لم تكن زيارة الرئيس «باراك أوباما» للصين الشهر الماضى، مجرد زيارة دبلوماسية من رئيس الولايات المتحدة الدولة دائمة الانتقاد للنظام الصينى الذى لا يراعى حقوق الانسان، وبدلا من أن تحتل هذه الموضوعات قائمة جدول المباحثات كما كان يحدث دائما فى عهدى الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش، جاء الحديث عن العلاقات الاقتصادية والإجراءات التى يتخذها أوباما لرفع معدلات النمو الاقتصادى لدرجة أن وزير المالية الامريكى «تيم جينرف» أصدر بيانا يدعو فيه الصينيين للاستمرار فى شراء سندات الحكومة الامريكية وإلا تعرضت الولايات المتحدة لانهيار اقتصادى شديد، وربما كانت هذه الزيارة أكبر دليل على تغير ميزان القوى فى العالم.
فى هذه الأجواء أصدر الصحفى الاقتصادى «مارتن جاك» كتاب (When China Rules The World) عندما تحكم الصين العالم، ويحمل عنوانا فرعيا «انتهاء العالم الغربى وولادة النظام العالمى الجديد» والذى جمع فيه بين مؤشرات التقارير الاقتصادية ورؤيته ككاتب ومحاضر اقتصادى فى عدد من جامعات العالم لمؤشرات الازمة المالية العالمية والتى اعتبرها بداية انهيار نفوذ الولايات المتحدة سواء على المستوى الاقتصادى أو السياسى.
على مدار عقود ترأست الولايات المتحدة النظام العالمى وكانت تقوم بدور حارس البوابة، وفى هذه المرحلة كانت الصين تحتاج ان تكون جزءا من هذا النظام وتتجنب الدخول فى أى صراع يبعدها عن التركيز على النمو الاقتصادى، الا أن هذا الوضع بدأ يتغير فى نهاية القرن الماضى مع انفجار النمو الاقتصادى لدول مثل ماليزيا وكوريا وتايلاند الا انها ما لبثت أن تضاءلت أمام قوة الصين الهائلة والتى تتجلى فى قوة صادراتها، ومع ذلك تسعى الصين للوصول أبعد من هذا وتولى زمام الامور من الولايات المتحدة، كما تطمح فى تقديم نموذج مختلف للتنمية، خاصة أن الصين صاحبة حضارة قديمة تعود إلى 221 سنة قبل الميلاد كما أن الشعب الصينى رغم ضخامة عدده فإنه فى النهاية ينتمى إلى عرق واحد، وعلى الرغم من السلطة المطلقة للحزب الشيوعى الحاكم وما يتعرض له من انتقادات على الساحة الدولية فإن الشعب الصينى يعتبر الدولة حارسا على الحضارة الصينية وبالتالى تحظى الدولة بنوع من التقدير وهو ما يختلف تماما عن النظرة الامريكية لطبيعة هذا الدور.
وحسب «مارتن» فإن هذه العوامل ستجعل الصين لا تغزو العالم على المستوى الاقتصادى فقط لكن كذلك سياسيا وثقافيا، ويتوقع مارتن جاك أنه بحلول عام 2027 سيشهد العالم تغير ميزان القوى بالكامل لصالح الصين التى ستصبح لغتها «المندرين» ثانى لغة فى العالم، بينما ستكون العملة الصينية «وان» أهم عملة فى سوق الاقتصاد العالمى بجانب الاعتماد على الوصفات الطبية الصينية وثقافة الطعام الصينى.
أثار كتاب «عندما تحكم الصين العالم» ردود فعل واسعة على رأسها تأييد الحكومة الصينية لدرجة أن السفارة الصينية فى لندن نظمت ندوة عن الكتاب الذى سيترجم قريبا إلى اللغة الصينية، وعلى الجانب الاخر بدأت الانتقادات الغربية لأفكار مارتن جاك والتى لا تنكر بالطبع قوة الصين الاقتصادية الصاعدة بسرعة الصاروخ فى مقابل مشاكل الولايات المتحدة وعجز الموازنة البالغ حتى اليوم 1.4 تريليون دولار، الا ان الناقدين قالوا إن المؤلف لم يشر إلى بعض المشاكل التى يمكن ان تعترض طريق تقدم الصين مثل التوترات السياسية وانقلاب نظام الحكم أو انتشار الفساد فى المجتمع وأن هذه العوامل قد تجعل صعود الصين يسير فى نفس طريق دول اوروبا مثل انجلترا وفرنسا تحت زعامة الولايات المتحدة. فى المقابل رد الكاتب على هذه الانتقادات بأن العالم الغربى لا يستطيع فهم جوهر الحضارة الصينية والتى تسعى لتشكيل العالم وفقا لقائمة اولوياتها وقيمها الثقافية وأن هذه الانتقادات لا تمثل سوى حالة الانكار الامريكى لصعود الصين.
ويعد «مارتن جاك» واحدا من أكثر المعجبين بنموذج الدولة الصينية خاصة أنه ترأس منذ السبعينيات وحتى عام 1991 رئاسة تحرير جريدة «الماركسية اليوم» قبل ان يعمل ككاتب عمود فى صحيفة الجارديان البريطانية بجانب عمله كأستاذ زائر فى جامعة بكين والجامعة الوطنية فى سنغافورة.