ملامحهم ارتسمت عليها أيام «الشقا»، وتكاد تنطق بقسوة الأيام الصعبة التى عاشوها فى رحلة الهروب من ليبيا إلى الحدود التونسية، عبر معبر رأس جدير الليبى، فآلاف المصريين الذين تعرضوا للضرب والإهانة على يد الجنود الليبين على المعبر أكدوا أن الوضع اختلف عندما وصلوا إلى الجانب التونسى.
«المصرى اليوم» كانت فى استقبال العائدين من رحلة الحجيم فى ليبيا، ورصدت معاناتهم واللحظات الصعبة التى عاشوها، وكشفت عن حكايات بطعم الآلم لمواطنين بسطاء سافروا بحثا عن «لقمة العيش».
وقف عبدالحميد أحمد، مبيض محارة من سوهاج، فى العقد الخامس من العمر، يحمل على كتفيه «صرتين» أحدهما بها ملابسه وبطانية، والأخرى بها جهاز تليفزيون قديم كان فى مسكنه بطرابلس، وقال عبدالحميد: «دول اللى خرجت بيهم من ليبيا، باشتغل هناك من 4 شهور وراجع يا مولاى كما خلقتنى، عليه العوض ومنه العوض».
وأضاف: «4 أيام بهدلة على المعبر وضرب نار، وضرب بالخراطيم، ومعاملة سيئة لأن الناس عايزة تخرج وبتتدافع على المعبر، كل واحد عايز يروح بيته وتعب من القعدة فى المعبر، لكن ده مش سبب إنه ينضرب ويتهان».
وحمل أسعد عبداللطيف، مقاول خشب من سوهاج، بعض أمتعته بين يديه، ووقف صامتا بين رفاقه الخارجين من المعبر، وعندما حاول أن يتكلم سبقته دموعه، وتحشرج صوته، لم يكن أسعد يبكى بسبب الإهانات التى تعرض لها على المعبر، أو العذاب الذى واجهه حتى وصل إلى الحدود التونسية عند رأس جدير، بل يبكى رفاقه المصريين الذين قتلوا أمام عينيه داخل ليبيا، وقال: «ضربوا المكان اللى كنا ساكنين فيه بصاروخ ومات 2 زمايلى، وسرقوا منى ألف دينار، وكان عندى خشب بـ10 آلاف دينار وسبتهه وجيت، وبقالنا 4 أيام نايمين فى الجبال».
ومسح أسعد دموعه بطرف جلبابه الصعيدى، ووجهه نحو السماء: «حسبى الله ونعم الوكيل، ما كفاهمش أخدوا شقانا لكن أرواحنا كمان».
وقال أيمن محمد السيد، 23 سنة: «أنا مهمنيش الجوع والعطش على المعبر لأنى قبل ما أوصل كانت ليبيا خرابة خالية من كل شىء، ما فيش غاز وﻻ بنزين وﻻ عيش، ورغيف العيش بقى بدينار بعد ما كان الـ 4 بربع دينار، ده فى الأماكن اللى ما فيهاش حرب، فما بالك باللى فيها؟».
كان أيمن مشغولا بالعالقين على المعبر الذين تركهم خلفه: «أناشد الحكومة المصرية تسهيل الرجوع لإخوتنا اللى لسة هناك، أعرف ناس لسه واصلة من شهر ومديونة ومعهاش مليم تركب حتى عربية للمعبر، ما لحقوش يشتغلوا، ما فيش شغل، ومن يوم ما وصلوا وهم نايمين».
فى المقابل، جلس عماد على أحمد، 22 سنة، محتفظا بورقة فى جيبه، وكشف عن أنها إقرار جديد وزعته عليهم قوات المعبر من الجهة الليبية، وأجبرتهم على التوقيع بأنه يقر بكونه فى كامل قواه العقلية، وأنه لم يهن، أو يتعرض للضرب أو السرقة، وتمت معاملته معاملة طيبة.
وأضاف عماد: «فيه حد يمضّى حد أنه بيعامله كويس إﻻ لو كان وراه الذل، إحنا اتبهدلنا، علشان كدة أنا مارضيتش أسلمهم الإقرار ده وخفيته، ما ينفعش بعد الضرب والذل والإهانة أقول إنهم عاملونا كويس».
وأكد أحمد هشام، مبيض محارة، 26 سنة، من شربين بمحافظة الدقهلية، أنه كان يعمل بمدينة الزاوية الليبية، مضيفا: «قضيت على المعبر 3 أيام، ولما تعبت دفعت 100 دينار ليبى علشان أعدى، ورغم إن الزاوية ما فيهاش حرب إلا أن اى واحد بيكسر علينا الباب بالليل ويقول افتح يا مصرى، ويدخل ياخد فلوس والموبايل وأى حاجة يلاقيها، المصريين بقوا ملطشة لو ما فيش حرب، فيه سرقة وقلة أدب».
وأشار محمد قورة، 32 سنة، فنى ديكور إلى أنه يجلس على المعبر منذ 4 أيام، وأنه اضطر لدفع 400 دينار ليبى رشوة لأحد الحراس الليبين، مضيفا: «لما جانى قاللى هات 400 دينار وأعديك ما صدقت بعد 4 أيام فى الصحراء حصلنا فيهم كل شىء سيئ، من أول ضرب النار الحى فوق روسنا وبين رجلينا لحد الضرب بالمواسير الحديد، وواحد منهم داس على وش واحد مننا بالجزمة، وقال إنتم لازم تتعاملو معاملة الغنم، كل واحد فينا وبخته فيه اللى دفع 50 دينار وفيه اللى دفع 400».
واسترجع محمد عبدالسميع، 30 سنة، مبيض محارة، حاصل على ليسانس حقوق حكايته: «معى زوجتى وأولادى، وشوفنا على المعبر أهوال، رجال كبيرة بتنضرب بالمواسير والخراطيم، الليبيين بيتعاملوا معانا بطريقة وحشة جدا، لدرجة إن فى طريقنا للمعبر على بوابة الطويلة وقفوا شباب كانوا معانا، لما لقوا معهم شهادة الخدمة العسكرية، اتهموهم إنهم عساكر مصريين، وقبضوا عليهم، والله أعلم حصل لهم إيه دلوقتى».
وقال أحمد عبدالحاكم، 35 سنة، خراط معادن: «لما السرقة والعنف علينا كتر فى منطقة الزاوية نقلت لمكان تانى، لكن ما لقتش شغل، ولما عرفت أن الطيران ببلاش، وأنهم بيرحلونا، قلت أرجع مصر، خاصة أنهم سرقونى، وهددونى، وأخدوا كل فلوسى ومفضلشى معايا غيرالبطانية والكاسيت ده».