«أبحث عن الأمل داخل المجتمع المحلى حين يبدو كل شىء دون أمل».. تؤمن «ميا جروندل»، الكاتبة والمصورة الصحفية السويدية بهذه المقولة وتطبقها فى أعمالها الإبداعية، فهى تبحث وبدأب عن الأمل والضوء حتى فى أكثر البيئات قسوة.. من فيتنام إلى الصين إلى غزة والكثير من مناطق الصراعات والكوارث الطبيعية التى غطت أخبارها وصورتها ونشرت عنها كتبا أو موضوعات صحفية أو صوراً. الأمل لدى «ميا» دائماً يرتبط بالناس الذين يرفضون اليأس والاستسلام، أولئك الذين يبذلون أنفسهم ويعطون الآخرين.. وحين تلتقى مثل هؤلاء الأشخاص تشعر بأن البشر جميعا كيان إنسانى واحد، لهم الحقوق نفسها والعزة والكرامة نفسها.
«جروندل» التى تعشق شمس مصر ونيلها والورد البلدى، كانت تبحث فى غزة عن أمل ولو ضئيل وسط الدمار الذى خلفه العدوان الإسرائيلى على القطاع، تماما كما بحثت عن الأمل داخل معظم الشخصيات التى صورتها فى كثير من أنحاء العالم وسط كوارث طبيعية وأزمات سياسية وصدامات. وتقول «ميا» إن أهم ما فى غزة والذى عكسته فى أحدث مؤلفاتها «جرافيتى غزة»، هو استمرار الأمل وعدم الاستسلام وكأن الجميع يقولون: «سنحارب من أجل حياتنا... سنناضل لأن هناك شيئاً نحيا من أجله.. حياة لنكملها وأطفالا لنرعاهم وعمرا لنعيشه». كانت تلك هى الرسالة التى قرأتها فى كل الرسوم على جدران غزة، حيث شباب الفنانين يعلنون أملهم وتمسكهم بالحياة ومواقفهم من خلال فنهم يقولون للجميع «نحن هنا».
ومن خلال عملها كمصورة صحفية ومدربة وكاتبة ومؤلفة جابت «جروندل» كثيراً من مناطق الصراعات فى العالم ومناطق الكوارث الطبيعية لم تحظ منطقة منها بما حظيت به القضية الفلسطينية، فكان من نصيبها عدة مؤلفات كتبتها الصحفية السويدية، من بينها كتاب بعنوان «عن اليأس والأمل» والذى تصدرته مقدمة للدكتورة حنان شعراوى حول تاريخ المخيمات الفلسطينية وأخرى بقلم بيتر هانسون، المسؤول عن منظمة الأونروا التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
وفى ذلك الكتاب أعلنت «ميا» أن العالم قد تأخر كثيراً فى رؤية اللاجئين الفلسطينيين كبشر حقيقيين لهم وجوه متعبة محملة بآلام الحياة فى الشتات وأمل العودة إلى الأرض. وترى فيهم سيدات شحبت وجوههن منذ خرجن من ديارهن قسراً ليعشن بعيداً عن الوطن فى بعض التجمعات، وأطفالاً ولدوا وعاشوا فى هذه الظروف القاسية يحلمون بأن يمارسوا ألعابهم البريئة ويتعلموا ثم يعودوا إلى بيوت لها جدران حقيقية كجزء من جدران الوطن الأكبر، وشيوخاًَ هرمت أجسادهم من الشقاء وطول العيش على هامش الحياة فى خيام تجسد البؤس والشقاء، ولكنهم رغم ذلك يحتفظون معها بمفاتيح بيوتهم القديمة التى هجروها مجبرين تحت وطأة ظلم الإنسان.
تروى «ميا» بالصور والكتابة خلال رحلة البحث عن الأمل فى غزة حكايات مؤثرة منها قصة ذلك الطفل الذى يعيش قرب الحدود المصرية الفلسطينية قرب بوابة صلاح الدين، نموذجا للتمسك بالحياة. فرغم إصابة مئات الأطفال بأزمات نفسية شديدة يجمع الأطباء على عدم إمكانية الشفاء منها، إلا أن تمسك ذلك الطفل بالحياة وحرصه على رعاية قطته «جمانة» جعلاه أقدر على تجاوز الألم والدمار. ففى منطقة استمر القصف فيها يوميا وطالت الثقوب كل جدران البيوت، عاش ذلك الطفل محاولا حماية قطته وإثناءها عن الخروج والحرص على إبقائها داخل المنزل. وتمكن من الحفاظ على اتزانه النفسى بفضل تلك القطة. كان حبه الذى منحه لها هو ما أبقاه سويا، خلق لنفسه عالما خاصا به يتمحور حوله ويتجاهل أو يتجاوز من خلاله الخطر المستمر. أرادت «ميا» التأكيد على أن بوسع الأطفال إبداع عوالم خاصة بهم مستخدمين خيالهم الخصب لتشكيل عالم ذهنى يعيشون فيه لتجاوز الأوقات الصعبة.
وفى كل كتاباتها وصورها تبحث «ميا» عن تلك العوالم الذهنية والفنية لتقديمها للعالم بجمالها الذى يخرج من عمق الألم والدمار، لتؤكد أن الحياة تستحق أن تعاش، وأن الإنسان يستحق حياة أفضل.