أكيد أخينا ده يادوبك «بيفك الخط» أو أن الزمن رجع بينا لـ«فرج» فى فيلم «الكرنك»!
حين يستيقظ المصريون ذات صباح ليجدوا أن طالبا فى جامعة القاهرة تم القبض عليه ليس لأن بحوزته قنابل أو مولوتوڤ، لكن العجب العجاب: كانت بحوزته رواية «١٩٨٤» للكاتب الإنجليزى الشهير «جورج أورويل»، التى تعد ضمن أفضل ١٠٠ رواية فى القرن العشرين!
وبكل أسف، فإن الخبر تم نشره أيضا على صفحة فيسبوك الرسمية لجورج أورويل، حيث تتندر التعليقات بمصر التى ثار شعبها مرتين على رئيسين طلبا فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ليأتى من يتصرف بغشومية وغباء سياسى منقطع النظير ليشوِّه الدولة بنظريات أمنية «شمولية» عفى عليها الزمن منذ انهيار الحقبة «الستالينية» أو حقبة «الأخ الأكبر» فى الدول الشيوعية، والتى تروى عنها الرواية، المقررة أصلاً على طلاب كلية الآداب فى عدد من الجامعات فضلاً عن بعض مدارس اللغات! أوَلم يسمع هؤلاء عن اختراع الإنترنت! يا سادة، مستحيل أن تمارسوا الآن التضييق على الفكر وقمع حرية المعرفة وحق الاطلاع، ففى عصر الإنترنت أبشركم أن رواد فيسبوك وتويتر قاموا بنشر رواية أورويل «١٩٨٤» على صفحاتهم تضامنا مع الطالب! فشكرا لعبقرينو القبض على الطالب على حسن تعاونكم مع جورج أورويل!
لا أدرى ماذا أقول عن الجهل، والحماقة التى أعيت من يداويها، فهل يعلم هؤلاء «الأشاوس» الذين قبضوا على هذا الشاب «المثقف»، حجم الخدمة الجليلة التى قدموها على طبق من ذهب لأعداء الوطن وإعلام الجزيرة وأخواتها بهذا الخبر الفضيحة؟ هل يعلمون كمّ المعاناة والمجهود الذى بذله وفد مصر فى جنيف الأسبوع الماضى لتحسين صورة مصر فى مجال حقوق الإنسان باجتماعات الأمم المتحدة؟ هل يدرك هؤلاء كيف انتشرت هذه القصة المعيبة كالنار فى الهشيم لدى الفنانين العالميين فى أروقة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، والذى صادف افتتاحه ليلة القبض على الشاب بتهمة قراءة رواية لجورج أورويل؟!
وحتى لا يبدأ أنصار «وطنية» ومخبرو الصحافة والإعلام فى «مصمصة» الشفايف وإعلان الهجوم «التترى» والحرب «المغولية المقدسة» على شخصى المتواضع قائلين: «إنتى ما بتشوفيش الظباط اللى بيموتوا كل يوم؟ إحنا بنحارب الإرهاب!»، ويبدأون فى غرز أنياب «دراكيولا» فى رقبتى تارة بالتخوين وأخرى بالأخونة! سأكررها للمرة الألف بعد المليون: لاداعى للمزايدات هنا، فموقفى من الإخوان معروف منذ قضيتى الشهيرة ضد عصام العريان فى عز سطوة حكمهم عام ٢٠١٢، ومواقفى مع ٣٠ يونيو قلبا وقالبا، ونقدر تضحيات الشهداء من أبطال الجيش والشرطة، ونبكى عليهم دما، ونخرج على الفضائيات بالملابس السوداء، ويتمزق قلبنا حسرة على شهداء الوطن، ونقف حدادا على الهواء، ونستضيف أهالى الشهداء، ونحضر الجنازات، ونصرخ فى البرامج ضد المتاجرين بالدين، وندعم الجيش فى حربه ضد الإرهاب فى سيناء، وندعم الشرطة فى مطارداتها اليومية للبلطجية وحاملى الأسلحة وزارعى المتفجرات، وندعم السيسى ومحلب فى وقت صعب يجب أن نكون على قلب رجل واحد ضد أعداء الوطن، لكن أكيد أن «جورج أورويل» ليس من أعداء الوطن!
يا سادة، استقيموا يرحمكم الله.. فمصر التى فى خاطرى ليست «مزرعة الحيوان» أو بلد «الأخ الأكبر»، كما كان جورج أورويل يكتب، إنها وطن «نوبل»، محفوظ، وزويل.. ومسرح يوسف بك وهبى، بلد يبصر فيها عميد الأدب العربى طه حسين بالعلم والمعرفة.. وتتوالد فيها عبقريات العقاد نورا وثقافة.. وتتغنى أم كلثوم بحبها فتجمع أموال المجهود الحربى.
وأخيرا.. الشباب.. لا تعادوا شباب مصر.. كفاكم إحباطاً وتخويناً وتشويهاً فى المستقبل.. امتصوا غضبهم وحماسهم فى حب مصر بالإقناع.. لا تتركوهم فريسة الإحباط والتخوين والوجوه القديمة لتنهش فى عقولهم وسمعتهم.. شباب مصر طاقة نور لمن يفهمها، ويحسن توجيهها.. وطاقة نار وعناد وصلابة لمن يحتقرهم ويقمعهم.. المفتاح فى الحوار، والحل فى المشاركة والتعددية.. وفى وقت ينتشر فيه التحرش والإدمان والإلحاد، من المفروض أن نفرح حينما نجد شابا جادا يقرأ رواية عالمية.. ونشجع العلم والمعرفة.. ففى البدء كانت الكلمة.. وأول كلمة نزلت فى القرآن الكريم كانت «اقرأ».. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.