«طالما أردت أن أصبح جاسوسة ولم أرَ لنفسي حاضرا أو مستقبلا سوى في هذه المهنة».. هكذا تحدثت، كارول فليمنج، الجاسوسة الأمريكية التي عملت عميلة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في باكستان تحت ستار العمل الدبلوماسي.
لم يكن يخطر ببال كارول فليمنج أن تقع في حب رجل عربي مسلم، لكن «الحب لا يأتي إلا فجأة» ولم تقو جاسوسة أمضت حياتها في السفر إلى أكثر من 100 دولة، والعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لنحو 20 عاما على الوقوف أمامه، ووقعت «فليمنج» في علاقة عاطفية لأول مرة في حياتها مع مواطن سعودي يدعى، عبدالله العجروش، ويعمل في وزارة الخارجية في السفارة السعودية في باكستان، ذلك الشاب الذي أكلت من طبق البطاطس المقلية الخاص به دون قصد، فكانت هذه بداية العلاقة ومن ثم الحب، إلى أن انتقلا في 2006 إلى السعودية للزواج.
«كارول» و«عبدالله»، وبحسب موقع «هانترزفيل هيرالد»، كلاهما كان يخفي سراً على الآخر، فـ«كارول» واجهت صعوبة لتخبر زوجها أنها جاسوسة لبلدها منذ الثمانينيات، فدائما ما أرادت أن تخبر حبيبها عن ولعها بالمغامرة منذ صغرها، وعن الصدفة التي غيرت مجرى حيتها حين سمعت شخصا في كازينو يعمل على تجنيد بعض الأشخاص للاستخبارات المركزية، فقدمت طلبا لمعرفة ما إذا كان الحصول على الوظيفة أمرا ممكنا، وبالفعل تم قبولها لتدخل عالم الاستخبارات ومن ثم ذهبت إلى مقر الاستخبارات الرئيسي في فيرجينيا لتلقي التدريبات الصارمة للتأهيل.
أما «عبدالله» فكان يخفي عنها أنه لا يزال مرتبط بزوجته الأولى التي لم ينفصل عنها أبداً وهو ما صدمها كثيراً وأصابها بانزعاج ويأس شديد إلى درجة أنها فكرت في تركه للأبد.
وعندما قررت «كارول» مصارحة زوجها بسرها، لم يشعر بالانزعاج كما شعرت هي عندما صارحها ببقاء زوجته معه، وصارعت من أجل أن تسامحه، حتى إنها فكرت مليا بتركه، لكن تغيرت الأمور عندما علمت أنه ظل متزوجا بزوجته الأولى بدافع الشرف والاحترام، وتعلمت «كارول» أن تسامح وتغفر.
«أتعهد أن نحيا ونموت سويا.. لن يفرقنا شيئا في الحياة»، هكذا كان وعد «كارول» لحبيبها «عبدالله» بعد قرارهما بالزواج، لكنهما اصطدما بحائط من الأنظمة والقوانين التي حالت دون زواجهما كون «كارول» تعمل في مجال عسكري، لكن حبها كان أكبر من حلمها فقررت «كارول» الاستقالة لتتزوج بحبيبها «عبدالله».
وكأن القدر أبى أن يعاند «كارول» هذه المرة، فأصيب عبدالله باللوكيميا في 2008، وبعدها بأشهر اكتشفت «كارول» إصابتها بسرطان الثدي، وبدآ سويا رحلة صراعهما مع المرض وتلقيا علاجهما في السعودية.
وأرادت «كارول» أن تبقى بجانب عائلتها أثناء مرضها، فما كان من «عبدالله» سوى تحقيق رغبتها، فهكذا كان وعدهما لبعض، وسرعان ما انتقل معها إلى ولاية هيوستن الأمريكية ليعمل في السفارة السعودية بواشنطن، إلا أنه توفيّ بعدما عاد إلى السعودية في 2010، ليترك «كارول» تقاوم مرضها وحيدة، لكن «كارول» أبت إلا أن تنفذ وعدها له لآخر دقيقة في حياتها ورفضت مغادرة السعودية بعد موت زوجها «هنا عاش حبيبي.. وهنا سأبقى وأموت.. هكذا وعدته ولم ألخلف وعدي معه يوما».. ولحقت به سريعا وتوفيت في 2013، وهي في الثالثة والخمسين من عمرها.
وبدافع تعاطفها مع استكشاف الثقافات والعادات المختلفة، أصبحت «كارول» مدونة أمريكية مشهورة في السعودية، وأطلقت مدونة أمريكية بدوية عندما انتقلت إلى السعودية، وتابعها أشخاص كُثر من أرجاء السعودية والولايات المتحدة، وتمحورت كتاباتها حول مجتمع السعودية المحافظ وما يبدو عليه في أعين الغربيين، كما كتبت عن مشكلات النساء السعوديات، إضافة إلى صراعها مع سرطان الثدي.
قصة الحب هذه جعلت الوثائقية الأمريكية، ماري روس، بحسب موقع «هانترزفيل هيرالد»، تتحرك لإنتاج فيلم وثائقي في نوفمبر 2011 عن حياة «كارول» المليئة بالأحداث، بعد أن علمت أن قصة حياتها ليست عادية على الإطلاق، وناقشت خلال الفيلم حياة «فليمنج» وعلاقتها العاطفية التي جمعتها بالسعودي عبدالله العجروش، وعاطفتها نحو الشرق الأوسط، وصراعها العصيب مع مرض سرطان الثدي الذي تسبب في وفاتها عن عمر 53 عاما في 27 مايو 2013.
كانت «كارول» مريضة خلال الفيلم الوثائقي بأكمله، لكنها أسهمت بنفسها في إنجاز السيناريو في 2012 قبل وفاتها، وأرسلت نسخة أولية من الفيلم إلى وكالة الاستخبارات المركزية في أوائل 2013 للحصول على الموافقة، وطلبت وكالة الاستخبارات حذف بعض المقاطع من الفيلم، بعدها أرسلت «روس» الفيلم إلى الوكالة في 2013 لتنقيحه حال وجود مزيد من المواد التي ينبغي إزالتها، حتى أصبحت نهاية الفيلم مدرّة للدموع لاحتوائها على لقطات تأبينية، وتحدث أصدقاء «فليمنج» عنها بصيغة الماضي.
وقالت «روس»: لم نكن نعلم أن حالتها كانت ستتحسن، فصورنا الجزء الذي يخصها متحدثين عنها بصيغة الحاضر خلال ربيع 2013 قبل وفاتها، وأضافت: بغض النظر عن خطورة المرض الذي أصبحت عليه فليمنغ قبل وفاتها، إلا أنها كانت ملتزمة بالفيلم الوثائقي، وبذلت قصارى جهدها لإتمام العمل، ولو كانت على قيد الحياة لأنجزت الأمر وأخرجت الفيلم إلى قاعات السينما.