طالب الدكتور هانى سرى الدين، رئيس هيئة سوق المال الأسبق، الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة وضع ملفات الطاقة، والمياه، والتعليم، والإصلاح المؤسسى، على مكتبه، ومتابعتها يوميًا بنفسه باعتبارها قضايا أمن قومى، لافتا إلى أنه إذا شهدت هذه الملفات قصورا أو إهمالا، سيكون ذلك بمثابة الضربة القاصمة لمستقبل مصر لمدة 50 عاما على الأقل.
وأضاف «سرى الدين» في حواره لـ«المصرى اليوم» أن النجاح الحقيقى لـ«المؤتمر الاقتصادى» المقرر عقده في مارس الحالى يتمثل في توصيل رسالة بأن مناخ الاستثمار «إيجابى»، لافتاً إلى أن هيئة الاستثمار الحالية عاجزة وأن معالجات تطوير المشروعات الصغيرة سطحية.
وأكد أن ترك «سد النهضة» لمدة 15 عامًا لوزارة الرى «خطأ استراتيجى فادح»، منوهًا بأن سياسة «التقوقع» خلف الحدود أثبتت فشلها الذريع وأن الرئيس السيسى لديه «حس شديد» بالأمن القومى.. وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى الوضع العام في البلاد بعد حكم المحكمة الدستورية ببطلان قانون تقسيم الدوائر الانتخابية؟
- الحكم بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر الآن أفضل كثيرًا، لأن أخطر ما قد يواجه مصر أن تحكم المحكمة بعدم دستورية القانون بعد إجراء الانتخابات وما يعنيه من كلفة مادية طائلة تتحملها الدولة ومجهود ضخم يبذل في التنظيم والتأمين ووقتها سيتم حل البرلمان، لأن ما بُنى على باطل فهو باطل، وستدخل مصر في دوامة كبيرة، لذا لا غضاضة من تأجيل الانتخابات لفترة وجيزة لتفادى العوار الدستورى، المهم أن يتم تدارك الأمر في وقت قصير، إذ يمكن تصحيح وتعديل المواد في مدة تتراوح ما بين 48 ساعة وأسبوعين على أقصى تقدير. وفى رأيى أنه لا يجب تأجيل الانتخابات البرلمانية أكثر من شهر إضافى، بحيث ينعقد البرلمان في الأسبوع الأول من شهر يونيو بدلًا من مايو، حسبما كان مخططًا له من قبل.
■ ما هي مخاطر التأجيل أكثر من ذلك؟
- التأجيل القصير الأجل محتمل، أما أي آجال طويلة ستُدخلنا في حالة عدم استقرار سياسى وعدم التيقن من الاستمرار في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية، بل الاستمرار في مفهوم الحكومة الانتقالية، ما يؤثر على الاقتصاد وله مخاطر شديدة على الاستثمار.
■ حذّر قانونيون من عوار القانون دستورياً، لماذا لم تراعِ الحكومة هذه المآخذ قبل إقرار القانون؟
- الحكومة تُعد المسؤول الأول سياسياً عن الحكم بعدم دستوريته، ورغم المجهودات التي قامت بها إلا أنها يجب أن تتحمّل مسؤوليتها السياسية أمام الشعب، لقد كانت هناك أصوات عاقلة كثيرة نبهت إلى أنه يوجد عوار دستورى، وللأسف الحكومة لم تستمع بالقدر الكافى لبعض هذه الملاحظات وأصرت على رفعه للقيادة السياسية على حاله.
■ ما تفسيرك لتجاهل الحكومة لهذه الأصوات؟
- أعتقد أن الحكومة كانت ترغب في الانتهاء من المشروع في أسرع وقت وكان صبرها قد بدأ ينفد، كما أعتقد أن بعض المسؤولين عن إعداد الصياغة قد وصلت قناعتهم إلى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وأنه لا يمكن الوصول إلى حلول تشريعية تُرضى الجميع.
■ هل الحكومة تصنع القوانين على طريقة محاولة إرضاء الجميع؟
- إمساك العصا من المنتصف وتجاهل الحلول الجذرية يفسدان الأمور، وهو في رأيى ما حدث.
■ هناك مشكلة أخرى في قانون الاستثمار.. فما بين العمل على قانون الاستثمار الموحد وتعديل بعض بنود القانون الحالى، في رأيك إلى أين تتجه الحكومة؟
- المشكلة تكمن في رأيى أن الحكومة لم تحدد من البداية توجهاتها نحو حزمة التشريعات المحفزة للاستثمار الواجب إصدارها، وعلى الرغم أن بعض الوزارات قد اتخذت بعض الخطوات الإيجابية إلا أن هذه الخطوات كانت تتم في ظل غياب توجيه وتنسيق من مجلس الوزراء، لذا كل مسؤول كان يتحرك في خطوط مختلفة عن الآخر وفى حدود قناعاته ورؤيته وما يراه في الصالح العام من وجهة نظره دون أن تصب تلك المناقشات والجهود في مشروع وطنى واحد يجمعها.
■ إذن، تقصد غياب الرؤية الحكومية وكذلك التنسيق فيما يتم حتى من جهود فردية؟
- ما يظهر على الساحة من تحركات خلال الشهور السابقة في هذا الخصوص يعكس غياب التنسيق بين الأجهزة المختصة، لذا قلت منذ البداية إن الأفضل لهذه الفترة هو إجراء تعديلات محددة على عدد من التشريعات التي تختص بتحفيز الاستثمار وتقضى على المشكلات المعوقة له، منها على سبيل المثال تعديل قانون الاستثمار الحالى، لأن مشاكل الاستثمار ترجع إلى عدم تفعيل القانون وليس لسوء صياغته أو ضعف الأحكام به، فإحدى مشكلات الاستثمار في مصر على سبيل المثال هي تخصيص الأراضى وتعدد الجهات القائمة على التخصيص رغم وجود تكليف من المشرع للحكومة في القانون الذي صدر منذ أكثر من 17 عاماً بضرورة عمل خريطة للأراضى في مصر، ومع ذلك لم تنفذ أي من الحكومات السابقة والمتعاقبة هذا التكليف التشريعى، كما أن القانون ينص على ضرورة تسعير الأراضى وتحديد أغراض استخدامها قبل تخصيصها، ولا يسمح هذا القانون بتعديل الأسعار بإرادة منفردة، وفى حالة وجود تنازع بين الجهات الحكومية لا يجوز أن يرتب ذلك أي آثار سلبية على ملكية أو حيازة المستثمر لها، ولا يجوز سحب الترخيص لأى سبب من الأسباب إلا بحكم قضائى، ولكن كل هذه الأحكام ضُرب بها عرض الحائط ولم يتم تفعيلها، ولذلك كان من الأولى بدلا من إضافة نصوص جديدة أن نضع آلية لتفعيل هذه النصوص الحالية.
■ أفهم من ذلك أنك ضد عمل قانون جديد للاستثمار قبل المؤتمر الاقتصادى والاكتفاء بتعديل القانون الحالى؟
- أي إصدار لقوانين جديدة الآن هو نوع من الانتحار السياسى وليس له ضرورة ملحة الآن، كل ما نحتاجه في الوقت الحالى لتحقيق الغرض إجراء عدد من التعديلات على حزمة من التشريعات، منها قانون الاستثمار إلى جانب تعديل بعض نصوص قانون الشركات وقانون المناطق الاقتصادية الخاصة وتعديلات تشمل قانون العقوبات، فهذه الأشياء ستعد طفرة إيجابية لتحفيز الاستثمار والحد من المعوقات.
■ لكن وزارة العدالة الانتقالية تعمل على مشروع قانون الاستثمار الموحد، ووزارة الاستثمار تعمل على تعديل القانون الحالى، ففى أي المسارات تسير الدولة، ولماذا هذا التداخل؟
- أعتقد أن الدلائل تشير إلى أن الحكومة تسير الآن في مسار التعديل والعمل على تفادى التضارب الذي كان يحرك المشهد لفترة غير قصيرة.
■ ما هو المطلوب من الحكومة خلال الفترة المقبلة لإنجاح المؤتمر الاقتصادى؟
- بل دعينى أطلب من الرئيس مباشرة، نحن في حاجة ملحة إلى قرار جمهورى بتشكيل لجنة تنتهى من عملها خلال 3 أشهر على الأكثر وتكون مسؤولة عن 3 أشياء، إعداد خريطة استثمارية لاستخدام الأراضى على مستوى الدولة وأسس تسعيرها ونظم تخصيصها وتحديد أي الأراضى مخصصة للزراعة وأيها تصلح للاستثمار الصناعى وما هو مخصص للمشروعات الصغيرة، وكذلك ما هو مخصص للسياحة، وذلك خلال 3 أشهر على الأكثر، فهذا هو الطريق الأفضل لسد أبواب المفاسد وتشجيع الاستثمار، ثانياً يناط باللجنة ضرورة البدء في التفعيل الكامل لنظام الشباك الواحد، وثالثاً إجراء التعديلات المطلوبة على بعض القوانين الملحة والمرتبطة بتحسين مناخ الاستثمار، على أن تشكل اللجنة قبل المؤتمر الاقتصادى وتكون قادرة على الاستفادة من المؤتمر الاقتصادى فور انتهائه وتحويل ما سيُعرض فيه إلى واقع ملموس.
■هل الوقت يسمح؟
- ما تبقى من وقت يكفى للتعديلات الضرورية وإعطاء الرسائل الإيجابية، لأن التعديلات متفق عليها من قبل ولن نبدأ من الصفر.
■ كل الآمال منعقدة على المؤتمر الاقتصادى، فهل تراه حقًا المُخلِّص، أم أن رفع سقف الطموحات قد يضر بنا؟
- يجب أن يكون واضحا أن الهدف الرئيسى من المؤتمر ليس إبرام عقود مشروعات، إذ إن المشروعات يقوم بها القطاع الخاص والمشروعات التي تكون الحكومة طرفًا فيها هي في النهاية مشروعات محدودة بالنسبة لطموحاتنا من حيث القيمة والعدد، النجاح الحقيقى للمؤتمر يكمن في الخروج بقناعة الجميع بأن مناخ الاستثمار في مصر إيجابى وأن الدولة تقر بالمشكلات ولديها الحلول وعازمة على الاستمرار في الخطة الإصلاحية دون تردد. ولا بد أن نكون على يقين أن مصر رغم كل ما تعانيه من مشكلات إلا أنها جاذبة وبقوة للاستثمار، ويمكن أن تصبح مركزًا عالميًا رئيسيًا، والمستثمرون يعلمون ذلك جيدًا.
■ ما تقييمك لأداء هيئة الاستثمار، وهل تراها قادرة على الترويج للاستثمار؟
- أرى أنه من الأفضل أن تكون هناك جهة مستقلة لشؤون ترويج الاستثمار في مصر بعيدًا عن هيئة الاستثمار الحالية التي يجب قصر دورها على الإطار التنظيمى والرقابى كما هو الحال بالنسبة لهيئة الرقابة المالية.
■ لماذا؟
-لأن وظيفة الترويج لمصر كبلد وبيئة جاذبة للاستثمار، تقتضى فلسفة ووظائف ونوعيات مختلفة تماماً من الكفاءات، هيئات الترويج تعد المستشار المالى ومدير الترويج وبنك الاستثمار بالنسبة للدولة ككل، وهذه وظائف تختلف تماماً عن الوظائف القائمة حالياً على الرقابة والتنظيم والتفتيش، كما أن هيئة الاستثمار لم تقم فكرة إنشائها من الأساس على الترويج، إنما على الرقابة والتنظيم، وبالتالى هي عاجزة عن الترويج.
■ هل يمكن تحقيق طفرة اقتصادية ومجتمعية في ظل وضع الجهاز الإدارى الحالى؟
- بدون إصلاح الجهاز الإدارى والأجهزة الحكومية، فلن يتم عمل أي تنمية وسيظل كل ما نتكلم عنه حبرًا على ورق والتقدم سيظل شديد التباطؤ، لأن الأجهزة المعنية عن عمل الإصلاحات وتطبيق السياسات الجديدة هي نفسها تعانى العطب، فكيف لها أن تنفذ الإصلاح، وأعتقد أن معوقات مصر الأساسية نحو التقدم هو سوء حالة أجهزتها الحكومية. أعلم وأدرك أن الأمر في غاية الصعوبة ولكنه ليس مستحيلًا.
■ ومن أين نبدأ في الإصلاح الإدارى؟
- في رأيى لابد من البدء بإصلاح القطاعات الاقتصادية، وعلى رأسها قطاع الأعمال العام، ثم نبدأ بالإصلاح المؤسسى للأجهزة التي تتعامل مع الجمهور، كما نحتاج للبدء في إجراءات إصلاح المحليات. فلو نجحنا في إصلاح المحليات خلال الخمس سنوات القادمة سنكون تجاوزنا أكثر من 70% من أزمة الجهاز الحكومى في مصر، ورغم أنها أمور قد تستغرق وقتًا، لكن علينا أن نتخذ قرار البدء من الآن، وهناك إصلاحات لا تحتاج لوقت إلا أنها ضرورية ومؤثرة، مثل إصلاح أمانة رئاسة الوزراء كإدارة، فلا يُعقل ألا تكون هناك أمانة فنية لوضع سياسات مجلس الوزراء موضع التنفيذ حتى الآن، أمانة تعمل على التنسيق الأفقى بين الوزارات المختلفة والمتابعة الرأسية، لتنفيذ القرارات داخل مؤسسات الدولة، فعدم التنسيق هو أحد أسباب ارتباك المشهد برمته.
■ هل نحن بحاجة إلى استثمارات في مولات تجارية مثلًا، أم صناعات كثيفة العمالة؟ وهل من حق الدولة توجيه الاستثمار إلى قطاعات بعينها؟
- تجارة التجزئة مطلوبة ولها إيجابياتها، لكن لا يجب أن أبنى الاقتصاد المصرى على ذلك فقط، ودور الدولة هنا هو أن تشجع الكافة، لكن من الممكن أن تمنح حزمًا تحفيزية أكبر لمن يُشغّل مصريين أكثر ويدربهم، أو من يعمل على الصناعات التصديرية، وكذلك من يعمل على توسيع الرقعة الزراعية، فالدولة عليها أن تشجع الاستثمار ككل ولكن الدولة الحكيمة تعطى محفزات أكبر للقطاعات التي تريد الاستثمار فيها، فيما يسمى بالاستثمار الموجه والعقلانى لخدمة التنمية.
■ حتى الآن لم نلمس نشاطا في الصناعات الصغيرة والمتوسطة.. هل تعتقد أن الدولة جادة في هذا الأمر؟
- معالجتنا لتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة على مدار السنوات الماضية معالجات سطحية وليس لدينا سياسات واضحة حتى الآن، رغم أننا نتحدث عن تلك المشروعات منذ زمن طلعت باشا حرب، نحن بحاجة في رأيى إلى قانون جديد ووزارة مختصة، ترسم سياسات واضحة لدعم تلك المشروعات التي لا تكمن أهميتها في التنمية الاقتصادية وفقط، إنما هي تصب أيضاً في خضم فكرة العدالة الاجتماعية، كما أن مصر تفتقد إلى سياسات تمويلية جيدة، فحصيلة تمويل المشروعات الصغيرة في مصر من القطاع المصرفى لا تتجاوز 6%، كما توجد مشاكل كثيرة في التعامل الإدارى، حيث يتم التعامل مع المشروع الصغير بنفس آلية التعامل مع مصنع تكلفته مائة مليون جنيه، وهذا خطأ فادح.
■ لننتقل إلى السياسة الخارجية.. ما بين جرأة عبدالناصر ودهاء السادات ومهادنة مبارك، كيف تقرأ قرارات السيسى فيما يخص العلاقات الخارجية؟
- المحدد الرئيسى لمصر في علاقاتها الخارجية تحقيق الأمن القومى المصرى وتحقيق مصالحها وأى شىء آخر يرتبط بالآليات وليس بالأهداف، حماية الأمن القومى المصرى في رأيى يعنى ضرورة أن تلعب مصر دوراً رئيسياً في المنطقة ولا يقف الأمن القومى المصرى عند حدودها، إنما هو أبعد من ذلك، فأمننا القومى يقتضى العمل على تحقيق الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطينى وتحقيق آماله تحت قيادة فلسطينية موحدة، أما الحدود الغربية فمن مصلحتنا المساعدة بكل الطرق في تكوين جيش ليبى نظامى وحكومة موحدة قوية، الأمن القومى المصرى يتطلب كذلك أن تكون مصر لاعبًا رئيسيًا مع قوى إقليمية، مثل الصين وروسيا والهند، لكى تكون صاحبة موقف قوى ومؤثر وجزءًا من لعبة التوازنات في المنطقة.
■ دار خلاف شديد بعد ضرب معاقل الإرهاب في ليبيا مؤخرًا حول تساؤل «من أين يبدأ الأمن القومى لمصر» من خارج الحدود أم من داخلها؟ انتظار العدو حتى يأتينا أم ضربات استباقية خارج الحدود؟
- ليس في مصلحة مصر ولا العالم العربى ولا أفريقيا أن تتقوقع مصر وتنكفئ على مشاكلها الداخلية، لقد أثبتت نظرية التقوقع خلف الحدود على مدى الثلاثين عامًا الماضيه فشلها الذريع، تضاؤل حجم مصر في المنطقة وتراجع دورها كان بسبب هذه النظرية التي دفعنا ثمنها ضخما ومازلنا نعانى منها، فقد اخترنا التركيز على مشكلاتنا الداخلية وابتعدنا عن الشأن الإقليمى والدولى، فانهار الداخلى والخارجى، أيضا التهور في الدخول في عمليات عسكرية غير محسوبة بدقة خطأ شديد، لكن ما حدث مؤخرا من ضرب بعض معاقل الإرهاب في ليبيا تم بحنكة شديدة وبدقة متناهية، الرئيس السيسى لديه حس شديد بالأمن القومى المصرى ويعى كل المخاطر، والتحرك المصرى الخارجى في الشهور الماضية كان محسوبًا بدقة، لذا هناك تطور ملموس في العلاقات الخارجية.
■ هل تعتقد أن مصر لديها رؤية واضحة لحل مشكلة سد النهضة؟
- لا أرى خطة معلنة في هذا الموضوع حتى الآن، وترك موضوع سد النهضة لمدة 15 سنة أو أكثر في يد وزارة الرى كان خطأ استراتيجياً فادحاً، وجميع التقارير التي تأتى لنا بهذا الشأن متضاربة.
■ كيف تُقيّم تعامل الدولة مع أزمة سد النهضة، وهل تعتقد أن مصر لديها خطة مائية بديلة؟
- على ما يبدو أن بعض أجهزة الدولة في أزمتها الحالية بشأن المياه تركز فقط على سد النهضة، وهذا قصور شديد يجب تداركه، لأن ملف المياه لا يقتصر فقط على الخطر الناشئ عن بناء السد، ولابد من التعامل مع ملف المياه وفق خطة استراتيجية واضحة ومتكاملة، يكون سد النهضة أحد روافدها، فأنا لا أستطيع أن أتوسع زراعيًا أو أن أضع خطة اقتصادية طموحة لتعمير سيناء أو التقدم في العاصمة الإدارية الجديدة وأنا أواجه فقراً مائياً، ودون خطة مائية واضحة في مصر لا يمكن حل الأزمة.
■ إذن، ما هي رؤيتك للتعامل مع هذا الملف؟
- هذا الملف لابد أن يدار على عدة مستويات، حيث يقتضى الأمر استمرار العمل التفاوضى مع إثيوبيا بشأن الحلول المُرضية لجميع الأطراف، إلى جانب العمل مع المنظمات الدولية، مثل منظمة الاتحاد الأفريقى، بشكل جدى للتعاون مع مصر ومساعدتها على الحفاظ على حصتها من المياه، كذلك يجب أن يكون هناك توثيق فنى من خلال المؤسسات المصرية ولنبدأ في الطريق القانونى من الآن وبالتوازى مع المفاوضات، حيث الذهاب إلى المؤسسات الدولية بالمستندات والأدلة التي تؤكد حق مصر في الحفاظ على حصتها من المياه، على أن يسير بالتوازى مع وضع خطة مائية توضح المصادر البديلة، إذ إنه توجد مستنقعات في جنوب السودان والكونغو علينا التعاون في استخدامها، حيث يمكن أن يوفر ذلك لمصر طبقاً للدراسات ما لا يقل عن 100 مليار متر مكعب من المياه، كما يجب أن تُطلعنا وزارة الرى على البدائل المائية داخل مصر وخطتنا في تحلية مياه البحر وتكلفة ذلك واستخدام المياه الجوفية، ووسائلها في وقف المهدر من مياه النيل، وهو يصل إلى 30%، هذا إن وجدت هذه الخطة.
■ لننتقل إلى ملف التعليم، دائماً ما يبرر المسؤولون البطء في الإصلاح التعليمى بضعف الإمكانيات، إذن ما هو الحل؟
- سأتحدث في هذا الموضوع باعتبارى أستاذًا جامعيًا، لذا أنا أرى أن العار كل العار على مصر أن يكون ترتيبنا في جودة التعليم، طبقاً لتقرير التنافسية العالمية، هو رقم 141 من 143 في جودة التعليم الأساسى، ولا يمكن أن يقال إن سوء جودة التعليم في مصر سببه ضعف الإمكانيات المالية، لأننا في هذا التقرير يأتى ترتيبنا بعد فلسطين ومعظم الدول العربية تقريباً، فلا يجب أن أربط سوء جودة التعليم بضعف الإمكانيات المالية، إنما بسوء إدارة هذا الملف لمدة خمسين سنة.
■ الحديث سهل، لكن التنفيذ في ظل الإمكانيات المتاحة قد يبدو صعبًا.
- أعلم أن التحديات صعبة، لكن المواطن يريد أن يشعر أن الحكومة على الأقل بدأت في عملية الإصلاح، وليس بالضرورة أن أصلح العملية التعليمية برمتها، من الممكن أن نبدأ بالتعليم الأساسى على أن نعتبره هدفًا قوميًا يجب أن تعمل عليه جميع أجهزة الدولة خلال الخمس سنوات القادمة.
■ احتواء الشباب بات معضلة، رغم تأكيد الرئيس في كل خطاباته على أهمية دورهم في المجتمع.
- لا أفهم معنى احتواء الشباب، فلو تحدثت عن ملف احتقان الشباب الذي يباشر العمل السياسى، فهذا الملف توجد به مشكلة، ولا يجب أن أزيد من خصومتى مع شباب الجامعات المتظاهر أو المعارض ولا أسرف في عملية القبض والفصل من الجامعة، فالحل الأمنى وحده غير مُجدٍ، أما إذا تحدثت عن باقى الشباب، فهم يشعرون بالإحباط واليأس لعدم وجود فرص عمل حقيقية، فأكثر من 60% من حجم البطالة في مصر تحت سن الـ25، لذا يوجد إحساس بالظلم الاجتماعى، وهذا لا يمكن احتواؤه إلا عبر توفير فرص عمل وتحقيق تنمية اقتصادية، والابتعاد عن البطش الأمنى.
■ هل البطش الأمنى مازال موجودًا؟ وهل تعتقد أن الشرطة مازالت تتعامل بآليات النظام القديم؟
- للأسف نعم.. رغم أن هناك تحسنًا وإدراكًا من أجهزة الشرطة بضرورة الإصلاح، لكن لا تزال آليات الشرطة في التعامل كما هي، لأن عقلية التفكير داخل أجهزة الشرطة لم تتغير من الأساس.