مـن أمام مدينة الطلبة للبعوث الإسلامية التابعة لجامعة الأزهر، وقف عبدالرشيد موسى، الطالب النيجيرى بكلية اللغات والترجمة، أمام باب المدينة التي يقيم فيها منذ عامين بعد أن حصل على منحة الأزهر للدراسة، معبّراً عن امتنانه للمكان الذي منحه العمل والدعم المادى والمعنوى للحصول على شهادة ودرجة علمية تقدرها دولته.
لم يكن يعانى عبدالرشيد من أي عوائق في دراسته، وإن كان يشوبه بعض التخوف من انتشار عدوى المرض القاتل الذي يعرف مدى خطورته جراء الحالات المصابة والمتوفاة في دولته.
كان يعتقد أن خروجه خارج حدود بلده سبب كافٍ لحمايته من الإصابة بالعدوى، لكنه فوجئ بكونه واحداً ضمن مئات الطلبة الوافدين من دول مصابة بالعدوى، والتى ربما صدّرت لمصر واحداً يحمل الإصابة.
ويؤكد أن الأزمة في التعامل مع هؤلاء هي أن الطلبة جميعاً يخضعون لنفس الفحوصات الطبية التقليدية لبدء الدراسة، وهى بعض تحليلات الدم التي تجرى في مستشفى البعوث للطلبة المجاور للمدينة، والذى لم يتغير هذا العام ولم يتطور رغم احتمالية نقل الإصابة بالمرض.
وقال: «لم أشعر بأى اختلاف بين فحصوصات العام الماضى والسابق، وهو ما فتح لدىَّ مجالاً للشك بأن يكون بيننا حامل للعدوى، ونظراً لأهمية البعثة لن يقر أي طالب يعلم إصابته بالمرض بأنه حامل للعدوى، خوفاً من ضياع تلك الفرصة المميزة منه».
كانت شكوى الطالب النيجيرى مبرراً قوياً لمبادرة قطاع المعاهد الأزهرية، التي ناشد فيها مؤخراً رئيس القطاع إنشاء حجر صحى يتولى الكشف عن المرضى الجدد، خاصة القادمين من دول حاملة للعدوى.
حال عبدالرشيد لم يكن يختلف عن حال مئات الطلبة المغتربين، فمن دولة بنين الأفريقية جاء عبدالرفيع عبدالرشيد ليحصل على شهادة كلية أصول الدين، والذى استنكر تدنى مستوى الخدمة الطبية المقدمة للطلبة في مستشفى البعوث، والتى تبدأ بالتحاليل التقليدية لفحص الوافدين، وحتى التعامل مع الحالات الطارئة بين الطلبة الذين يحملهم موظفو أمن المدينة الجامعية في منتصف الليل أحياناً للمستشفى، ولا يجدون من يسعفهم، فيضطر الطالب للذهاب لمستشفى خاص للعلاج على نفقته.
وفى أقصى رعاية طبية قد يقدمها المستشفى للطلبة يتم فيها- حسبما يروى- صرف العلاج للمريض دون متابعة مدى تطور حالته، واستجابتها للعلاج من عدمه، رغم احتمالية إصابته بمرض معد، حتى لو كان أنفلونزا عادية في غرف يتقاسمها أحياناً ثلاثة طلاب.
الشعور بالخوف من التعامل مع أحد الطلبة الحاملين للعدوى خاصة في أماكن تجمعات الطلبة شكَّل حالة من الهاجس لدى فاطمة إنسانى، الطالبة الإندونيسية.
وقالت: «رغم انتشار عدوى المرض القاتل وقبول طلبة من الدولة المصابة بالفيروس، إلا أننا لم نتلق أي حملات للتوعية بأعراض المرض، أو كيفية تجنب الإصابة به، كما أن إجراءات تنظيف وتعقيم حجرات المدنية مازالت هي نفسها الروتينية، دون أن يجدَّ عليها أي معايير وقاية جديدة».
هذا الأمر دفع سيد عبداللطيف، عميد المعهد، للتأكيد على مناشدة قطاع المعاهد وزارة الصحة تخصيص غرفة وإخصائيين يمكنهم الكشف على الطلبة واكتشاف أعراض الإصابة بينهم.
وقال: «نحن نعيش مع الطلبة في المعهد أكثر من العيش مع أهالينا في المنازل، وليس بالطبع لدى أحد منا أي خبرة لاكتشاف الحالات المصابة، وبالتالى فإن مناشدة الصحة هي مناشدة من أجل صالح عام، وليس شخصياً، وبالتالى لا مجال لتأجيل الاستجابة له».
كان يتوقع عميد المعهد أن تدق وزارة الصحة ناقوس الخطر مع بداية العام الدراسى بنشر الوعى والإرشادات بنفس الكثافة التي اتبعتها الوزارة مع عدوى أنفلونزا الخنازير بأن أرسلت لنا كمامات ولوحات إرشادية، لكن على النقيض تماماً لم تبال الوزارة بخطر «إيبولا»، على الرغم من أن أنفلونزا الخنازير كان لها علاج مقاوم، أما «إيبولا» فمازال العالم عاجزاً عن التصدى له.
ومن داخل المدينة الجامعية التي تضم بين جدرانها 3200 طالب وطالبة أكد حسين عبدالغفور، رئيس الإدارة المركزية للشؤون المالية والإدارية، أن الطلبة يخضعون في بداية الدراسة للفحص الطبى في مستشفيات الحسين والزهراء والبعوث وسيد جلال، لبيان ما بهم من أمراض معدية، «ولا نسمح بقبوله لأخذ المنحة إلا بعد إيفاء التحاليل بسلامته، لكنه يظل معنا في المدينة حتى بيان نتيجة التحاليل، فهم في الأول والآخر طلبة مغتربون لا مأوى لهم.. ومفيش باليد حيلة».
وعن مستوى التعقيم وإجراءات الوقاية داخل الحجرات، قال: «يقوم كل طالب بتنظيف حجرته لتجنب الدخول في مجادلات مع العمال في حالة فقدان أي شىء، ويحضر الطالب المنظفات التي يرغب فيها، وإذا ما احتاج منا أي شىء لا نتأخر عنه، كما أننا لا نتأخر عن رعايتهم الصحية في حالة ظهور أي أعراض مرضية، وإذا ما ثبت لنا خطورة حالته نتوجه به لمستشفيات ومعامل خارجية، حتى يتماثل للشفاء».
من جانبه أكد الشيخ جعفر عبدالله، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، أنه توجه بمخاطبة رسمية لوزارة الصحة لإنشاء حجر صحى سواء في معاهد البعوث الإسلامية أو في مدينة الطلبة التي تعمل دون وجود حتى زائر صحى، وذلك لمراقبة حالة الطلبة الوافدين جميعهم من الخارج، خاصة الدول الأفريقية، التي ظهرت بها عدوى فيروس إيبولا القاتل، الأمر الذي يمثل خطراً شديداً على الطلبة، والعاملين في القطاع، بل ومستقبل البلد بأكمله.
وأكد أن القطاع يقبل الطلبة الوافدين المستوفين شروط منحة الأزهر الشريف، ويسمح لهم بالانتظام في الدراسة، بل يمنحهم معونة شهرية لكنه لا يمنع الطلبة من زيارة ذويهم والعودة إلى بلادهم في فترات الإجازات، على أن يعودوا للدراسة مرة أخرى، وهو الأمر الذي يهدد في كل مرة بأن يعود أحدهم حاملاً للمرض أو العدوى، مشيراً إلى أن المعاهد تضم على سبيل المثال قرابة 700 طالب من دولة نيجيريا وحدها، فضلاً عن طلبة باقى الدول، منهم طلبة جدد، قد يبدأون معنا الدراسة منذ المرحلة الإعدادية وحتى الجامعة، حسب مستوى كل طالب في اختبارات تحديد المستوى، ورغم أنهم يخضعون جميعهم للكشف الطبى قبل بدء الدراسة، إلا أن هذا الكشف لا يُوقع سوى مرة واحدة في بداية العام الدراسى.
وأعرب عن استعداد القطاع لتوفير الأماكن المناسبة بالمساحة والإمكانيات التي تطلبها وزارة الصحة لإنشاء الحجر أو العيادات الطبية.