فى مطلع الأسبوع الجارى ترددت أنباء عن احتجاز 1500 صياد مصرى بميناء زوارة الليبى. كانت قرية برج مغيزل بكفرالشيخ صاحبة نصيب الأسد من الصيادين المعتقلين. ورغم ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط من تصريحات نفى فيها حافظ معمر، مسؤول الغرفة الأمنية المشتركة فى ليبيا، خبر احتجاز الصيادين المصريين.إلا أن الخارجية المصرية أعلنت عن بدئها التحقيق فى قضية الصيادين المحتجزين لدى الجانب الليبى، خاصة بعد وقوع الميناء تحت حصار إحدى الجماعات الليبية المسلحة التى هددت بنسفه بعد إغلاقه والسيطرة على مخارجه البرية والبحرية.
«المصرى اليوم» زارت « برج مغيزل»، القرية التى لا يخلو بيت فيها من القلق على ابن أو زوج غائب فى السجون الليبية أو الإيطالية أو التونسية بعد تخطيه للحدود بحثًا عن الرزق.
التقينا بعض أهالى الصيادين المحتجزين فى ليبيا، الذين أبدوا غضبهم مما رأوه من عدم اهتمام الحكومة بمشكلتهم الأهم، متهمين الحكومة بالمسؤولية عن تخطى أبنائهم للحدود بحثا عن الرزق بعد أن أهملت الوزارات المسؤولة خطط تنمية الثروة السمكية، رغم أن الوزارات المعنية لديها- على حد قولهم- الكثير من الخطط التى تسكن الأدراج، والتى كان من الممكن عند تنفيذها أن تقيهم وأبناءهم شر المغامرة.
سعيد حسن يقول: «أخى الشحات ذهب منذ شهرين ونصف كعادته إلى ميناء زوارة للصيد، وعادة تتراوح فترة عمله فى الميناء الليبى من شهرين ونصف إلى ثلاثة أشهر، يعود بعدها محملا بالأسماك ويبقى هنا لمدة شهر واحد قبل أن يغادر للمياه الليبية مرة أخرى». ويضيف: «منذ 3 أيام اتصل بى صارخًا: شوفوا حد ينجدنا.. الميناء هينضرب وهنموت، ثم أغلق الخط ولم يعاود الاتصال مرة أخرى».
والدة الشحات تقول: «ابنى لايزال صغيرا على احتمال هذا العذاب فهو لم يكمل الـ24 عاما، إلا أنه محتجز حاليا مع زملائه فى مراكبهم بميناء زوارة، لكن الإرهابيين هناك يمنعونهم من التحرك بالمراكب أو حتى العودة برا إلى بلادهم.. نفسى أطمئن عليه، حتى أعرف بياكل ويشرب أم لا».
«ست الدار» تعيش حالة حزن تجعلها تتحدث بصعوبة، فأبناؤها الـثلاثة على متن أحد المراكب فى ميناء زوارة، ومعهم أربعة من أحفادها. وتقول: «أعيش فى حسرة ونفسى حد من المسؤولين ينجد ولادنا اللى هيضيعوا ببلاش».
حال «فاطمة»، التى توفى زوجها وترك لها أولادها أطفالا لتتحمل أعباءهم وحدها، أكثر سوءا، فلديها ابن محتجز فى «زوارة»، وآخر محتجز فى إيطاليا بتهمة تخطى الحدود الإقليمية. تقول «فاطمة»: «ابنى ياسر أحمد القاضى، أكمل 25 سنة لتوه، وقرر خوض تجربة الصيد فى ميناء زوارة لأول مرة، كان ياسر يعمل داخل الحدود المصرية لكنه زهق من التعب الكتير والسمك القليل، قال يجرب حظه مع زملائه بالصيد فى موانئ ليبيا». وتضيف: «ياسر سافر من شهرين ليعمل بالأجرة لدى أصحاب المراكب ويكون نفسه، لكنه اتصل بى هاتفيا من حوالى أسبوع وقال لى إحنا بنشوف الموت كل لحظة ولا عارفين نشتغل ولا عارفين نرجع، محتجزين فى المراكب دون معرفة مصيرنا».
وتتابع «فاطمة»: «أما ابنى سامح وهو الابن الأكبر كان يعمل أيضا صيادا بالأجرة إلا أنه يغيب عنى وعن بيته وابنه منذ حوالى سنة ونصف، فهو محتجز فى إيطاليا وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات بتهمة الصيد فى المياه الإقليمية الإيطالية دون تصريح».
الوضع تغير كثيرا عن ما قبل، على حد قول عم حسن، الذى يبلغ 68 عاما ويعمل بالصيد منذ كان فى الرابعة عشرة. ويقول «حسن»: زمان كان فى أمان فى كل مكان ولم أتعرض طوال ممارستى هذه المهنة لأى أذى حال سفرنا للصيد فى المياه الإقليمية الليبية أو غيرها، بجانب أن الأسماك كانت متوفرة فى بلدنا فلم نكن فى احتياج شديد للبحث عن رزقنا فى مكان آخر، لكن الله يكون فى عون جيل هذه الأيام، فأولادنا يبكون فى زوارة متمنين العودة، لكن فى حال تحركهم خطوة واحدة بالمراكب سيتم إطلاق النار عليهم من قبل الليبيين ويخسرون مراكبهم وأرواحهم».
بالقرب من بوغاز رشيد يوجد مقهى صغير يتجمع على كراسيه المتداعية عدد كبير من الصيادين الذين علت وجوههم هموم الانتظار والقلق، حديثهم يملؤه الغضب لما يرونه من تجاهل الدولة لأوضاعهم وما يعانيه أبناؤهم خلال ممارستهم لمهنة الصيد. ويقول رجل خمسينى يدعى محمد جلال: «أنجدوا ولادنا المحتجزين فى إيطاليا.. ابنى محكوم عليه بالسجن 6 سنوات وهو لم يكن يقصد تخطى المياه الإقليمية، المياه سحبتهم فتخطوا الحدود».
ويقول شريف القاضى، أحد الصيادين بميناء بوغاز رشيد, محافظة كفرالشيخ: «حزين جدا على ما نتعرض له من إهانة واستعباد لمجرد بحثنا عن لقمة العيش». شريف القاضى، الحاصل على دبلوم صنايع، سعى كثيرًا لترك مهنة الصيد والعمل بالتدريس، وعندما نجح فى مسعاه وجد أن راتبه لم يتخط 120 جنيها فقط شهريا، مما اضطره لترك حلمه والعودة للمخاطرة فى مهنة الصيد.يقول «القاضى»، 38 سنة: «واحنا فى البحر بنشوف الموت بأعيننا كل لحظة إما بسبب سوء الأحوال الجوية أو بسبب تخطينا للمياه الإقليمية». ويضيف: «بطلع البحر لمدة 25 يوما، فى الحقيقة مش عايز اتغرب برة بلدى.. لكن لا يوجد أمامى أنا وزملائى الصيادين سوى البحث عن الأسماك فى المياه الإقليمية لندرة أو عدم وجود الأسماك هنا».
أما عمرو نصار، أحد الصيادين، فخاض مخاطرة من نوع آخر عندما قرر العودة برا من ليبيا قبل بدء أزمة ميناء زوارة، حيث حاول هو وثلاثة من زملائه الصيادين إيجاد طريقة للعودة إلى مصر بعد احتجازهم فى ليبيا، فتعرضوا لما يسميه «مؤامرة» من السائق الليبى وبعض البلطجية الذين قاموا بالتعدى عليهم وسرقة هواتفهم المحمولة وما لديهم من أموال كانت حصيلة العمل لمدة ستة أشهر عندما قرر العودة برا، قبل أزمة ميناء زوارة الحالية، تعرض وزملاؤه الـ3 خلال سفرهم من إجدابيا إلى مساعد، لمؤامرة من قبل السائق الليبى وبعض البلطجية الليبيين وتمت سرقة هواتفهم المحمولة بجانب كل الأموال التى جلبوها خلال فترة عملهم لمدة 6 أشهر. ويقول «نصار»: «أعمل فى ليبيا منذ عام 2002، لكن بعد الترهيب الذى تعرضت له هذه المرة لن أعاود الذهاب إلى ليبيا مرة أخرى، ولكنى حتى الآن لا أعرف من أين أحضر قوت يومى ولكنها ستُفرج يوما ما».