x

قصة رابعة العدوية.. «أم الخير»

السبت 16-08-2014 05:02 | كتب: بسام رمضان |
رابعة العدوية (صورة تخيلية) رابعة العدوية (صورة تخيلية) تصوير : other

سمي ميدان رابعة العدوية على اسم المسجد الذي يطل عليه والمعروف بـ«مسجد رابعة العدوية» نسبة للزاهدة المتصوفة «أم الخير»، رابعة العدوية التي عاشت في القرن الثاني الهجري واشتهرت بالصلاح والورع والعبادة.

وهي رابعة بنت إسماعيل العدوي، ولدت في مدينة البصرة، ويرجح مولدها حوالي عام 100هـ، 717م، من أب عابد فقير، وهي ابنته الرابعة وهذا يفسر سبب تسميتها «رابعة».

وذكر المؤرخ الصوفي فريد الدين العطار، في كتابه «تذكرة الأولياء»: «روى أبوها (والد رابعة): أنه رأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: { لا تحزن؛ فهذه الوليدة سيدة جليلة }، ثم جاء من بعدها الرزق الوافر، ثم ما لبث أن توفي والدها وهي طفلة دون العاشرة ولم تلبث الأم أن لحقت به، لتجد رابعة وأخواتها أنفسهن بلا عائل يُعينهن على الفقر والجوع والهزال، فذاقت رابعة مرارة اليتم الكامل دون أن يترك والداها من أسباب العيش لهن سوى قارب ينقل الناس بدراهم معدودة في أحد أنهار البصرة».

وأضاف «العطار»: «بعد وفاة والديها غادرت رابعة مع أخواتها البيت بعد أن دب البصرة جفاف وقحط أو وباء وصل إلى حد المجاعة ثم فرق الزمن بينها وبين أخواتها، وبذلك أصبحت رابعة وحيدة مشردة، وأدت المجاعة إلى انتشار اللصوص وقُطَّاع الطرق، فخطفت رابعة من قبل أحد اللصوص وباعها بستة دراهم لأحد التجار القساة من آل عتيق البصرية، وأذاقها التاجر سوء العذاب».

عنيت «رابعة» منذ صغرها بحفظ القرآن الكريم وترتيله، وكلما حفظت سورة من السور أخذت تكررها وتعيدها في ترتيل وتجويد مع الخشوع وتدفق الدموع حتى حفظت القرآن في سن صغير وتدبَّرت آياته وقرأت الحديث تدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمرالزهور، وكان التاجر الذي اشتراها يحمَّلها ة فوق طاقتها كطفلة لم تشب عن الطوق بعد، لكنها كانت تختلي بنفسها في الليل لتستريح من عناء النهار وعذابه، ولم تكن راحتها في النوم أو الطعام، بل كانت في الصلاة والمناجاة.

وذات ليلة استيقظ سيدها من نومه فسمع صلاتها ومناجاتها فنظر من خلال الباب -يقول فريد الدين العطار كاتب سيرتها: «فرأى رابعة ساجدة تصلى وتقول: إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك، ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك. وخلال دعائها وصلاتها شاهد قنديلاً فوق رأسها يحلق، وهو بسلسلة غير معلق، وله ضياء يملأ البيت كله، فلما أبصر هذا النور العجيب فزع، وظل ساهدًا مفكرًا حتى طلع النهار، هنا دعا رابعة وقال: أي رابعة وهبتك الحرية، فإن شئت بقيت ونحن جميعًا في خدمتك، وإن شئت رحلت أنى رغبت، فما كان منها إلا أن ودعته وارتحلت».

و يقول طه عبدالباقي سرور في كتابه «رابعة العدوية والحياة الروحية في الإسلام»: «احترفت العزف على الناي في حلقات الذكر وساحات المتصوفة، والأناشيد في دنيا التصوف، وعزف الناي عند المتصوفة ليس نكرًا ولا بدعًا، بل هو يبعث الوجد ويحرك القلب ويحلق بسامعه، وكانت رابعة في تلك الفترة في الرابعة عشر من عمرها، لكن هذه المرحلة من حياتها لم تستمر طويلاً، فقد اشتاقت نفسها للدنيا الخلاء من الناس المليئة بالله وحده، فقد تخلص قلبها من الدنيا وكل ما فيها، وخلص من الرغبات والشهوات والخوف والرجاء، لم يبق فيه إلا شيء واحد الرضاء عن الله والعمل على الوصول إلى رضاء الله عنها، ورفضت كل من تقدم لزواجها، فليس في قلبها مكان لغير الله، وليس لديها وقت تشغله في غير حب الله».

وتضيف دائرة المعارف الإسلامية «المجلد التاسع- العدد 11 ص 440»: «إن رابعة أقامت أول أمرها بالصحراء بعد تحررها من الأسر، ثم انتقلت إلى البصرة حيث جمعت حولها كثيرًا من المريدين والأصحاب الذين وفدوا عليها لحضور مجلسها، وذكرها لله والاستماع إلى أقوالها، وكان من بينهم مالك بن دينار، والزاهد رباح القيسى، والمحدث سفيان الثورى، والمتصوف شفيق البلخي».

وتوضح دائرة المعارف: «رابعة تختلف عن متقدمي الصوفية الذين كانوا مجرد زهاد ونساك، ذلك أنها كانت صوفية بحق، يدفعها حب قوي، كما كانت في طليعة الصوفية الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الذي لا تقيده رغبة سوى حب الله وحده، وكانت طليعتهم أيضًا في جعل الحب مصدرًا للإلهام والكشف».

ومن أشعارها:

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك.. وأغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك

وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى.. خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك

أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى.. وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك

فــأما الــذي هــو حب الهــــوى.. فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك

وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه.. فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك

ويشير المؤرخ ابن خلكان، في ترجمته عنها: «من تواضعها أن جاءها رجل يومًا يطلب منها الدعاء فقالت: (من أنا يرحمك الله؟ أطع ربك وادعه فإنه يجيب دعوة المضطر))، وكانت تبكي في سجودها حتى يبتل موضع رأسها، ويقال عرض عليها الزواج من صاحب غنى وجاه واسع فكتبت له: (أما بعد فإن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، وإن الرغبة فيها تورث الهم والحزن.. فما يسرني أن الله خولني أضعاف ما خولك فيشغلني بك عنه طرفة عين والسلام)، وما أكثر زهد (رابعة) في حب الثناء والمديح من الناس مخافة مداخل الشيطان والرياء والسمعة والتصنع للخلق. وكانت تقول: (ما ظهر من أعمالي لا أعدّه شيئًا)، ومن وصاياها: (اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم)».

ولم يكن لديها غير حصير تستر به بيتها، وإناء من فخار تشرب منه، وبساط من اللِّبد تجعله فراشها ومصلاها، ومشجب من قصب طوله من الأرض قدر ذراعين علَّقت عليه أكفانها تتأملها باكية متضرعة، يقول عبدالرؤوف المُناوي في كتابه «طبقات الصوفية»: «كان كفنها لم يزل عندها، ويجدون محل سجودها كالماء المستنقع من كثرة البكاء».

توفيت رابعة عن عمر يناهز الثمانين عامًا، وكان ذلك سنة 185هـ كما يرى ابن خلكان في كتابه «وفيات الأعيان»، وهذا ما يؤيده المستشرق الفرنسي ماسينيون ويدعمه بحجج مقنعة، لأن بعض المراجع التاريخية يزعم أنها توفيت سنة 135هـ.

وكذلك اختلف المؤرخون في مكان قبرها، فإن ابن خلكان يقول: «وقبرها يزار، وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمى الطور».

وتبعه في ذلك عدد ممن ترجم لـ«رابعة»، وبما أنه لا يُعلم أنها رحلت إلى الشام، أو زارت القدس الشريف حتى تموت هناك، فلا بد من التسليم بما ذكره ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» حين تحدث عن «المقدس» من أن هذا القبر في جبل الطور «ليس هو بقبرها، وإنما قبرها بالبصرة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية