x

مقاطع من الترجمة الجديدة للرواية

الثلاثاء 02-12-2014 22:09 | كتب: اخبار |
جورج أورويل جورج أورويل تصوير : آخرون

كانت وزارة الحب هى الوزارة المخيفة حقاً. لا نوافذ فيها بالمرة. لم تطأ قدما وينستون مقر وزارة الحب يوماً، ولا اقترب حتى قيد نصف الكيلومتر منها. كانت مكانًا يستحيل دخوله إلا لمن له شأن فيه، وذلك بعد اختراق متاهة من الأسلاك الشائكة والشراك والأبواب المعدنية ودشم البنادق الآلية المخفية. حتى الشوارع المؤدية إلى حواجزها الخارجية يجول فيها حراس بوجوه الغوريلات، فى ثياب رسمية سوداء، مسلحين بالهراوات.

■ ■ ■

ارتقت الكراهية إلى ذروتها. صوت جولدشتاين أصبح ثغاء الخروف، وللحظة تغير الوجه إلى وجه خروف. ثم ذاب وجه الخروف متحولاً إلى هيئة جندى أوراسى يبدو وكأنه يتقدم من الناس، عملاق ومرعب، وبندقيته الآلية تزأر، وكأنه سيقفز من الشاشة، حتى إن بعض الناس فى المقاعد الأمامية أجفلوا وتراجعوا فى مقاعدهم. لكن فى اللحظة ذاتها، تنهد الجميع فى ارتياح، إذ ذابت تلك الهيئة البشرية العدوانية متحولة إلى وجه الأخ الكبير، بشعره الأسود وشاربه الأسود زاخر بالقوة والهدوء السرمدى، كبير لدرجة أنه يملأ الشاشة كلها. لم يسمع أحد ما يقوله الأخ الكبير. كانت بضع كلمات تشجيع، من الكلمات المنطوقة فى قلب المعركة، لا تميزها الأذن مفردة بل تعيد الثقة للقلب مجتمعة لمجرد أنها تُنطق. ثم تحول وجه الأخ الكبير مرة أخرى، لتظهر بعده شعارات الحزب الثلاثة فى بنط أسود عريض:

الحرب سلام

الحرية استعباد

الجهل قوة

■ ■ ■

رأى نفسه فجأة يقف على عشب ربيعى قصير، ذات مساء صيفى، وأشعة الشمس المائلة تمسح على الأرض. كان المكان الذى ينظر إليه يتكرر فى أحلامه لدرجة أنه لا يمكنه أن يميز بشكل قاطع إن كان قد سبقت له رؤيته فى دنيا الواقع. كان يسميه فى يقظته «البلد الذهبى». هو مرعى قديم أكلت منه الأرانب، فيه ممشى للمارة يقطعه وتلال صغيرة هنا وهناك. ولدى السياج القديم على الطرف المقابل للمرج أشجار الدردار تتمايل فى هدوء مع النسيم، أوراقها تتحرك فى كتل كثيفة وكأنها شعر امرأة. وعلى مقربة، وإن كان بعيداً عن العين، هناك جدول رقراق بطىء الحركة، تسبح فيه أسماك الشبوط، تتمايل فوق مياهه أشجار الصفصاف.

كانت الفتاة ذات الشعر الداكن تقترب منه، من طرف المرعى المقابل. وبحركة واحدة نزعت عنها ثيابها وألقتها فى احتقار إلى جوارها. جسدها أبيض بضّ، لكن لا يثير فيه أى رغبة، يكاد لا ينظر إليه. الإحساس الغالب عليه كان الإعجاب بكيف رمت ثيابها عنها. الإعجاب بما يظهر من الحركة من تسام وعدم اكتراث وكأنها تبيد حضارة كاملة، نظاما كاملا من الأفكار، وكأن بالإمكان محو الأخ الكبير والحزب وشرطة الأفكار من الوجود بحركة رشيقة واحدة من الذراع. هى بدورها إيماءة تنتمى إلى زمن قديم. أفاق وينستون من نومه وعلى شفتيه كلمة «شكسبير».

■ ■ ■

لا يمكن لوينستون أن يذكر بشكل واضح متى لم يكن بلده فى حالة حرب، لكن من المؤكد أنه قد مرت فترة طويلة من السلم فى طفولته، لأن واحدة من ذكرياته المبكرة كانت لغارة جوية يبدو أنها أدهشت الجميع. لا يذكر الغارة نفسها، بل يذكر يد والده وهى تقبض على يده ويهرعان إلى الأسفل، للأسفل والأسفل، إلى مكان عميق فى الأرض، على سلم حلزونى يرن وقع قدميه عليه، حتى كلت قدماه وبدأ يشكو أن عليهما التوقف والتقاط الأنفاس. أمه، بأسلوبها البطىء كالحلم، كانت وراءهما بمسافة طويلة. كانت تحمل شقيقته الرضيعة، أو ربما كومة من البطانيات. لا يذكر يقيناً إن كانت شقيقته قد وُلدت حينها. أخيراً دخلوا إلى مكان صاخب مزدحم أدرك أنه محطة مترو.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية