اعتبر وزير خارجية السودان على كرتى، أن تشكيل اللجنة الثلاثية المكلفة بتقييم سد النهضة الإثيوبى من خبراء الدول الثلاث، يمثل تطورا كبيرا ساهم فى احتواء الجفوة والتوتر فى العلاقات بين مصر وإثيوبيا، مشيرا إلى أن الوفود المصرية السودانية تقيم مجمل القضية وستكشف إذا كانت ما تقوم به إثيوبيا هو مماطلة أو مجرد اختلاف فى وجهات النظر.
وأوضح الوزير السودانى، فى الجزء الثانى من حواره لـ«المصرى اليوم»، أن السودان يتعامل مع قضية سد النهضة من منطلق المصالح المشتركة، مشددا فى الوقت ذاته على أن القرار الوطنى السودانى لا مجاملة فيه لأحد، لكنه لن يكون متجاوزا للموقف المصرى.
وفيما يتعلق بالأزمة الليبية، أكد «كرتى»، ضرورة مشاركة كل الفرقاء الليبيين فى أى حوار يتم لإنهاء الأزمة، رافضا عزل أى فصيل من هذه الفصائل، موضحا أنه ليس من حق دول الجوار الليبى أن تصنف الفصائل الليبية بين معتدل وإرهابى، لأن ذلك من حق الشعب الليبى فقط، وفيما يلى نص الحلقة الثانية من الحوار:
■ ما آخر نتائج اللجنة الثلاثية لسد النهضة، وهل لديكم معلومات جديدة بشأنها؟
ـ أريد أن أؤكد أولا أن الاتفاق على تكوين اللجنة فى حد ذاته تطور كبير، ورغم أن اللجنة تكتنفها بعض الرؤى والاختلافات فى وجهات النظر حول الجوانب الفنية والمدى الزمنى لعملها، وقد يكون لمصر أحيانا موقف أو لإثيوبيا موقف أو السودان موقف مختلف من نقطة معينة، لكن كل هذا يخضع للتفاوض، وعموما اتفاقنا على ضرورة الاعتماد على الجوانب الفنية لتقييم السد يعتبر تقدما كبيرا، كما أننا تجاوزنا مراحل من الشكوك والظنون والتباعد ودخلنا فى مرحلة كيفية تقريب وجهات النظر.
■ لكن المؤشرات تؤكد أن إثيوبيا ستمضى فى بناء السد بغض النظر عن نتائج اللجنة الثلاثية، وأنها ربما اشتركت فى اللجنة حتى تكسب مزيدا من الوقت، بدليل أنها تشرع حاليا فى بناء السد دون توقف، ما ردك؟
ـ أرى أن هذا الطرح غير مناسب أيضا، لأن المناسب هو أن نرى حقيقة الأوضاع، وهل سيكون عمل اللجنة من أجل إغماض العين عن السد أم سيكون لصالح مراعاة هذه الملاحظات الفنية خلال بناء السد بشكل لا يشكل ضررا لأحد، وإطلاق مثل هذا الكلام غير مناسب، وقد يسىء إلى العلاقات بين الدول، كما أنه يعنى التشكيك فى قدراتنا على إدارة هذا الملف، وتشكيك فى وفودنا التى تقوم بالتفاوض، خاصة أن هذه الوفود ستأتينا بنتائج توضح إذا كان ما يجرى مماطلة أو أنه مجرد اختلاف فى وجهات النظر، وبالتالى يمكن أن يتم تقريب وجهات النظر، أما هذه النظرة إلى الآخر بأنه يريد أن يتربص بنا، وأنه سيتمكن من تحقيق أهدافه، فأرى فيه إحساس بالضعف، لا أحب أن نصف أنفسنا به، سواء فى السودان أو فى مصر، ولدينا خبراء وفنيون وعلينا أن ننتظر نتائج هذه اللجان.
■ تبنت السودان موقفا مؤيدا لسد النهضة مما تسبب فى انتقادات حادة فى مصر، لماذا هذا الموقف فى ظل ما حذر منه خبراء من أن السد يمثل تهديدا مباشرا للسودان، وقد يؤدى فى حال انهياره إلى إغراق الخرطوم مما يسبب كارثة للسودان؟
ـ هذا الكلام به عبث شديد، فهل هؤلاء أحرص على السودانيين من الحكومة السودانية؟، وعموما ترحيبنا ببناء سد النهضة لم يأت من فراغ، لكن جاء فى إطار تأكيد الحكومة المصرية أن من حق إثيوبيا أن تقيم السد، وكان هناك ترحيب مصرى بالفعل ببناء السد حينما أعلنت إثيوبيا أن قدرته التخزينية لن تتعدى 14 مليار متر مكعب، ولم يكن السودان الذى رحب بذلك، ولكن يبدو أن هناك أطرافا فى مصر تريد أن يكون السودان مصريا أكثر من مصر، وأن تكون السودان جزءا من القرار المصرى، وهذا شىء لابد أن نتجاوزه لأنه أصبح تاريخا، كما أن به إساءة للسودان، لأنها دولة ذات سيادة تقرر فى شأنها ما تريد، لكننا لم نتخذ قرارا يوما فيه تجاوز على مصر، ولابد أن يكون هذا فى الاعتبار وإلا سنرجع إلى ملفات لا نريد أن نفتحها، ونحن دولة استطاعت بجهدها أن تجمع بين مصر وإثيوبيا بعد طول جفوة وبعد تباعد خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان الطرفان لا يتحدثان إلى بعضهما البعض.
■ هل ترى أن هناك سلبيات كانت ستنعكس على مصر والسودان حال استمرار الجفوة مع إثيوبيا؟
ـ نعم، فالسودان لم يكن له مصلحة فى استمرار هذا التباعد، لأننا كنا متضررين أيضا من هذه الجفوة، ففى حال بناء السد دون مشورتنا هناك ضرر، وإذا تم بناؤه دون أن يكون لمصر والسودان اعتبار، فهناك ضرر أيضا، لذلك كانت هناك ضرورة للحوار، وأنا من اقترحت على وزير الخارجية الأسبق أن نجمع الطرفين فى السودان، ولم يكن الوزير يصدق أننا فى السودان سنتمكن من إقناع الطرفين بالحضور، حتى تمكنا من فعل ذلك، فهل لأننا لم نكن نتبنى الموقف المتشدد الذى تبناه الإعلام المصرى، يوجهون لنا الاتهامات، عموما نحن ننظر إلى هذه القضية على أنها قضية مصالح مشتركة، وننظر إلى قرارنا الوطنى وليس هناك أبدا مجاملة فى قرارنا الوطنى، لكن هذا القرار لن يكون متجاوزا للموقف المصرى بأى حال من الأحوال.
■ بعض الأطراف فى ليبيا، خاصة المجموعات المسلحة التابعة للواء خليفة حفتر، تتهم السودان صراحة بأنه يمول مجموعات وميليشيات مسلحة، فما حقيقة الأمر؟ وما الموقف السودانى مما يجرى فى ليبيا؟
ـ أريد أن أكمل لك الصورة، فقد صدرت أيضا تصريحات من الطرف المقابل، وبالتحديد مجموعات تابعة لـ«فجر ليبيا»، قالت فيها إن السودان يدعم خليفة حفتر، وأؤكد أن كل هذا الكلام مجرد أوهام، فنحن لا نمول أى طرف فى ليبيا سواء المجموعات المسلحة التابعة لـ«فجر ليبيا»، أو المجموعات التابعة لـ«خليفة حفتر»، فبعض هؤلاء الناس أحيانا تضيع منهم الرؤى، وكل منهم غارق فى مشكلته، ويشكو حتى من الريح التى تهب عليه، وأرجو أن يتجاوزوا هذه المسألة وسيعلموا أن السودان يعمل لمصلحة الجميع ولا ينحاز لطرف ضد طرف، ونحن دعونا بالصوت العالى إلى حوار الليبيين وإلى عودة الهدوء إلى ليبيا وإلى عودة ليبيا إلى سابق عهدها وإلى ما كانت عليه قبل تدهور الأمور، وموقف السودان واضح من الدعوة إلى الحوار خلال اجتماعات دول الجوار ولن يكون للسودان إطلاقا دور سلبى فى ليبيا، وسيكون دورنا فقط هو جمع الفرقاء الليبيين من أجل مصلحتهم، وليس من أجل أى شخص آخر، وصحيح أننا نتأذى من الانفلات الأمنى على حدودنا، لكن من ضمن ما نساعد به أنفسنا هو مساعدة الليبيين على التوصل إلى حل مما يسهم فى تلافى الانفلات الأمنى على الحدود.
■ ما الحل الأمثل للأزمة الليبية من وجهة نظرك، خاصة فى ظل وجود وجهات نظر متباينة، فهناك من يرى ضرورة جلوس كل الفصائل المتناحرة على طاولة المفاوضات، وهناك من يرفض مشاركة بعض الميليشيات المسلحة فى الحوار؟
ـ فى تقديرى أنه من الخطأ أن نصنف الليبيين، لأن تصنيف الليبيين ليس من شأننا، وأرى أنه من غير الحكمة لنا كدول جوار نسعى إلى حل الأزمة الليبية أن نصنف الليبيين، ولكن ذلك من اختصاص الليبيين أنفسهم، ولا أعتقد أن من مصلحة الليبيين أن يعزلوا فريقا من الشعب الليبى عن التفاوض، لأنه كل من يريد أن يتفاوض معناه أنه يريد الحل السلمى، ومن يريد الحل السلمى سيكون من شروطه نبذ العنف والالتزام بالديمقراطية وصناديق الانتخابات، وهذه أمور تأتى فى إطار التفاوض، أما أن ننبرى نحن من الخارج ونصنف طرفا بأنه إرهابى وآخر بأنه معتدل، فإن ذلك لن يكون مفيدا، وإذا أردنا نحن كدول جوار أن نساعد الليبيين فى الحوار فعلينا أن نسعى لأن يكون الحوار شاملا وألا يعزل أحد، وأنظر إلى قانون العزل السياسى الذى صدر وأدى إلى مشاكل لا حدود لها، حينما عزل رجال النظام السابق، وعموما سيكون أمام الجميع فرصة اللجوء إلى طاولة المفاوضات إذا كانوا يريدون السلام أما الذين يرفضون ذلك فسيكون من اليسير محاصرتهم لأن الشعب الليبى كله سيكون ضدهم.
■ فيما يخص الشأن السودانى الداخلى، تشهد الفترة الراهنة تحديات عديدة أمام حكومة السودان، كان آخرها توقيع المعارضة على ما يعرف بوثيقة «نداء السودان» التى وجهوا خلالها اتهامات للنظام الحاكم واتهموه بالتسبب فى معظم الأزمات التى تتعرض لها البلاد، كيف تتعاملون مع فصائل المعارضة، وهل ستؤدى هذه الوثيقة إلى فشل جهود الحوار الوطنى الذى دعا له الرئيس عمر البشير؟
ـ لا أعتقد أنها ستؤثر على الحوار الوطنى، هذه محطات صغيرة فى الطريق، وسنرى فقاعات كثيرة مثل هذه وقد تعودنا عليها، والذين وقّعوا على البيان ليس لديهم القدرة على إيقاف الحوار، بل أنا لم أسمع أن ذلك بديل عن الحوار وصحيح فيه ما فيه، لكنه لن يوقف عجلة الحوار الذى ذاع فى المجتمع ووصل إلى قيادات دينية وقبلية وثقافية، وهؤلاء السياسيون يمثلون نسبة ضئيلة جدا ولا يستطيعون أن يقولوا إنهم يمثلون الشعب السودانى، وصحيح أنهم رموز محترمة ومقدرة، لكن فئات الشعب السودانى موجودة وتقبلت الحوار وسيكون المستقبل للحوار بإذن الله.
■ لماذا طالبتم بعثة اليوناميد المنتشرة فى دارفور بالخروج من السودان خلال الأيام الماضية؟
ـ لم نطالبهم بالخروج، نحن طالبناهم بوضع استراتيجية للخروج فقط، لأن ذلك منصوص عليه فى قرار الأمم المتحدة الذى قرر نشرها فى السودان، كما نص عليها القرار الأخير الذى صدر منذ عدة أسابيع تحت رقم 2173 والذى أقر بضرورة النظر فى استراتيجية الخروج، وهذه الاستراتيجية هى قرار من مجلس الأمن، وما طالبنا به هو الإسراع فى الاتفاق على هذه الاستراتيجية، وليس هناك قرار بطردها من السودان، لأن الطرد معناه أن تخرج بدون ترتيبات وأن نحدد لها زمنا محددا للخروج، ونحن لم نفعل ذلك.
■ هل سيكون بمقدور الحكومة السودانية السيطرة الأمنية على هذه المنطقة الشاسعة فى ظل ما تشهده السودان من تحديات سواء فى الجنوب أو الشرق أو غرب البلاد؟
ـ إذا كنا نحن من يوفر الحماية لبعثة اليوناميد نفسها فكيف لا نستطيع أن نحمى المنطقة إذا خرجوا منها، بالتالى أؤكد أنه فى مقدورنا القيام بواجباتنا كدولة من ناحية الشرطة والأجهزة الأمنية، خاصة أن المواجهات السياسية انحسرت ولم يتبق سوى مواجهات قبلية ومن بعض الجهات المنفلتة، وبالتالى سيكون بمقدور الجيش السودانى والأجهزة الأمنية والشرطة أن تضبط الأمور.
■ هل هناك استراتيجية للخروج من الحصار الأمريكى الخانق والطويل للسودان، والذى تسبب فى أزمات اقتصادية كبيرة؟
ـ من ناحيتنا نحن فى السودان الاستراتيجية موجودة، لكن العزيمة تقتضى أن يكون هناك تفاعل من الطرفين، فلن يكون فى مقدورنا نحن أن نحل الخلاف إلا إذا كانت هناك رغبة من الطرف الآخر، وحتى الآن نفتح أبوابا للحوار، ونظل منفتحين أمام انشغالات الأمريكيين، وبتقديرنا أمريكا لم تعط موضوع السودان الأولوية الكافية حتى الآن، والأمل أن تؤدى تحركاتنا لدى كل الأطراف الأمريكية إلى فتح هذا الموضوع، لأنه بصراحة ليس مطلوبا من السودان شىء الآن، لأن كل ما توقعه الأمريكان تم تنفيذه سواء فيما يتعلق باتفاقية السلام مع الجنوب أو تنفيذها أو إجراء الاستفتاء أو الاعتراف بدولة جنوب السودان أو اتفاقية دارفور، وبالتالى ليس هنالك ما هو مطلوب، مما يمكن أن يعكر صفو العلاقات أو يضعنا فى خانة العقوبات.
■ هل تتوقع حدوث ذلك قريبا؟
ـ نأمل أن تتاح الفرصة للمسؤولين الأمريكيين قريبا للنظر فى هذه المظلمة، لأنها مظلمة طال أمدها وهى غير مبررة على الإطلاق.
■ هل لديكم إحصاء لحجم خسائر السودان نتيجة هذا الحصار؟
ـ أنا لست اقتصاديا، لكننا خسرنا كثيرا بسبب العقوبات الأمريكية، فإذا كنت لا تستطيع أن تحول أموالك أو تبيع وتشترى بحرية أو تحصل على تقنية معينة أو تحصل على المعدات التى بها قدر من الصناعة الأمريكية، كما أن دولا كثيرة جدا تصبح متخوفة من التعامل معك وبنوك وشركات عالمية توقفت عن التعامل معنا وضاعت علينا فرص كبيرة جدا للتنمية وإنتاج السلع، فالعقوبات مدمرة للاقتصاد وللحكومات والأفراد، وربما يكون الأفراد أكثر تأثرا بها من الحكومات، لأن الحكومات من الممكن أن تبحث عن بدائل، بينما الأكثر معاناة هم الأشخاص وهو ما لا يعلمه الأمريكان الذين يوقعون على هذه العقوبات ويفرضون الحصار الجائر.
■ فيما يتعلق بالمفاوضات التى تجرى مع الحركة الشعبية فرع الشمال، كانت هناك مطالبات للحركة بالحكم الذاتى وضم دارفور للمفاوضات الجارية حاليا مع وفد الحكومة، فكيف ستتعاملون مع هذه المطالب؟
ـ هذه أوهام ومحاولة لتوسيع رقعة الخلاف وجمع صف معارضة لم تجتمع على الإطلاق، والوسطاء رفضوا هذه المطالب ولم يقبلوا أن تناقش القضايا الوطنية العامة فى هذا الحوار المحدود، فأرادت الحركة أن يوسع رقعة ما يدعون أنهم يمثلونه وهذا مرفوض من ناحيتنا، وكذلك رفضته الجهات التى تقوم بالوساطة.
■ فيما يتعلق بتطورات الأمور على الحدود مع جنوب السودان والخلاف على منطقة أبيى، ما هى آخر التطورات؟
ـ الأمور متوقفة حاليا بين الجانبين بسبب المشاكل التى يعانى منها جنوب السودان، وإلى أن يتعافى جنوب السودان داخليا سيظل كثير من أمورنا معلقة سواء فيما يتعلق برسم الخطة الوهمية المتفق عليها بين الشمال والجنوب أو التبادل التجارى أو تنفيذ الاتفاقيات الأمنية أو حسم مصير منطقة «أبيى»، ودون إصلاح الأوضاع فى جنوب السودان فلن تكون هناك إمكانية لإنهاء هذه الموضوعات.
■ ذكرت بعض وسائل الإعلام أن الشيخ يوسف القرضاوى، سيصل إلى الخرطوم للمشاركة فى أحد المؤتمرات، ألا تخشون أن يؤدى ذلك إلى إثارة الجانب المصرى؟
ـ سمعت هذا الكلام أيضا فى بعض وسائل الإعلام السودانية، وتقصيت عن الموضوع فى الجهات المختصة فلم أجد دليلا على ذلك، وبالتالى لا أظن أنه سيأتى.
■ ماذا لو جاء، كيف ستتصرفون؟
ـ نظر الوزير مبتسما، وقال: كما قلت لك الشيخ يوسف القرضاوى لن يأتى إلى السودان.