فى السادسة من مساء كل يوم يتبدل المشهد فى شارع 23 يوليو، المركز التجارى وسط مدينة العريش، ليسود المحال التجارية المصطفة على جانبى الشارع نشاط ملحوظ، لا يتعلق بطفرة تبدد حالة الركود التى أصبحت شبه معتادة، ولكن استعداداً لحظر التجول المفروض على محافظة شمال سيناء، مع بدء العد التنازلى لانطلاقه تمام الساعة السابعة.
60 دقيقة هى كل ما يتبقى أمام أصحاب المحال التجارية على اختلاف أنشطتها لتجمع معروضاتها، وتنهى تعاملاتها المعلقة، تمهيداً لإغلاق أبوابها مع دقات الساعة السابعة، ليغرق قلب العاصمة، أو «وسط البلد» كما يطلق عليه أهالى العريش، فى صمت تام، لا يقطعه إلا ضجيج الدوريات الأمنية التى تمشط شوارعها الرئيسية.
ورغم إقرار أصحاب «محال وسط العريش» بضرورة عودة الانضباط الأمنى إلى مدينتهم، مع ما عايشوه بأنفسهم من تفجيرات واشتباكات مسلحة، إلا أنهم يعانون من حالة كساد غير مسبوقة، باتت تهدد عدداً ليس بالقليل منهم بالإفلاس، والعدد الأكبر بأزمات مالية قريبة.
ولا يختلف الوضع كثيراً عند أصحاب المقاهى الذين يعدون المتضرر الأكبر من الحظر، كونه يقطع ساعات ذروة نشاطهم. يقول مصطفى سعيد، صاحب أحد المقاهى فى وسط العريش، إن 35 عاملاً كانوا يعملون معه قبل فرض حظر التجوال فى مدن العريش ورفح والشيخ زويد، بالإضافة إلى 5 عمال نظافة ليصل الإجمالى إلى 40 فردا، كلهم يفتحون بيوتاً، وكان المحل يفتح أبوابه للزبائن لمدة 16 ساعة يومياً، لكن الحال تغير تماماً بعد إعلان الحظر، فتم تقليص عدد العاملين فى المقهى إلى 3 فقط، وتم تسريح 37 آخرين.
وأضاف مصطفى: قررت تسريح 37 عاملاً منذ اليوم الأول لفرض حظر التجول فى شمال سيناء، لأن إيراد المقهى انخفض بنسبة 95% بين ليلة وضحاها، الخسائر فادحة ولا يمكن تعويضها مهما حدث، يضيف: «هذا المحل افتتحته منذ وقت قريب برأسمال يتعدى 5 ملايين جنيه ثمن المحل والتجهيزات التى تم إجراؤها به»، لافتاً إلى أن «هذا المقهى كان إيراده يومياً يصل إلى 10 آلاف جنيه فأصبح إيراده 500 جنيه فقط بعد حظر التجول». يتحدث مصطفى والدموع تكاد تتساقط من عينيه بسبب ما تعرض له من خسائر قائلاً «اليوم هو الفلانتين، واشتريت مستلزمات زينة للمحل بألفى جنيه طمعاً فى حضور العاشقين إلى المقهى لقضاء عيد الحب هنا، لكن لم يحضر أحد حتى الآن»، كانت الساعة تقارب الثانية ظهراً حين كنا نتحدث مع مصطفى، ويتابع: «جميع زبائن المحل هنا من الفئة (هاى كلاس) التى كانت تحضر لقضاء بعض الأوقات فى المقهى بعد الانتهاء من أعمالهم، وكان المقهى لا يتسع لكل الزبائن لدرجة أننا كنا نغلق الباب من شدة الزحام لمنع دخول أى زبائن آخرين، أما الآن إذا جاء لى أى زبون حتى لو من طبقة متوسطة أو (غلبان) همسك فيه بإيدى وأسنانى وهبوسه إنه يقعد فى المقهى عندى».
يقول مصطفى: إن العاملين فى المقهى كانوا يحصلون على ألفى جنيه راتبا شهريا أما الآن فيحصل العامل على 900 جنيه فقط وهو الكسبان فى النهاية لأن المحل يخسر، لأن المواطنين بدأوا فى الهجرة من العريش إلى مدن وادى النيل، وتقليص وقت الحظر ساعة أو ساعتين لن يفيدنا لأن كل الزبائن تحضر ليلاً، ونطالب بتقليص الحظر لمدة طويلة بحيث يكون من 12 ليلاً حتى 6 صباحاً لكى أستطيع أن أعيد العاملين الذين كانوا معى إلى عملهم فهم الآن يجلسون فى بيوتهم دون عمل.
بدأت دموع مصطفى تتساقط وهو يتحدث «قررت تأجيل زواجى وأنا خاطب لأجل غير مسمى بسبب عدم قدرتى على تدبير نفقات الزواج، والحالة النفسية لكل الناس فى الحضيض، وقررت تقليل النفقات عن طريق ترشيد استهلاك الكهرباء وغلق التكييفات ووقف عمل شلالات المياه التى كانت تزين المحل». فى محل يبعد أمتاراً قليلة عن مقهى مصطفى سعيد، يجلس زميله فى الصنعة «أبوالوفا سليمان»، صاحب أحد المقاهى، على كرسيه فى مدخل المحل، كأنه كان فى انتظار من يشكو إليه فيبدأ حديثه قائلاً: «كان المقهى يعمل به 42 عاملاً قبل فرض حظر التجول، أما الآن فتقلص العدد إلى 9 فقط بمن فيهم أنا كصاحب للمحل والشيف المسؤول عن إعداد الأطعمة، وقررت تسريح غالبية العاملين منذ إعلان الحظر فى 25 أكتوبر الماضى، لأن دخل المقهى انخفض بنسبة 90% واضطررت إلى تقليل النفقات عن طريق ترشيد استهلاك الكهرباء والخامات، ولكننا لم نرفع سعر السلع التى نقدمها للزبائن حرصاً على جذبهم». يضيف «أبوالوفا»: بدأت الحركة تتحرك إلى حد بسيط جداً بعد قرار الحكومة بتقليص الحظر لساعتين إضافيتين ليصبح من 7 مساء، بدلاً من 5، إلى السادسة صباحاً، لافتاً إلى أن معظم زبائن المحل من الطبقة المتوسطة التى انخفض مستواها المادى حالياً بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية فى سيناء، ومنذ أيام فكرت فى تزيين المحل ببعض الاكسسوارات بمناسبة الفلانتين إلا أننى سرعان ما تراجعت عن القرار بعد حساب دقيق للموضوع فوجدت الخسارة ستحل دون شك.
وأشار «أبوالوفا» إلى أن «المقهى يعمل 8 ساعات فقط يومياً، ولم أقلل مرتبات العاملين التسعة حرصاً على عدم تحملهم معاناة زائدة، ولكن الشيف قرر أن يخفض راتبه 25% لأن الجو ميت فى سيناء بسبب حظر التجول، وقبل الحظر كان عمل المقهى يبدأ بشكل مكثف فى السابعة مساءً وحتى الرابعة فجراً، كما أن ضعف أو انعدام حركة السياحة فى سيناء بسبب الوضع الأمنى أثر بشكل كبير علينا للغاية، وكنا نأمل فى رفع الحظر عن سيناء لكن حادث تفجير الكتيبة 101 قضى على آمالنا فى هذا الخصوص»، مؤكداً أن أصحاب المشروعات التجارية والسياحية يطالبون برفع الحظر عن مدينة العريش، لأن محالهم تتكبد خسائر فادحة تدفعهم إلى الإنفاق من جيوبهم على متطلبات العمل ولو استمر الوضع بهذا الشكل سيضطرون لإغلاق مشروعاتهم.
يقول محمد مهنى، مدير أكبر فنادق العريش، إن الوضع قبل ثورة 25 يناير مختلف تماماً عما قبلها، كانت نسبة الإشغال كبيرة سواء للمصطافين أو غيرهم، الانفلات الأمنى والحظر أوقف كل شىء، ووسائل الإعلام تشوه صورة الوضع فى سيناء وهناك مبالغات كبيرة تمنع الناس من القدوم إلى العريش، وستحتاج إلى وقت طويل لإصلاحها.
وأضاف: «عدد العمال كان 270 عاملا حالياً 127، ولا نسعى لأن نسرح العمال ولم نقلل مرتباتهم، والشركة المالكة هى شركة حكومية حققت نجاحات كبيرة فى فنادق أخرى، ورغم أن هذا الفندق يخسر الملايين سنوياً إلا أن الشركة تتحملها، والجانب الإنسانى مهم جداً لديهم، والعاملون لم يقدموا استقالاتهم لكن غالبيتهم مغتربون وأهلهم ضغطوا عليهم لترك العريش بسبب الوضع الأمنى وما تنشره وسائل الإعلام». وأوضح: «هذا الفندق 216 حجرة نسبة الإشغالات به حالياً 25 حجرة، قررنا تقليل النفقات بدأناها بترشيد استهلاك الكهرباء وترشيد استخدام المياه، ولدينا منطقة كافيهات أغلقت بسبب حظر التجول الذى تسبب فى تخفض عدد حفلات الزفاف التى تتم إقامتها هنا، الناس بتعمل أفراحها بالقرب من بيوتها لضيق الوقت ولأن الحظر يبدأ فى السابعة مساءً». وقال «مهنى»: «أطالب الإعلام بأن يكون محايداً ومنصفاً لمدينة العريش، وألا يصعد الأمور لكى تعود حركة السياحة إلى سيناء، كما أن رفع حظر التجول سيعيد الحركة لتصبح شبه طبيعية، وجو مدينة العريش آمن إلى حد كبير، وكل فنادق العريش والشاليهات خسرت وأغلقت ليس هذا الفندق فحسب، كما أن غلق معبر رفح ساهم فى زيادة معاناة الفنادق وخفض الإشغالات بها، لأن الفلسطينيين كانوا يقيمون فى العريش يوما أو يومين انتظاراً لدوره فى العبور، أما الآن فالمعبر مغلق تماماً».
قال المهندس عادل حسن محسن، مدير إدارة الإنتاج والشؤون الاقتصادية فى ديوان المحافظة، إن تأثر الأنشطة الاقتصادية فى المحافظة من العمليات الإرهابية التى شهدتها مؤخراً يفوق كثيراً آثار الحظر، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادى فى سيناء يتدهور منذ بداية حالة الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة 25 يناير 2011. وأضاف: «أكثر محافظة تضررت من الانفلات الأمنى هى محافظة شمال سيناء، والأضرار لحقت بأصحاب معظم الأنشطة التجارية والصناعية فى المحافظة».المزيد
قال عبدالله قنديل، رئيس الغرفة التجارية بشمال سيناء، إن حظر التجول المفروض على المحافظة أثر سلباً على مختلف الأنشطة التجارية، وأضاف أن الاقتصاد الرسمى الذى يقع فى نطاق اختصاص الغرفة التجارية بالمحافظة تضرر بنسبة تتخطى الـ50%، مشيراً إلى أن عزاء سكان شمال سيناء الوحيد أن الحظر الذى يعانون من آثاره ضرورة لحماية الأمن القومى لمصر، ما دفعهم للصبر فى انتظار انفراجة تمنى ألا تكون بعيدة.المزيد