد يعمل بسبب نقص الفحم، ورفع سعر الطن خلال الفترة الماضية إلى أكثر من 430 جنيهًا، ليصبح سعره 2870 جنيها، ما شكل عبئاً ماليا كبيرا، بسبب الخسائر الكبيرة التى تتعرض لها الشركة.
ويشير إلى أن حالة الإهمال والأزمات التى تلاحق الشركة منذ فترة، بالإضافة لتجاهل المسؤولين فى اتخاذ أى قرارات للحفاظ عليها، ليس من شأنه سوى ضياع الشركة وخصخصتها بعد ذلك.
مصطفى نايض، قيادى عمالى بالشركة، يؤكد أن الشركة تعانى من أوضاع سيئة بسبب عدم اتخاذ الحكومة أى قرارات لدعم الشركة، على الرغم من وعود المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، خلال زيارته للشركة العام الماضى، بمنح الشركة 50 مليون دولار من أجل توفير الفحم.
وأضاف «نايض»، فى تصريحات خاصة، أن الحكومة عليها أن تقدم دعما ماليا للشركات التابعة للقابضة للصناعات المعدنية، وفى مقدمتها شركة الحديد والصلب المصرية، من أجل النهوض بشركات قطاع الأعمال العام، مع ضرورة ضخ استثمارات جديدة بها، مشيراً إلى أنه لو لم يتم تمويل الشركة خلال تلك الفترة القصيرة المقبلة، ستكون معرضة لعدم الاستمرارية، وهو ما سيؤدى لتشريد 11 ألف عامل بخلاف أسرهم.
وعلى الرغم من أن شركة الحديد والصلب ساهمت فى المجهود الحربى خلال الحروب التى دخلتها مصر، لكن تبقى أحدث ماكينة بالشركة لم يتم تطويرها منذ أن بدأت العمل عام 1979، موضحاً أن رفع الدعم عن أسعار الطاقة تسبب فى زيادة أسعار الكهرباء المستخدمة فى مراحل إنتاج الحديد ووصلت إلى نسبة 14%، ما أدى الى ارتفاع تكلفة الطن من المنتج.
ما يراه العمال يخالف آراء المهندس محمد سعد نجيدة، رئيس الشركة، الذى يرى أن الهدف الرئيسى من زيارة الوفد الروسى دراسة إمداد الشركة بمعدات روسية لتأهيل وتطوير قطاعات المناجم، والأفران العالية، والتلبيد، والورش الإنتاجية، ودراسة المساهمة فى تمويل خطة تأهيل وتطوير الشركة، حيث متوقع أن يرسل تقريره النهائى بشأن تلك الزيارة خلال الأيام المقبلة، بعد تعرفه على حالة المعدات وتقييمها على الطبيعة، ودراسة بناء فرن جديد، وتطوير أحد الأفران الحالية.
وأضاف «نجيدة»: سيتم عمل تقييم لمتطلبات الشركة، وإمكانيات الشركات الروسية فى التطوير والتمويل، موضحاً أنه تم وضع خطة محكمة للشركة حتى عام 2021 بهدف عودتها لما كانت عليه فى السابق، حيث تتضمن هذه الخطة مرحلتين، الأولى: تأهيل المصنع القديم للوصول إلى 1.2 مليون طن بيع، بتكلفة نحو 320 مليون دولار.
أما المرحلة الثانية تتضمن: إنشاء مصنع جديد بتكلفة 2.5 مليار دولار، بحيث يمكن إنتاج 2 مليون طن سنوياً، ويصل الإنتاج الإجمالى لـ3.2 مليون طن بإجمالى استثمارات 2.8 مليار جنيه، مشيراً إلى أن ذلك سيعمل على صعود الشركة وتحقيق إيرادات كبيرة وأرباح تصل لنحو 3 مليارات جنيه سنوياً بمجرد الانتهاء من تنفيذ المرحلة الثانية.