الدقيقة كانت قد تجاوزت التسعين، أرسنال أحرز لتوه هدفًا لتصبح نتيجة المباراة 1-2 لصالح موناكو الفرنسي، نتيجة ليست جيدة ولكنها بالتأكيد أفضل مما حدث بعد ذلك بثوانٍ، حيث قُطِعَت الكرة في منتصف الملعب.. تمريرة طولية أوصلت اللاعب فيريرا كاراسكو لما يُشبه انفرادًا.. يسدد الكرة لتصبح النتيجة 1-3، في تلك اللحظة تحديدًا –وليس قبلها- كان واضحًا أن أرسنال ودع دوري أبطال أوروبا، سينتظر الجميع المعجزة.. ولكن الجميع أيضًا يعلم أن سيناريو بهذا الشكل من الصعب جدًا أن ينتهي بغير الخروج.
أرسنال، في رأيي، لم يكن سيئًا بشكل مُطلق في مباراة الذهاب كما أقرت كل التحليلات والمشجعين وصفحات المواقع الاجتماعية، كان سيئًا لأن فريقًا كبيرًا لا يجب أن يستقبل أهدافًا بتلك السهولة التي أتى بها الهدف الثاني، ولأن مواجهة المواقف الضاغطة لا يكون على طريقة «All Out Attack» في الـ«بلاي-ستيشن»، ولأن في النصف ساعة الأخيرة من اللقاء كان هناك عجز حقيقي عن خلق الفرص بشكلٍ مُنظم، كل هذا حقيقي، ولكن أرسنال في المقابل –كجزءٍ آخر من الصورة- أضاع 4 أهداف محققة، من ضمنها كرتان والمرمى خالٍ أمام «ويلباك» وأمام «جيرو»، تعبيرات كـ«الحظ» و«التوفيق» ليست علمية قطعًا، ولكنها موجودة عند التعامل مع كرة القدم.
كل هذا كان مفهومًا، الشيء الخارق وغير المبرر كان الهدف الثالث في الوقت بدل الضائع، لهذا الهدف وهذا الارتباك تحديدًا كان من العدل أن يخرج أرسنال، حتى لو كان الفريق الأفضل في مُجمل اللقاءين، وحتى لو كان حاليًا في أعلى مستوى له منذ فترة ليست بالقليلة.
بالحديث عن المباراة، فإن التوفيق وقف مع أرسنال بشكلٍ نسبي، واستطاع صُنع عدة فرص أحرز منها هدفين على فريق دفاعي صعب للغاية –أقوى دفاع في كل الدوريات الأوروبية الكبرى هذا الموسم!-، ولكن هذا التوفيق لم يكن كريمًا للنهاية فتدخل كرة «جيرو» مثلًا في الدقيقة 83 ويتأهل الفريق لدور الثمانية.
أرسين فينجر بدأ اللقاء بأفضل تشكيل محتمل. البعض، وأنا منهم، ربما كان ليفضل نظريًا أن يلعب بآرون رامزي منذ البداية بدلًا من مسعود أوزيل، ويمنح سانتي كازورلا حرية الحركة وراء رأس الحربة، ولكن هذا الأمر «نظري» فعلًا، لأن «كازورلا» ذو مستوى ثابت أكثر من أي لاعب وسط آخر، و«أوزيل» قدم مستويات جيدة جدًا مؤخرًا، ليس على مستوى الطاقة ولكن على مستوى الإبداع وخلق الفرص. وسنعود لنقطة «أوزيل» ثانية عند الحديث عن الهدف الثاني.
- الفريق بدأ المباراة مرتبكًا قليلًا على عكس المتوقع، أول هجمة حقيقية –كرة «جيرو» الرأسية التي مرت بجوار القائم- جاءت بعد 13 دقيقة كاملة. لم يكن هناك تفسير لذلك إلا الضغط العالي جدًا الذي لعب به فريق «موناكو» من منتصف الملعب، والطاقة البدنية الهائلة لأفراده.
مع مرور الوقت، قلت تلك الطاقة البدنية، وتراجع «موناكو» في ظل امتلاك أرسنال المتواصل للكرة، مما سمح للعب.
أغلب تحركات أرسنال كانت من الأجناب، «فينجر» أدرك من مباراة الذهاب أن اختراق «موناكو» من العمق شبه مستحيل، لذلك عمل على استغلال سرعة وتلاحمات «ويلباك» على اليسار و«سانشيز» على اليمين لخلق فرص، قبل أن يقوم بتغيير مراكزهم بعد نصف ساعة تقريبًا بسبب «توهان» النجم التشيلي على الناحية اليمنى.
وجود «ويلباك» في اليمين كان أفضل كثيرًا، الدوري الإنجليزي غير جيد في التحكم في الكرة، لا يجيد اللعب في المساحات الضيقة، ولكن مجهوده البدني وتلاحمه الدائم وحركته المستمرة تكون مفيدة أحيانًا، «ويلباك» كان يتحرك كثيرًا جدًا في اليمين، وفي حال امتلاك الهجمة ووجود «بيلرين» -الظهير ذو الميول الهجومية- كجناح.. يتحرّك الإنجليزي بخفة في العمق، وتحديدًا بين خط الدفاع وخط الوسط، وهو الأمر الذي نتج عنه هدف أرسنال الأول.
«ويلباك» من جديد هو الشخص غير المراقب في عُمق الملعب، وبعد تلك الكرة تحديدًا، فطن فريق «موناكو» لخدعة اللعب بين الخطوط وحركة «ويلباك» فأصبح هناك رقيب مستمر معه في عمق الملعب.
وظل الإنجليزي هو مصدر الخطوة الأهم في الفريق، في ظل انخفاض مستوى شديد لـ«سانشيز»، واختفاء «أوزيل» في الكثير من الأحيان، حيث خلقت حركته في الجهة اليمنى فرصتين حقيقيتين في الوقت بدل الضائع.
- في الشوط الثاني، لعب «موناكو» بخطوط أكثر تراجعًا بكثير عن الشوط الأول، مما صعّب من مهمة أرسنال في إحراز هدفين. الفريق الفرنسي صلب جدًا ويلعب ككتلة واحدة، الأخطاء نادرة وفي حال وجدت فإن جماعية الفريق تغطيها.
لذلك استحوذ أرسنال على الكرة، اندفع بكامل خطوطه، ولكنه لم يسجل أو يقترب من التسجيل، وكان من الممكن أن يحرز الفرنسيون هدفًا من كرة مرتدة –نظرًا لسرعتهم الشديدة- كما حدث في مباراة الذهاب، ولكن «الحظ والتوفيق» اليوم كان مع أرسنال.. بشكلٍ نسبي!
- الكرة الوحيدة الخطيرة بشكل حقيقي التي وجدت لأرسنال خلال نصف ساعة كاملة من الشوط الثاني، كانت من دربكة أمام المرمى.
كرة «أوزيل» التي أطاحها بعيدًا وكانت لتصبح فارقة جدًا، ولكن «أوزيل» نفسه كان السبب الأساسي في الهدف الثاني.
«فينجر» قرر إخراج داني ويلباك والدفع بثيو والكوت –ونظرًا للأداء في الملعب كان سانشيز هو الأولى بالخروج-، كما أخرج فرانسيس كوكلين –المحور الدفاعي- والدفع بآرون رامزي–لاعب الوسط ذو الميول الهجومية-، وذلك في مخاطرة نهائية يرمي فيها بكل لاعبيه ذوي الميول الهجومية.
المغامرة كانت ناجحة، «رامزي» أحرز الهدف الثاني، من أهم كرة طولية لعبها «أوزيل» في اللقاء.
كثيرون لم يلحظوا أن نقطة البداية لكرة الهدف الثاني كانت من لعبة رائعة لـ«أوزيل»، الألماني ليس سريعًا ولا هدافًا، ليس خارقًا في شيءٍ محدد بقدر ما يجيد رؤية الملعب والتحرك في المساحات في الثلث الهجومي كاملًا.
كرة الهدف بدأت من هناك:
تمريرة طولية لـ«مونريـال» تضرب دفاعات «موناكو»، عرضية من الظهير، «والكوت» في العارضة، يشتتها دفاع «موناكو» بشكلٍ سيئ فيحرزها «رامزي»، خطوات كثيرة، ولكن كل شيء بدأ من عند «أوزيل»، والذي لعب مباراة جيدة رغم كل شيء، وقرار «فينجر» البدء به وإكمال الـ90 دقيقة يبدو مفهومًا جدًا في سياق لقطة كتلك.
- بعد الهدف لم يتغير الكثير، «موناكو» يلعب بـ10 لاعبين في منطقة جزائه، أرسنال يحاول، في الدقيقة 83 كان قريبًا جدًا لدرجة أن الكرة التي لعبها «جيرو» مرت بنصفِ محيطها. ولكن هذا «التوفيق» لم يقف مع الفريق حتى النهاية.
[image:8:center]
كان واضحًا أن هدفًا ثالثًا تستقبله بعد الدقيقة 90 على أرضك هو شيء يجب أن تُعاقب عليه، وأرسنال خرج.. «بشرفٍ» كما يقول الجميع، وفي تكرارٍ لسيزيفية الرحلة التي لم تتغير منذ 5 سنوات، ويظل الجمهور في كل مرة على أمل أن يختلف السيناريو.. ولكنه لم يختلف هذه المرة أيضًا.