إذا كنت من هواة النوستالجيا، بعيدة المدى كانت أو قريبة، لا تذهب إلى «سان سيرو»، أو «جيوزيبي مياتزا»، إذا كنت ممن يعرفونه بهذا الاسم، مساء الأحد.
صحيح أنك إذا ذهبت، ستجد الألوان الكلاسيكية كما هي، «الدخلات» الساحرة بالأزرق والأسود لـ«بويز سان» في مدرج إنتر الشمالي، والبركان الأحمر لشياطين الميلان، خلف المرمى الأيمن، ربما تصادف في طريقك، وجوهًا مألوفة تكسوها الشيخوخة، لـ«بيرلسكوني» و«جالياني»، بجيوب خاوية، لا تملك إلا تسول نسخة عاجزة من فيرناندو توريس من تشيلسي ورومان ابراموفيتش، لحمل قميص بالرقم تسعة، جلبت به كل الألقاب أسماء كـ«فان باستن»، «جورج وايا»، ومدرب الفريق «لأسباب اقتصادية ايضًا»، فيليبو إنزاجي، وربما تقع عيناك على ماسيمو موراتي في مقاعد المتفرجين، في أول ديربي بصفة المشجع، بعد أن ترك مقعد أبيه، أنجيلو، في رئاسة «النيراتزوري»، لرجل من إندونيسيا، يدعى ايريك توهير، لا يملك شيئًا يتعلق بكرة القدم، سوى المال.
لكنك، بالتأكيد، لن تجد أغلى صفقة انتقال للاعب على الأرض الملعب كـ«لينتيني»، «رونالدو» أو كريستيان فييري، في زمن يتنافس فيه قطبا ميلانو، اللذان يقتسمان فيما بينهما ستة وثلاثين لقبًا للدوري، وعشرة كؤوس لدوري أبطال أوروبا، على اللاعبين المستبعدين من قوائم أندية «الأثرياء الجدد» كباريس سان جيرمان، ومانشستر سيتي.
لم يبق من «ديربي الغضب» سوى الأجواء الجماهيرية، والكثير من ذكريات ما كان لسنوات اللقاء الأشهر، وأفخم ما يمكن تقديمه في كرة القدم العالمية، الديربي الذي أصبح يفتقر، ربما للمرة الأولى لقصة تحكي، بعد ماضٍ بعيد في الستينيات، بلغ فيها الصراع بين ساحر ميلان، جياني ريفيرا، وهداف إنتر، ساندرو ماتزولا، حدودًا استحال عندها الجمع بينهما في تشكيلة واحدة لمنتخب إيطاليا، إلى حد أنهما تقاسما المشاركة في شوطي مباريات مونديال المكسيك 1970، مرورًا بالديربي المصغر، أواخر الثمانينيات، الذي تفوق فيه ثلاثي ميلان القادم من هولندا، «رايكارد- خوليت- فان باستن»، على الثلاثي الألماني بالأزرق والأسود، المكون من «ماتيوس-بريمه-كلينسمان»، ديربي الغضب، الذي هدأ غضبه بعد أن غادر البريق في عيون تشاهد قرعة بداية المباراة بين قائدين، بحجم خافيير زانيتي وباولو مالديني، بعد أن اختفت صفافير الاستهجان على من بدّلوا القمصان ليذهبوا إلى الجانب الآخر، ويسجلوا أهدافًا في ظهورهم الأول بألوان الجار، كإبراهيموفيتش، وبطل طفولته، «الظاهرة» رونالدو، دون حتى مجانين من نوعية «جاتوزو» و«ماتيراتزي»، ينقلون هيستيريا المدرجات إلى عشب الملعب.
الديربي الذي صنعت فيه أسماء، كالهداف التاريخي، اندري شيفشنكو، كلارنس سيدورف، ديان ستانكوفيتش، ودييجو ميليتو، أسطورتهم كملوك لإقليم اللومبارديا، ولو لليلة واحدة، أصبح مجرد مباراة بين فريقين بلا نجوم، لا يطمحان لأكثر من العودة لدوري الأبطال، من بوابة المركز الثالث في دوري إيطاليا، الذي تعصف به الأزمات المالية والعنصرية، عنوانها الأبرز عودة روبرتو مانشيني، الذي لا يمت بصلة للإنتر، لتدريب الفريق الذي تركه ليتوج ملكًا على أوروبا، قبل أربع سنوات، تحت قيادة خليفته، آخر مثيري الجدل الذين جلسوا على دكة الديربي، جوزيه مورينيو، فيما يبدو أنه كان آخر الاحتفالات الصاخبة في ساحة «الدومو»، لأي من لوني المدينة، التي تحتفظ بشغفها كما هو رغم كل شيء تغير حولها، في انتظار عودة مباراة يقول عنها دييجو ميليتو: «يقولون إنني تركت علامة في الديربي، لكن الديربي هو من ترك علامة بي».