يمر الشرق الأوسط - فى الفترة الحالية- بتحولات كبرى تستهدف تشكيل نظام جديد لهذه المنطقة. هذه التحولات ستؤثر بشكل ضخم على مصر ودورها الإقليمى، ولكن يبدو أن هذه التحولات لاتزال خارج دائرة أولويتنا، أو لم نطور بعد رؤية للتعامل معها.
أول هذه التحولات هو التصاعد الكبير فى النفوذ الإيرانى بالمنطقة، فالدولة الفارسية تهيمن الآن على صنع القرار فى أربع عواصم عربية كبرى هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ومنذ أيام قليلة وقّع الحوثيون فى اليمن اتفاقا للتعاون مع إيران فى العديد من المجالات، كما أعلنت إيران بكل صراحة أن قواتها توغلت فى الأراضى العراقية بعمق أربعين كيلومترا فيما عرف بمعركة استعادة تكريت من داعش، وهو تحول نوعى فى الموقف الإيرانى وصفه وزير الخارجية السعودى بأنه أظهر «كيف تستولى إيران على العراق».
التحول الآخر يرتبط بتبنى إدارة الرئيس الأمريكى أوباما لاستراتيجية تستهدف تخفيف تواجدها فى منطقة الشرق الأوسط، والتوجه فى المقابل ناحية آسيا، ولكن تخوفها من أن تقليل تورطها فى الشرق الأوسط قد يؤدى إلى حالة من الفراغ تملؤه قوى معادية، جعلها تفكر فى تبنى استراتيجية لتوازن القوى الإقليمية بالمنطقة تحت المظلة الأمريكية، تصورها أن أحد طرفى معادلة التوازن سيكون الدول السنية الصديقة للولايات المتحدة مثل مصر والسعودية ودول الخليج، أما الطرف الآخر فهو إيران، وهنا تستطيع الولايات المتحدة أن تلاعب إحدى هذه القوى ضد الأخرى فى إطار هذا التوازن، وبما يحقق مصالحها ولا يضطرها للتدخل الكثيف فى المنطقة. العقبة الأساسية أمام هذا التصور هو غياب علاقة طيبة مع إيران، لذا نجد الولايات المتحدة تبذل الآن جهدا كبيرا للتوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووى الايرانى، والذى سوف يتبعه رفع العقوبات عنها، والتواصل لتوافق بين البلدين يتضمن اعترافا أمريكيا بمصالح ودور إيران فى الشرق الأوسط، وإعادة تأهيلها كقوة إقليمية، وبما يتيح التعامل معها فى إطار استراتيجية توازن القوى.
التحول الثالث يتعلق بموقف المملكة السعودية، والتى تشعر بخطر كبير من تمدد النفوذ الإيرانى، وتعتبره تهديدا مباشرا لها، وتعطى الآن- فى عهد الملك سلمان- أولوية لمواجهة الخطر الإيرانى (الشيعى) على مواجهة الإسلام السياسى (الإخوان). وترى السعودية أن الاتفاق الأمريكى الإيرانى لن يغير سلوك إيران القائم على التدخل فى شؤون دول الخليج العربية، والسعى لتقويض استقرارها، لذا تسعى السعودية لإنشاء تحالف سنى لمواجهة إيران، ومن هنا جاء التقارب بين السعودية وتركيا ولقاء أردوجان والملك سلمان فى الرياض، وسعى تركيا من جديد لدعم تواجدها بمنطقة الخليج، وتوقيعها مؤخرا اتفاقا مع قطر يسمح بانتشار قواتها بها.
هذه التطورات تطرح عددا من الأسئلة المهمة على صانعى القرار المصرى، أولها أين مصر من هذه التحولات الكبرى؟ وما موقفنا من الصعود الإقليمى الإيرانى وعودة تركيا للخليج؟ وما رأينا فى التحالفات التى يتم تكوينها؟ والأهم من كل ذلك ما هى رؤيتنا للشرق الأوسط الجديد الذى يتم تشكيله؟
مصر دولة إقليمية كبيرة ومن المهم أن تكون لها أفكار كبيرة بشأن مستقبل الشرق الأوسط، وألا ننشغل فقط بقضايانا الداخلية ومشاكلنا الحدودية.