x

إنشاء أسواق بديلة للباعة الجائلين بالمطرية وأحمد حلمي والزاوية الحمراء وعين شمس

الخميس 12-03-2015 09:54 | كتب: سوزان عاطف, كمال مراد |
سوق الترجمان سوق الترجمان تصوير : أيمن عارف

حصلت «المصرى اليوم» على المخطط الذى وضعته محافظة القاهرة لنقل الباعة الجائلين من الشوارع والميادين الرئيسية بالمحافظة لأسواق بديلة.

شمل المخطط إنشاء عدد من الأسواق الجديدة بمناطق حيوية، مثل أحمد حلمى، المطرية، عين شمس، والزواية الحمراء، إضافة إلى تجديد أسواق قديمة، مثل البساتين، الأشرف، وسوق المواردى بالسيدة زينب.

قال اللواء أيمن عبدالتواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية، مسؤول ملف الباعة الجائلين والأسواق بالمحافظة: «بعد ازدياد أعداد الباعة الجائلين بشكل كبير فى شوارع القاهرة، كان لا بد من البحث عن بديل لاستيعاب تلك الفئة، ما دامت تسعى فى طلب الرزق الحلال، لذلك تم إنشاء سوق الدويقة بمنشأة ناصر بسعة 126 باكية، وإضافة 16 باكية لسوق الأشرف بوسط القاهرة، و38 لسوق المؤيد، وإضافة 15 باكية لسوق هوريس بمصر الجديدة، و20 باكية بسوق السلام ثان، فيما تم رفع قيمة حق الانتفاع بسوق السكة البيضاء بالبساتين، وإنشاء سوق جديدة بشق الثعبان فى طرة، وإنشاء سوق أطلس بالمقطم، كما تم طرح إعادة تسكين سوق المواردى عن طريق المزاد العلنى، وعددها 137 باكية، وجار الطرح من قبل حى السيدة زينب، وسوق المسلة الجديدة بالمطرية التى تم إنجاز ما يقرب من 80% منها والباقى تشطيبات نهائية، على مساحة 17 ألف م2، وبتكلفة 13 مليونا و800 ألف جنيه، وستسع أكثر من 8 آلاف بائع تقريبا، ومن المزمع افتتاح المرحلة الأولى لها خلال شهرين ودخولها الخدمة الفعلية لنقل الباعة المنتشرين بحى المطرية وسوق الخميس القديم لها. والسوق عبارة عن مبنى شريطى مكون من بدروم وأرضى وأول و3 مبانٍ ا، ب،ج، تشتمل على 6 مستويات بدروم وأرضى و4 متكرر كل مبنى ا، ب، ج، ويحتوى على 22 وحدة إدارية، وجار عمل دراسات حديثة، تحت إشراف أساتذة من كلية الهندسة لتعديل بعض المبانى الإدارية بالسوق، بهدف تصميم نماذج جديدة تسع أكبر عدد ممكن من الباعة، على أن تشمل مساحات مختلفة تلبى كافة الأغراض والأنشطة التجارية داخل السوق، بالإضافة إلى تزويدها بأحدث الخدمات المجهزة لروادها من المواطنين والباعة، وستضم كافة الأنشطة التجارية المتنوعة، إضافة إلى سوق موقف أحمد حلمى لنقل باعة رمسيسن وتسع 420 باكية تقريبا».

وتابع عبدالتواب: «كما تم توقيع بروتوكول مع وزارة الأوقاف لإنشاء سويقات جديدة فى نطاق محافظة القاهرة بالكامل، خاصة الأماكن المتعطشة للأسواق وإقامة مدن للحرفيين فى الأماكن التى تتطلب ذلك خاصة منطقة الدويقة»، مشددا على أن تسكين الباعة فى الأسواق سيتم وفقا لوجودهم على أرض الواقع، وأن حصر الباعة سيكون غير دقيق ومتغيرا بسبب وجود البعض فى يوم من الأيام واختفائه فى أيام أخرى، لذلك سيتم الاستعانة بضباط المرافق لخبرتهم فى هذا المجال، فهم أكثر معرفة بهم. وأشار عبدالتواب إلى أن المحافظة ستتلافى الأخطاء التى حدثت أثناء عملية التسكين بالترجمان، لأنها كانت المرة الأولى على مستوى الجمهورية التى يتم فيها نقل الباعة وإعادة تسكينهم، على حد قوله.

قضى محمود، الشاب الثلاثينى، ما يزيد على 15 عاماً، يعمل بائعا متجولا فى منطقة وسط البلد، غيرت السنون ملامحه، وشكل ملابسه، خلع الجلباب، وارتدى قميصا وبنطلونا، ولكن لم تتغير لهجته الصعيدية التى لا تخلو من الدال، مثله مثل أغلب الباعة الذين حضروا لوسط مدينة القاهرة المتلألئة بأنوارها الساطعة بحثاً على لقمة العيش.

اسمه بالكامل محمود أحمد راسم، انصاع لقرارات الحكومة بالنقل للترجمان، رغم غضبه، لكنه لم يعترض على النقل، ولم يدخل فى مواجهة مع قوات الأمن، مثله مثل باقى الباعة الذين انسحبوا فى هدوء، على أمل أن تنفذ الحكومة وعودها التى قطعتها على نفسها، بأن النقل للترجمان سيكون بشكل مؤقت لحين الانتهاء من مول « بابور التلج»، ولكن بعد 6 أشهر المهلة التى حددتها الحكومة، أصبح الترجمان خاليا من الباعة، ولم تضع الحكومة طوبة واحدة لبناء المول الذى وعدت به الباعة، وهو ما أفقدهم الثقة بأى وعود تقدمها الحكومة لحل أزمتهم.

يقول محمود، بنبرة حزن، وقد ارتسمت على وجهه ملامح السخرية: «الحكومة وعدتنا ببناء مول بابور التلج، وحضر رئيس الوزراء بنفسه لافتتاحه، وانصعنا للنقل للترجمان، والآن يعرضون علينا الذهاب لأسواق بديلة، إحنا خلاص تعبنا، وأصبحنا لا نثق بوعود الحكومة». لخص الرجل حالة عدم الثقة التى يشعر بها الباعة بينهم وبين الحكومة، وهو ما يجعلهم معظمهم يرفض النقل للأسواق البديلة، خوفاً من تكرر معاناتهم فى الترجمان، الذى يعتبره الباعة منفى لإخراجهم من وسط البلد.

يرى محمود أن فكرة نقل الباعة للأسواق البديلة لعبة جديدة من ألاعيب الحكومة، الهدف منها تنكر الحكومة لوعودها بتخصيص مول «بابور التلج» لهم، كما وعدهم المحافظ ورئيس الوزراء إبراهيم محلب، قبل نقلهم لموقف الترجمان، ولكن فى ذات الوقت لا يعارض فكرة الأسواق البديلة، على أن تكون فى أماكن مناسبة وقريبة من الأسواق الرئيسية، بشرط أن تفى الحكومة بوعودها وتسكنهم فى هذه الأسواق فى أقرب وقت ينهى محمود حديثه بصوت مكتوم من الحزن، وهو يقول: «لو مرتبك انقطع 6 أشهر، وعندك بيت وعيال تعمل أيه؟». اضطر معظم الباعة بعد فشل الترجمان للعمل فى مهن أخرى، أو لتأجير مساحة لفرش بضائعهم فى مناطق أخرى، مثل العتبة ورمسيس.

أما الحاج عباس، الرجل الستينى الأشيب، فلا تسمح له صحته بالعمل، ويجلس على كرسى خشبى يراقب المارة بحزن، وهو يجتر من ذاكرته ذكريات ليست سيئة، وقت أن كان يستطيع أن يفرش بضاعته يبيع ويبتاع، دون مضايقات من الأمن. يقول بانفعال يعكس حالة الغضب التى يشعر بها: «أسوق بديلة إيه؟ أنا تعبان ومقدرش أتبهدل فى السن دى، وكل الأسواق اللى بتطرحها المحافظة إما فى أماكن بعيدة ومتطرفة أو خالية تماماً ومهجورة.. إحنا عايزين الحكومة تنفذ وعودها وتسكنا فى بابور التلج».

لا تزال كلمات المحافظ وعدد من الشخصيات العامة التى اجتمعت بالباعة الجائلين قبل نقلهم للترجمان بشكل مؤقت، وصورة رئيس الوزراء التى عرضت على شاشات التلفزيون، وهو يضع حجر الأساس لمول بابور التلج، الذى وعدت به الحكومة الباعة الجائلين- تدور فى مخيلة الحاج عباس. كل ما يطلبه من الدنيا بعد أن بلغ من السن عتيا أن تنفذ الحكومة وعودها، وتشرع فى بناء المول وتسكينهم بالقرب من وسط البلد، ويرى من وجهة نظره أن سياسات المحافظة فى بناء الأسواق البديلة دون مراعاة الاشتراطات اللازمة، وهو تكرار للأخطاء التى ارتكبتها، وأدت لفشل الترجمان وإهدار المال العام.

يسرح الرجل بعيداً، وهو جالس، وقد ارتسم على قسمات وجهه الحزن، ثم يلوح بيده بحركة مفاجئة، وهو يقول: «عندى 5 أولاد وأحفادهم، ربتهم من الشغل فى الشارع، والآن مش عارف أدفع مصاريف كلية البنت الصغيرة ومش عارف أعمل أيه؟»، ينهى الرجل حديثه، وقد قاربت أن تفارق دمعة متحجرة عينيه، وهو ينظر للسماء فى حزن.

لم يجد طارق طه، الرجل الأربعينى الذى كان يفترش بضاعته فى شارع طلعت حرب، منذ 15 عاماً- وسيلة لاكتساب رزقه بعد نقل الباعة للترجمان سوى التجول ببضاعته على يده فى الشوارع، يقول، وكاد يبكى من شدة الحزن: «إحنا بنبيع سلعة تكميلية شرابات.. طرح حريمى... إلخ، وأنسب مكان لهذه السلع وسط البلد، مفيش زبون هيروح سوق علشان يشترى الحاجات، وأسواق الحكومة لا تتناسب مع بضائعنا، إحنا عايزن حل! الحكومة ضحكت علينا».

يقسم الرجل إنه لا يستطيع دفع إيجار الشقة التى يسكن بها، وأنه قام بإخراج أولاده من المدرسة لعدم قدرته على الإنفاق عليهم، ويحكى على مآسى الباعة، الذى اضطر بعضهم لتطليق زوجاتهم، أو العمل فى مهن متواضعة بحثاً عن قوت يومهم.

يكمل الرجل حديثه: «لا ذنب لنا فيما حدث، بعد الثورة والانفلات الأمنى، الشارع أصبح مطمعا للجميع ولأصحاب المحلات، ومكاتب الملابس احتلت الشوارع، وارتفاع نسبة البطالة جعل وسط البلد ملجأ للبعض، وهو ما أدى لظهور التجاوزات التى حدثت فى وسط البلد»، كل ما يطلبه الباعة هو تنظيمهم فى شوارع وسط البلد، ويرون أن الأسواق البديلة أماكن لا تتناسب مع سلعهم.

ويضيف رمضان الصاوى، ممثل الباعة فى منطقة وسط البلد: الأسواق البديلة لا تصلح لتسكين الباعة الجائلين، ولدينا حلول كثيرة ومستعدون لدفع إيجار للحكومة، وتحمل كافة التزاماتنا، فهناك أكثر من حل طرحه الباعة لحل أزمتهم، منها تأجير ساحات وسط البلد وتحويلها لشكل حضارى لأسواق للباعة، أو استغلال الشوارع الجانبية، مؤكداً أن الحل ممكن إذا أردت الحكومة، ولكن سياسات المحافظ صنعت المشكلة، والآن تبحث لها عن حل.

أما محمد عبدالله، نقيب الباعة الجائلين فى منطقة غرب القاهرة، فيرى أن التنظيم والتعاون بين الحكومة والباعة هو الخيار الأمثل لحل أزمتهم، مؤكداً أنه قام بنفسه بالذهاب إلى بعض الأسواق البديلة التى طرحتها الحكومة، ومعظمها فى أماكن بعيدة عن الأسواق الرئيسية، ولا يوجد فيها بيع ولا شراء ولا تصلح لتكون أسواقا، ومعنى شروع الحكومة فى تنفيذها إهدار المال العام وتكرار غلطة الترجمان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية