x

مصطفى حجازي: هناك حيرة عامة أكثر من حوار عام (1-2)

الثلاثاء 24-02-2015 09:28 | كتب: محمود مسلم, عادل الدرجلي |
حجازى أثناء حديثه لـ«المصرى اليوم» حجازى أثناء حديثه لـ«المصرى اليوم» تصوير : فؤاد الجرنوسي

أكد الدكتور مصطفى حجازى، المستشار الاستراتيجى للمستشار عدلى منصور، الرئيس المؤقت السابق، أن هناك غيابا للحوار العام، ويأتى مكانه ما سماه بـ«الحيرة العامة»، وهى أمر لم يغادرنا لفترة طويلة.

وشدد «حجازى»، في حواره مع «المصرى اليوم»، على أن ثورة يناير كانت بشائر الخروج من حالة التيه التي أعقبت عام 1967، «حيث كانت لحظة ظهور معالم إلى ترحال نحو المستقبل».

وجدد قوله: «كنت أقول إننا إذا أردنا أن نحسم مسألة بعينها فإن الطريق للمستقبل ينبنى على ثلاثة محاور وملفات رئيسية، وهى (البشر.. الوطن.. الحلم)، من غيرها لن يكون هناك انتقال من حالة التيه إلى مسار الترحال نحو المستقبل»، وإلى نص الحوار:

■ في البداية نريد أن نعرف سبب اختفائك عن المشهد السياسى خلال الفترة الماضية؟

حجازى أثناء حديثه لـ«المصرى اليوم»

- ليس اختفاء، لكن عادة الكلام يكون له ضرورة، وإلا فلا جدوى منه، وأحيانا كثيرة نرى أن المتلقى أو من يتم التواصل معه لديه قدر من الاكتفاء، وهذا حقه، وهو اكتفاء بكثرة الأحداث وبالاستغراق في تفصيلاتها.. وأحيانا أخرى يرى المجتمع أن ما وصل له من محطات صارت واضحة المعالم تنبئ بما بعدها، مؤكدة لنتائجها، وهذا يورثه إعراضاً عن الرغبة في الانخراط في حوار جاد، وبالتالى يصبح من الأجدى ألا يكون هناك تواصل في النطاق العام، ومن الأفضل أخذ خطوة إلى الوراء للتأمل والتحليل، لكن حين تحضر ضرورة للحديث، التي في منشئها مشاركة في حيرة تستدعى حوارا عاما مفتوحا- يصبح التواصل ضرورة بل واجبا وطنيا.

■ مقالك الأخير في «المصرى اليوم» كان به العديد من التساؤلات والحيرة؟

- أرى أن هناك غيابا للحوار العام، ويأتى مكانه ما يسمى بالحيرة العامة، وهى أمر لم يغادرنا لفترة طويلة، ونحن بلد ليس في وضع الترحال من نقطة إلى أخرى، وإنما في حالة أشبه بـ«التيه» منذ عام 1967، وحتى طبيعة الموضوعات التي كنا نناقشها كانت تؤدى إلى «تيه» أكثر منه إلى نتائج يمكن البناء عليها، فعندما دخلنا معضلة الهوية في بداية السبعينيات والسؤال كان: «هل نحن عرب أم فراعنة أم مسلمون؟» لكى نغادر فكرة القومية العربية، في إطار انقلاب فكرى للرئيس الراحل السادات ونظامه على ما كان يتصوره نظام الرئيس الراحل عبدالناصر، ثم دخلنا فيما يسمى «الإسلاموية» وظهور تيار الإسلام السياسى ليعبر عن هوية جديدة كانت تخدم السياسة ومرحبا بها في وقتها، ويقبلها العالم كله- كان ذلك تكريسا للتيه، وأكاد أجزم أن بشائر الخروج منها كانت ثورة 25 يناير 2011، والتى كانت لحظة ظهور معالم إلى ترحال نحو المستقبل، وأخطر شىء يحدث خلال السنوات الأربع الماضية أن هناك ممن ينتمون إلى ماض صُنِع فساده يقاومون حركة مستقبلنا للخروج من طوق التيه، لأنه بالنسبة لهم خروج من التاريخ والإقصاء من المشهد كليا، فيأبون إلا أن نستنزف في المشهد الحالى والبقاء في الحيرة والدوران في المكان.

■ وماذا عن الحيرة في مقالك الأخير؟

- كنت أقول إننا إذا أردنا أن نحسم مسألة بعينها، فإن الطريق للمستقبل ينبنى على ثلاثة محاور وملفات رئيسية، وهى «البشر والوطن والحلم»، ومن غيرها لن يكون هناك انتقال من حالة «التيه» إلى مسار الترحال نحو المستقبل.

■ وكيف يمكن إدارة هذه الملفات أو المحاور الثلاثة؟

- الملف الأول «البشر» الكل يتاجر به، ويدلس عليه، ويتحدث باسمه، وهو في الحقيقة يعتبر جوهر التغيير الحقيقى الذي نادى بأن مصر خرجت الآن من «التيه»، وتتجه إلى المستقبل، والبشر في مصر يجب أن نعلم علامَ يصنف، فمن نحن؟! هل نحن من يشار إلينا في أغلب الأحوال أننا المقبلون على الحرية ودعاتها، أم الخانعون بالطبيعة؟! هل الموظف المنسحق ضيق الأفق وضيق الحال، أم البيروقراطى ضيق الصدر واسع البطن؟! إلى آخر ثنائيات متضادة كثيرة أخرى.

أما الحقيقة، فإننا كل هذا، ويوجد فينا كل هذه المتناقضات، فينا الخير والشر والصدق والكذب والإقبال على الحرية والخنوع أيضا، وفينا من لم يقبل بالدّنية في وطنه طول عمره، وفينا من أسميه «الديوث السياسى» القابل بأى شىء إيثارا للسلامة، وما كنت أريد قوله إننا لدينا كتلة حرجة من البشر أطلت وصنعت أول ملامح طريق المستقبل والترحال نحوه في ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وهذه الكتلة التي كنت أتمنى قبل ثورة يناير أن تكون نصف مليون إنسان تبدت أن حقيقتها تجاوزت باليقين أكثر من عشرة إلى عشرين مليونا.

■ وماذا يمثلون هؤلاء؟

- هم القادرون على صناعة مستقبل، وبينهم الكتلة الأكبر تميل إلى الخير والصدق والإنسانية، ويوجد حول التخوم أعداد كبيرة أخرى فيها ميل أكثر لعكس ذلك، لكن الشعوب والأوطان حين تبنى فإنها تبنى بالكتلة الحرجة الخيرة، والوطن الذي أقصده هنا ليس مجرد جغرافيا، وإنما إطار تعايش متفق عليه يمكن أن يعين هذا المواطن على أن يبدع وينتج، وأن يشعر بملكيته لحلمه ولوطنه، وأن يشعر أنه إنسان، حين يُقبل على الحرية لا يؤثمه أحد عليها، لأن الحرية هي في الحقيقة أساس الإبداع، ولا يمكن أن يبدع أحد وحريته مكبوتة، وحين نتحدث عن العدل مثلا، فإنه جوهر الاستقرار والأمن والإبداع التي تصنع الاستدامة، والتى تعد المناخ الذي يمكن أن تُصنع فيه أوطان بتراكم ثقافة وعلم وعمل.

■ وماذا أريد لنا في هذا «التيه» الذي تحدثت عنه؟

- أريد لنا أن نبقى قابلين للتوتر، ونتعاطاه، وأن نجعل من التوتر طبيعة حياة، وهناك مثال يشرح هذه الحالة «إذا افترضنا أن هناك حريقا كبيرا، فإننا نجد من يقف وينادى هاتفا حريقة.. حريقة»، وهناك آخرون المفروض ولزاماً عليهم أن يبحثوا عن وسيلة للإطفاء، ومن غير المنطقى في كل وقت يتقدم أحد للتفكير في أسباب الحريق وإطفائه يؤثم بأنه لا ينادى حريقة.. حريقة، فكأن الصخب أصبح معيار الوطنية الأوحد!.

هناك حِسبة وطنية مثل الحِسبة الدينية التي عشناها فترة، فهل تُقر المعايير الوطنية بالصخب أو بالعاطفة تجاه قضايا الوطن التي لا يبحث أحد لها عن حل حقيقى، أم تقر بالمسؤولية الوطنية تجاه إيجاد حلول حقيقية لجذور مشكلاتنا وبالمسؤولية قبلها عن إيجاد الرؤية التي بها نهتدى في مسير المستقبل.

فما بعد الحريق ليس مجرد إطفائه، فهناك قضية أهم وأولى بالطرح، وهى البحث عن مصادره وأسبابه كى لا يحدث مرة أخرى، فحين تجد في أي مجتمع من يحارب العدل الذي يؤدى إلى الاستقرار والحرية التي تؤدى إلى الإبداع، أعتقد أن الوطنية لا تكون في جانبه مهما ادعى.

■ البعض يرى أن مصر في حالة مؤامرة؟

- إننا نتحدث عن فكرة أن هناك حربا تدور، فما هي ضمانة الانتصار في أي حرب، هل هي وجود موارد، أم الإلحاح على فكرة دناءة العدو وعدم مشروعية عدوانه.

في الحقيقة.. فإن انتصار مصر دائما في كل تاريخها مبنىّ على فكرة أساسية وهى أن المواطن المصرى يعرف يقينا أنه يملك هذا المكان، ويدافع عن هذا المكان، وتفردنا في التاريخ أننا مواطنون أصحاب أرض ولسنا شراذم، ولا يجوز لدينا تغيير الوطن بآخر بديل، ولسنا دولة حديثة، إذن الأصل في الدفاع هو أن الجندى والمواطن المصرى قدراته الحقيقية أن لديه قضية الأرض، فالبداية الحقيقية للأمن القومى المصرى هي أن يكون في وجدان المواطن أنه يدافع عن أرضه وحلمه ضد كل عدو ومتآمر.

■ إذن عدم وجود الانتماء للأرض هو مشكلة الشباب في الوقت الحالى خاصة أن الكثيرين يهاجرون الآن؟

-هذا صحيح.. لأن الانتماء عطاء، والعطاء يجب أن يقابله أخذ، فإن سيكولوجية التعامل مع الأقرب إلى الفطرة الأنقى والوعى الأقل تتطلب أن يثبت لديه الشعور بالملكية قبل المطالبة بالعطاء.. فالانتماء هو عطاء طبيعى لكل ما يشعر بملكية من نوع ما لما ينتمى إليه.

■ وكيف تأتى ملكية الوطن داخل الوجدان؟

- لن تأتى من القول فقط بأن هذا الوطن ملك لك، وإنما نحتاج إعطاءه شواهد على هذا، وملكية وطن تعنى ملكيته لحُلم في مكان ما يسمى «وطن»، وإحساسه بقيمة أن هذا الوطن يرعاه، وألا يجد هناك صداما بين ما يتصوره حلما مشروعا لهذا الوطن وبين تصور آخر، وألا يجد نفسه مؤثما على هذا الحلم أبداً، والفطرة الصحيحة تقول إننا كمواطنين في دولة قديمة مثل مصر ولا يعدم فيها الشعور بإحساس الوطن، فإننا نملك تراكما تاريخيا يعين على تكريس وإحياء شعور الملكية هذا، فدون أن يشعر الشاب المولود عام 1990 يوجد في وجدانه تراكم بداية بثورة الأشراف وقت الحملة الفرنسية مرورا بثورة عرابى ومن بعدها ثورتى 1919 و1952 وانتصار 1956 السياسى قبل العسكرى وانكسار 1967 ونصر 1973، هو لم يعِشها، لكن التراكم الشعبى يربى في هذا الشاب الدفاع عن شىء ما في وجدانه هو يسميه مصر، وبما أن المؤامرات على مصر شأنها شأن دول الأرض قاطبة معلومة من الصراع الإنسانى بالضرورة، فعندما تستنفر طاقة هذا الشاب داخله للقيام بدوره في تلك الحروب أو لإجهاض تلك المؤامرات، يجب ألا تستنفرها بالهتاف «حريق.. حريق» أو بدعوته فقط للصخب باسم الأزمة.. وإلا أثمته.. بأنه إن انشغل بالبحث عن أسباب الحريق، يكون مواطنا غير صالح!! وفى الأغلب أنت مواطن خائن! لأن درجة صخبك الوطنى أقل من اللازم. بل يلزم أن يدرب على البحث عن كيفية مواجهة الأزمة أكثر من التباكى عليها أو الاتجار بها، وهذا شكل للتطرف في المجتمع وهو من أعجب ما يمكن.

■ كيف هذا؟

- إننا لدينا التطرف الدينى وما أسميه التنطع في الدين، والتعصب في الوطنية، الأول حسبة دينية تتحدث عن هل أنت كافر أم مؤمن؟، والثانى حسبة وطنية هل أنت خائن أم وطنى؟، وخطورة هذه الحالة أنها طرفية أقرب إلى الجنون لا تعين على بناء مجتمع يحتاج إلى حوار ليصل إلى نتائج يمكنه البناء عليها، ولا يكفى وجود على جانب الدين أن هناك خطرا على المعتقد ممن يتصور أنه يدافع عن الدين، وهناك خطر على الوطن ممن يتصور أنه يدافع عن الوطن، والحقيقة فعلا في كل وقت أن الدين والوطن في خطر، وهذا وضع طبيعى، والتاريخ وإن لم يخلُ من المؤامرة فإنه ليس كله مؤامرة.!

■ ومن هم أطراف المؤامرة من وجهة نظرك؟

-الطرف الرئيسى في المؤامرة كما أراها، هو نظام مبارك الذي كان سبباً في تصحر الكفاءات وتجريف الوطن من كفاءاته، والإخوان المسلمون أيضا أحد أطراف المؤامرة، والاتفاق علينا نحن عموم المصريين بين الطرفين في لعبة كراسى سلطة نوع من المؤامرة، أما استدعاء أطراف خارجية وإن لم تخل منهم عبر التاريخ فهذا أعتبره الشكل الأسهل والأبسط من المؤامرة، مثل فكرة وجود قطر وتركيا وأمريكا والاتحاد الأوروبى في لحظة وإسرائيل، يقيننا كلهم أطراف في مؤامرة تمثل إطار مصالحهم المصطدمة مع مصالح مصر في لحظة وسياق ما.

■ المؤامرات في مجملها سيئة لكن ما أسوأ أنواعها؟

- هو من يتسبب في إضعاف مناعة مريض بحيث يصبح مستباحاً للمرض أو من يضعف مناعة مجتمع ودولة لكى يصبح مستباحا لأى طرف يريد أن ينال منه، فإن العناصر الخارجية سواء كانت قطر وقناة الجزيرة وغيرهما هو أمر ليس جديدا، فإن أكثر المشاهد التي رأيت فيها كذب «الجزيرة» مثلا كانت أحداث قصر الاتحادية الرئاسى خلال فترة حكم الإخوان، فهل كذب هذه القناة وافتراؤها وتهور قطر ينفى على الجانب الآخر رغبة شعبية صادقة في القضاء على فساد بقى ثلاثين عاماً أو أكثر، وهل كذب قناة فضائية أو فساد نظام مبارك أو دموية وتواطؤ تنظيم الإخوان يمكن أن تنفى من التاريخ صدق رغبة المصريين في حياة كريمة خالية من الاستبداد والفساد واحتكار الدين أو الوطن، فهل حديث الجزيرة ينفى حديث اللواء نجيب عبدالسلام، قائد الحرس الجمهورى، في وقت الرئيس مبارك، عن أن يوم 11 فبراير 2011 كان بالنسبة لهم يوما منتظرا، لأنه وفقا لمقولة الرجل: «يوماً كنا نتمنى فيه زوال الفساد»، ولا يمكن الآن قبول هذا الفساد كما كان موجودا، وفى تقديرى أن المؤامرات الآن تضعف وتصغر وتعود إلى حجمها الحقيقى ونستطيع أن ننهيها بشكل قاطع وحاسم ونحن نعرف أن بداية العلاج موجودة داخلنا.. إذا بحثنا عن سبب الحريق أكثر من الصراخ حوله.

■ كيف يشارك الخارج في صناعة المؤامرة؟

- محاولة اختزال حركة مجتمع كان يغلى ضد الاستبداد أو شعوره بالمهانة وافتقاد الإنسانية، أنه فقط كان قطعة شطرنج حركتها قوى خارجية مهما كانت قوتها الفكرية والمادية تقليل من شأن هذا الشعب يصل إلى قدر الاحتقار.. وهو أمر لا يمكن أن أقبله أو يقبل به عاقل، كان هذا هو دأب نظام مبارك وتنظيم الإخوان.. احتكار الحكم واحتقار الشعب.. فإن محاولة صرف انتفاض المصريين لإنسانيتهم أو هويتهم في ٢٥ يناير أو ٣٠ يونيو على أنها فصل من مؤامرة تحركت تلك الملايين وفقاً لهوى خارجى أو داخلى فهذه كما قلنا سذاجة مخلة وإهانة للمصريين. ومن يرى أن إسقاط مبارك كان لعبة شطرنج قام بها البعض وأن الشعب المصرى كله كان خارج المشهد، أعتقد أن هذا احتقار لقيمة الحلم في هذا الشعب، أما إذا أردنا أن نناقش انكشاف ساحة المجتمع المصرى ليكون مسرحا مجهزا لمؤامرة، فمن يعمل على تفريغ المجتمع من التفكير نحو المستقبل وفى معرفة ذاته وما يلزم أن يقدم وما يلزم أن يتأخر، هو من يساهم في انكشافه، وإذا المجتمع لم يعطَ الفرصة الكافية للتفكير بشكل منطقى فهنا يكون تأثير أي عداء خارجى أو داخلى فيه واردا، وبالمناسبة التفكير وقت القصف يمكن أن يكون هادئا، والتفكير الهادئ ضرورة حاكمة.

■ وما طبيعة من شارك في 25 يناير؟

- في ميدان التحرير كان هناك الثائر الناسك من يتعبدإلى الله برغبته في التغيير وهم الكثرة الغالبة.. وعلى الطرف الثانى شراذم مثل شخص يسرق «مول تجارى»، وثالث منفعل بالحدث وقريب منه لكنه تابع، ومن كان يخدم فكرة تنظيم وله تصور عقدى وأيديولوجى وهم قلة، ومن كان جزءا من مؤامرة حقيقية تفتح السجون وتقتل أمام الأقسام وهم قلة أقل، كل هذا كان موجودا، والحدث الإنسانى كماله في نقصه فلا يوجد حدث إنسانى كامل.

■ كيف يمكن استعادة العقل المصرى؟

- لن يستعاد العقل المصرى إلا برعاية القيم الإيجابية مرة أخرى، وانحسار القيم السلبية، وبأمور لا تحتمل مواءمات، ولن يستطيع أن يقوم عليها فاقد الشىء، فلا يجوز أن آتى إلى شيخ سلفى، يقول لى هذا هو الدين، لا يجوز أن يقود هذا الشخص فكرة الإصلاح، حتى لو افترضنا أنه لم يكن فاسدا على المستوى الشخصى، فمن كان في الماضى لا يمكن أن يكون جزءا في المستقبل، وليس معنى هذا أنه لن يكون هناك تغيير في شىء مثلما كتب «أمل دنقل» في كلمات «سبارتاكوس» الأخيرة والذى كان يُعدم ويرى كل العبيد تركوه، فقال «لا تحلموا بغد سعيد فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد وخلف كل ثائر يموت دمعة سدى»، وأن العدمية هي الحل.

■ وهل نحن عدميون؟

- لقد تساءلت في مقال قريب مستفهما هل نحن عدميون حقا؟! الحقيقة لا، ليس كلنا عدميين، البعض يدعى العدمية غرضا في الهرب من استحقاقات المستقبل، وهناك من ليس عدميا على الإطلاق، ويرجو ويطلب فرصة لكى يحقق للوطن شيئا، وليس هناك رعاية إيجابية له، فإننا في مجتمع آفاته الأساسية هو وجود فجوة ثقة عميقة.. ما بين غياب ثقته في نفسه أو بعضه البعض أو سلطته، ووجود الثقة وزراعتها وتنميتها وإيجاد إطار منطقى لها هذا لا يعنى عدم اتخاذ التدابير اللازمة والاحترازية، فإنها تعد جزءا من بناء الثقة، والفكرة أن حالة التململ والتربص وفقدان الثقة توصل المجتمع لشلل.. المجتمعات المتوترة والتى لديها فائض توتر تكون مشلولة.. ولن تصنع مستقبلا.

■ بعد أربع سنوات على «الربيع العربى» هل لديك مراجعة لرؤيتك حول هذه الثورات؟

- في دنيا البشر لا توجد أحكام قاطعة بصواب أو خطأ كاملين، ولا شيطنة وملائكية، و«الربيع العربى» فعل إنسانى، والكثيرون كانوا يرون أن في فترة من الفترات كان هناك نوع من الغليان في قلب المجتمع رغم قشرة الاستقرار وأن الانفجار قادم لأن الأفق الحياتى انسد، والتطور والارتقاء توقف، وفكرة من يوجد على الضفاف الأخرى واستغل تراكم الضعف الموجود داخل هذه المجتمعات العربية وأراد أن يجعلها مستباحة، لا تنفى الضرورات الأخلاقية والمنطقية لحدوث ثورات الربيع العربى على حالة من سحق إنسانية البشر في معظم المجتمعات العربية بأشكال مختلفة من الاستبداد السياسى أو احتكار الثروة وفرص الترقى.

■ ما هي أبرز الزوايا التي يمكن أن تحلل ضرورة «الربيع العربى»؟

- هناك زاوية واحدة تشى بالكثير من ضرورات حدوث هذه الثورات المنطقية، فلنأخذ الربيع العربى وعلاقته بالإسلام السياسى، فلو لم يحدث الربيع العربى بكل ما له وما عليه ومن على ضفتيه من داعمين وضدهم، هل كان انكشاف الإسلام السياسى ليحدث بهذه الحدة بل ووصوله لدرجة الاحتراق المباشر، فتنظيمات تسييس الدين عبارة عن مرض موجود داخل هذا الجسد أهمل علاجه لدرجة أشبه بالغرغرينا ونحن الآن نفتح جرحا ملوثا عمره أكثر من 100 عام وليس 80 عاما، وما حدث فيه زيادة درجة تلويثه في آخر 40 عاما، فهذا المجتمع ترك مستباحا عقلا ووجدانا على قارعة المساجد والكنائس والدوائر الخاصة ودوائر المصالح.

■ كيف ترك مستباحا؟

- كان لدينا أوطان وليس وطنا قبل 25 يناير، كان المسجد وطنا والكنيسة وطنا والبيت وطنا والشركة وطنا والذات وطنا، وكل منهم كان كفيلا أن تجد في كل واحد فيهم من ينتصر لوطنه، لدرجة أنه يمكن أن ينتصر له ضد مصلحة الوطن الأم والإخوان خير شاهد على ذلك، فهل هو يتعامل على أساس أنه مصرى أم إخوانى، إخوانى أولاً للأسف.. كل ولاءاته وانحيازاته لإخوانيته لا لمصريته، والتطهر هو العلاج، فإذا لم يوجد التطهر لنواجه أنفسنا بحقائقنا كما هي فإن المجتمع قد يحتاج في فترات إلى صدمات استفاقة.. أعتقد أن الكثيرين يؤيدوننى، أنه كان لدينا احتقانان انفجرا، الأول لم يؤتِ أي ثمار سيئة واحتواه المجتمع المصرى بحكمة وهو الاحتقان الطائفى وكان يستخدم في فترة مبارك كذريعة لبقاء السلطة، والثانى كان يشعر المواطن أن إنسانيته في خطر، وهو ما حدث في 25 يناير و30 يونيو، ومن فضل ربنا علينا أنهما حدثا، فإذا لم يكونا موجودين كان هذا الوطن سيدخل في حالة إغماءة سرمدية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية