اتفاق الخرطوم الذى جرى توقيعه الأسبوع الماضى كان أشبه ما يكون بجواز على ورقة طلاق. فقد بحثنا فيه عن شروط الطلاق من إثيوبيا قبل أن نبحث عن أى شرط يتعلق بالزواج منها. وبعد ذلك أخذنا ندعو الله أن يرزقنا بولد بينما نحن لم نتزوج بعد!
وقد جرى ذلك مثل كل شىء يجرى فى مصر الآن- كالعادة- فقد وقعنا على إعلان المبادئ بطريقة «سرى للغاية» دون أن يعلم الشعب عن مضمونها شيئاً وكأن سد النهضة الإثيوبى وكل ما صاحبه من جدل حول أخطاره المحتملة كان مجرد لغط رغم تأكيد عدد غير قليل من العلماء على حقيقة تلك الأخطار التى يهدد بعضها بلادنا إما بالغرق أو الشح المائى فى أفضل الأحوال أو أقلها سوءاً. وقد جرى الأمر فى العاصمة السودانية وكأنه شأن رئاسى يبت فيه رئيس البلاد دون علم الشعب بفحواه أو تأثيراته المحتملة رغم أنها تندرج تحت بند «حياة أو موت»!
لقد جرت العادة فى البلاد الديمقراطية على ألا يتم التوقيع على مثل تلك الاتفاقيات ذات الصبغة الدولية - فضلا عن خطورتها- إلا بعد الرجوع إلى البرلمان الذى يحق له أن يقبل أو يرفض التوقيع حسبما يراه فيها من فوائد أو أضرار. ولأن ذلك لم يحدث لغياب البرلمان فكان يجب أن يتم عرض بنود هذا الاتفاق لحوار مجتمعى. ولكن جرى تجاهل ذلك كله ليتحمل الرئيس وفريقه المعاون وحدهم مسؤولية التوقيع على اتفاق مصيرى يتعلق بمستقبل البلاد وشعبها. وإذا كان مرسى قد فعلها حين دعا بعض السياسيين من الأحزاب وأصحاب الرأى إلى اجتماع لبحث الأمر، فقد كان ذلك أشبه ما يكون بفصل فى مسرحية هزلية تستدعى البكاء المر، فإن ما قام به السيسى كان أشبه ما يكون بفصل فى مسرحية تراجيدية تستدعى الرثاء. فما كان ينبغى ترك مسألة النيل ومياهه وما يتعلق بها من حياة مصر أو موتها لمؤلفى الكوميديا وهزلهم، أو التراجيديا ورثائها، ولكن للشعب الذى يحق له وحده تقرير مصيره بنفسه دون وكيل أو كفيل مهما بلغت درجة الثقة فيه. نعم هو مجرد اتفاق على المبادئ التى ستجرى عليها المفاوضات مستقبلا وصولا إلى اتفاقية نهائية. ولكن كيف نوافق على اتفاق لا يقر فيه الموقعون بالحفاظ على حصة مصر من المياه واحترام الاتفاقيات الدولية الخاصة بذلك؟
وكيف نسمح بوجود مبدأ يطالب بضرورة «الاستخدام العادل والمنصف للمياه» وهو ما يسمح لإثيوبيا بحجب جزء من مياه النيل احتجاجا على الطريقة المتبعة فى مصر بالرى بالغمر باعتبار أن هذه الطريقة تتعارض مع «الاستخدام المنصف والعادل للمياه»!
هكذا أصبح النيل العظيم مشتتا بين الكوميديا بهزلها والتراجيديا بمآسيها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد!