أرسل المحاسب طارق جبريل، نجل الفريق رفعت جبريل، الرسالة التاليةإلى الجريدة؛ تعقيباً على حوار «المصرى اليوم» مع والده
السيد رئيس تحرير «المصرى اليوم»
تحية طيبة وبعد
«أثمِّن لكم، بالأصالة عن نفسى وبالنيابة عن شقيقتى سحر جبريل وأولادنا وأعمامى وكل أفراد العائلة مبادرتكم الجريئة بنشر حوار والدى ــ رحمة الله عليه ــ الفريق رفعت جبريل مع الأستاذ محمد السيد صالح، مدير التحرير، وأؤكد لكم أنه لو تم نشر تفاصيل عمليات أبى وبطولاته مع زملائه وتلاميذه لاحتاج مائة حلقة.. وأعبر عن امتنانى لجريدتكم الجريئة.. وأعلم حرصكم الدائم على نشر الحقائق وسير العظماء فى جميع المجالات.. وفى هذا الإطار لى عدد من الملاحظات والتعليقات على ما جاء على لسان والدى ونشرت فى الحلقات.
أولاً: رأفت الهجان
أبدأ بالتعليق على «رأفت الهجان» أو رفعت الجمال وهو اسمه الأصلى. وضح أن من واقع الخبرات والواقع العملى صعوبة استمرار عميل أو جاسوس فى بلد العدو وتدفق العمل والمعلومات لأكثر من 4 سنوات، وإلا كانت النتيجة إما القبض عليه أو الضغط عليه للعمل عميلاً مزدوجاً، أو استبداله وإنهاء عمله والتوقف تماماً، وهو ما حدث مع رفعت الجمال الذى عمل بجد لعدة سنوات ثم توقف نشاطه، وأرى أنها عملية ناجحة فى كل الأحوال قام بالإشراف عليها السيد محمد نسيم باقتدار، وبالنسبة للمسلسل الذى تناول سيرته فقد تمت المبالغة فيها لشد الجمهور ولزوم الحبكة الدرامية.
ثانيا: مصطفى أمين
لقد تم القبض عليه متلبساً مسجلاً له صوتاً وصورة، بالاجتماع مع ضابط مخابرات أمريكى عدة مرات واستبدل عليه ضابطان بالمخابرات الأمريكية خلال فترة التعاون معهم، وكان يحضر هذه الاجتماعات فى إحدى العمارات بالزمالك بعد أن يقوم بعمل احتياطات أمنية وخداعية تدرب عليها لتضليل أى مراقبات محتملة، كما أنه قام بتوصيل معلومات اقتصادية خطيرة جداً علم بها من خلال علاقاته الكبيرة وقربه من صناع القرار فى مصر، وكان أهمها عدم توفر احتياطى استراتيجى للقمح فى مصر، وأن وقف البواخر الأمريكية المحملة فى هذا الوقت بالذات سيضع جمال عبدالناصر فى موقف خطير وسيرضخ «وسيضع أنفه فى الأرض» كما كان تعبير مصطفى أمين فى التسجيلات، وهذا ما حدث بالفعل لولا إخطار جمال عبدالناصر بهذا وتعاون إحدى الدول الصديقة فى هذا الوقت بتحويل مراكبها إلى مصر.
ولقد دافع فى أول الأمر عن نفسه بأن الاتصال مع الأمريكان كان بتعليمات من الرئيس جمال عبدالناصر شخصياً، وهو ما نفاه عبدالناصر تماماً، وحكم عليه بـ15 عاماً، وخرج بعد ذلك فى عهد أنور السادات وقد حكى حكايات عن تعذيبه.
وهذا لا يعارض أبداً أنه من أعظم الكتاب وأحد أقطاب الصحافة فى مصر وأخطأ ربما لقناعته بأن جمال عبدالناصر غير مؤهل لحكم مصر ويجب ردعه.. ربما؟
وأأسف وأعتذر لكل من أحبه أو تربطه به علاقة قريبة، ولكن هذا تاريخ يجب ألا يتجمل؟ ويرحمه الله وندعو بتقبل توبته.
ثالثا: هبة سليم
العملية الكبرى التى مهدت وحمت نصر أكتوبر 73 هى عملية اكتشاف الجاسوسة هبة سليم والجاسوس العقيد فاروق الفقى، والقبض عليهما قبل عبور أكتوبر 73 بأربعة أشهر فقط.
فهل لك أن تتخيل أن جاسوساً إسرائيلياً يعرف بل يتيقن من قرار العبور قبل موعده بيوم كامل، فهو أحد القلائل الذين يجب معرفتهم بموعد الحرب على مستوى قيادات الجيش بحكم مركزه ومسؤوليته وليس بحكم أقدميته.
وكما هو معروف أن انتصار 73 والاكتساح فى العبور دون خسائر تذكر بل وصلت إلى أقل من 5٪ من توقعات القيادة، وكان هذا بسبب عنصر المفاجأة وحماية القرار والموعد من أى اختراق، فتخيل أن إسرائيل تعرف الخطة ولحظة تنفيذها فى حالة عدم كشف هذه القضية؟ نتائج باهظة الثمن على الجيش وعلى مصر لا يعرفها إلا الله.
وكذلك عملية التنصت على اجتماعات الموساد فى أوروبا وكيف كانت عملية الخداع التى استفادت منها مصر للتمهيد لنصر أكتوبر، وكيف استفاد بها أنور السادات بمكره ودهائه.
بعد هذه القضايا وعمليتى التنصت وهبة سليم وفاروق الفقى استحق والدى وسام الاستحقاق من الدولة، واستحقت المخابرات العامة الشكر والتقدير من الرئيس أنور الساادت حين قال فى أحد اجتماعات مجلس الشعب بمناسبة احتفالات 6 أكتوبر بعد ذلك «إنه لولا المخابرات العامة المصرية لما كنا نحتفل الآن بهذا النصر».
أنتقل إلى نقطة أخرى، وهى رأى والدى فى عدد من أشهر الشخصيات التى عرفها بحكم عمله فى جهاز المخابرات:
■ صفوت الشريف
عمل تحت قيادة والدى فى الستينيات، وكان ذكياً منظماً مجتهداً وظلم كثيراً فيما قيل عنه خلال عمله بالمخابرات، ولكن كان والدى يرى أن عمله لفترة طويلة فى زمن مبارك الذى شابه الفساد، غيّر من صفوت الشريف وبدا رجلاً آخر.
■ عبدالسلام المحجوب
رجل محترم شارك فى عمليات مخابراتية ناجحة فى العصر الذهبى، وكان محافظاً ناجحاً جداً وظل صديقاً لوالدى حتى وفاته وإن كانت مقابلاتهما قليلة.
■ جمال عبدالناصر
ثورى قوى الشخصية، ونزيه ووطنى من الدرجة الأولى عمل كثيراً لمصر وأنجز مشاريع عظيمة، ولكن كان يعتمد على آراء المقربين منه ويسمع كثيراً منهم، وقراره سريع وعنيف دون الإنصات إلى المحترفين، وخانه الصواب فى أمور سياسية كانت نتائجها محبطة للمصريين، ورغم ذلك لقى حباً منهم يفوق أى رئيس، واعتبر الزعيم الأول لمصر.
■ أنور السادات
رغم بعض الأخطاء، كأى زعيم، وإن كانت نتائجها أفقدته حياته فهو فى رأى والدى أعظم من حكم مصر بعد محمد على.
■ حسنى مبارك
موظف بدرجة رئيس جمهورية، له ما له وعليه ما عليه، ولكن أهمل كثيراً فى حق المواطن البسيط وفى حق الشباب، ووضع مصر فى «فريزر» جمدها سنوات طويلة.
■ الجماعات الإسلامية
غير إسلامية على الإطلاق فالقوة وشهوة السلطة وحب التحكم فى عباد الله هى هدفهم الوحيد، وليس الارتقاء بالمسلمين، ورفع شأن الإسلام كما هو معلن منهم كذباً وزوراً.
■ جهاز المخابرات العامة
كان يحبه كأحد أبنائه الذى نشأ على يديه مع مجموعة زملاء من أكفأ الرجال والذى قضى فيه عمراً طويلاً وعاش مع قضاياه وهمومه أكثر ما عاش فى بيته، وكان يعتز بزملائه ويفخر بتلاميذه وأولاده فى هذا المكان الذى حمى مصر ومازال بأجيال عظيمة كما كان يقول دائماً.
■ صلاح نصر
كرئيس للمخابرات ورجل قيادة هو عظيم، أما حياته الشخصية فرأى والدى أنه ظلم كثيراً والذى يحاسبه فى تصرفاته الشخصية هو الله.
■ لقب الفريق
لقب الفريق أو الفريق أول هو لقب عسكرى للعاملين فى القوات المسلحة، ولكن هذا اللقب اكتسبه طبقاً للائحة بالجهاز مقابل مركزه ولقبه داخل جهاز المخابرات العامة، ومع تقديره لهذا اللقب واعتزاره بخدمته فى الجيش الذى كان حلمه منذ الطفولة فقد كان لقبه فى الجهاز وقيادته لهيئة الأمن القومى هو الأعز والأكثر فخراً به.
■ زملاؤه وتلاميذه فى الجهاز
يعتز كثيراً بتلاميذه والأجيال الجديدة، وكان يقول دائماً: سيظل هذا الجهاز عظيماً بأولاده وتاريخه، هو مجرد بداية وركيزة تنطلق منها الأجيال.. فلقد كان منحازاً دائماً لزملائه وتلاميذه.
■ الحياة العائلية لـ«الثعلب»
كان والدى، يرحمه الله، أباً كريماً حنوناً لأقصى درجة دون أن يظهر عليه وعلى كلامه أو تعبيراته، ولكن كل تصرفاته تدل على ذلك، هادئ رزين قليل الكلام، ذكى لماح قوى الذاكرة، والصفة التى كانت واضحة والتى لاقت حب الناس هى تواضعه الشديد وتعاملاته وعطاؤه وخدمته للناس فلم يطرق بابه أحد إلا ولبى طلبه، فقد كان يقول لى دائماً ناصحاً «تواضع لله، ومع البسطاء كن أبسط منهم، ومع المتعالين يكون رأسك فوق الجميع».
أمى عاشت معه 45 عاماً تحملت الكثير، ومرت عليها أيام عصيبة، خاصة فى مهامه الخارجية، والتى تعرف جيداً مدى خطورتها دون أن تعرف أى تفاصيل، بل لا تعرف أى بلد بالضبط ذهب إليه، وكانت سنداً له طوال حياتها.
عائلة والدى كبيرة وعريقة فى البحيرة مركز كوم حمادة، من قرية صغيرة اسمها شبرا أوسيم، أحبها كثيراً، ورغم مشاغله ومسؤولياته الضخمة كان لا يبعد عنها أبداً وعن أهله وإخوته وأهل بلدته.
أما عائلته المتمثلة فى أهل بيته، فانحصرت فى أمى الحبيبة وأختى الصغيرة وزوجها الذى أعتبره أخاً المهندس طارق عبدالحكم وأولادهما، إيمان وعمر ومحمد.
أما أنا فأفتخر كثيراً وبلا حدود بأن أكون ابناً لرجل عظيم عاش جندياً مجهولاً أفنى حياته كلها دون أى مقابل مادى، أو استفادة بغير وجه حق، والمقابل الوحيد الذى كان سعيداً به هو نجاحه وخدمته لبلده، وحب الناس، وأنا أعمل مديراً عاماً لإحدى الشركات العالمية فى مصر، وزوجتى العزيزة سحر الروينى مدبرة وشريكة حياتى وأم لأولادى سلمى خريجة سياسة واقتصاد تعمل بوزارة التعاون الدولى، وسارة خريجة فنون فى الجامعة الألمانية، وأحمد بالجامعة الأمريكية. وأنا متأكد بإذن الله من تكريم الله له برحمته، فقد أعطى الكثير لأولاده ولأهله ولمصر دون أن يطلب شيئاً بل رفض كثيراً من المغريات وتعفف كثيراً وعلى مر سنوات طويلة، فبعدله سبحانه وتعالى سيجزى كل خير. وأنا وأحفاده يكفينا حب الناس له وتقديرهم خاصة بعد مبادرة «المصرى اليوم» ونشر حواره الذى لو نشر بتفاصيله لاحتاج مائة حلقة، وشكرى وامتنانى للجريدة الجريئة صاحبة المبادرات دائماً».