x

عمرو موسى: الذين يقولون «بلا قومية بلا عروبة» يتجاهلون مصالح مشتركة بـ«الورقة والقلم» (٢-٢)

الخميس 24-12-2009 16:20 | كتب: مجدي الجلاد |
تصوير : حسام فضل

يتحدث بلسان ٢٢ دولة عربية، أنظمة وشعوباً، تجده فى لحظة يوجه للأنظمة رسائل من بين السطور، وفى لحظات أخرى يخاطب الشعوب.

يركز عمرو موسى فى الجزء الثانى من حواره مع «المصرى اليوم»، الذى يطرح فيه رؤيته الإجمالية للحالة العربية، والوضع الحالى، على أهمية التحدث بصوت واحد، لا يمل أن يؤكد أن من مصلحة الآخر أن يتعامل مع العرب واحداً وحداً، وأنه ينزعج بشدة من الموقف المشترك والإرادة الجماعية.

الرجل الذى أعلن مغادرة موقعه بعد عام ونصف، يخاطب الشعوب قبل الأنظمة، ويدعوها للتمسك بهذا الوطن الكبير، وبتلك المؤسسة التى تمثله «الجامعة العربية»، وألا تيأس، أو تعتقد أن «العروبة» كانت مرحلة زمنية مضت.. يدعو الجميع إلى حساب المصلحة المشتركة بـ«الورقة والقلم»، هو يؤكد أن ارتباطه القومى العروبى، ليس هتافاً ولا شعارات، وإنما تفكير «براجماتى» رصين، يضع اعتباراً لمكاسب كبيرة ومصالح هائلة لن يرعاها إلا أنظمة تؤمن بعمل جماعى، وشعوب تثق فى انتمائها وعروبتها.

يعترف بالأخطاء، وبالوضع العام «المهترئ»، لكنه يحتفظ بالأمل، لديه كثير من المبررات لهذا الأمل، وكثير من الطموحات لمستقبل أمة مصيرها بين «أيديها»، وينتظر أن تمد له تلك «الأيادى» بإرادة واضحة تستهدف مستقبلاً واضحاً ومبشراً وواعداً.

■ قلت فى تصريحات مهمة قبل زيارتك الأخيرة إلى أنقرة إن الانفتاح على تركيا فى مصلحة الطرفين العربى والتركى، لكن هناك من ينظر للدور التركى ببعض التشكك.. فى رأيك كيف يجب أن تكون العلاقات العربية - التركية؟

- شوف يا سيدى.. أنا أرى الوضع الإقليمى ملتبساً، وهناك عمليات إعادة تموضع بعضها له سمات استراتيجية أى أنه يتجه إلى تحقيق أوضاع مستمرة لسنوات قادمة، الأمر الذى يمكن أن يعطى المنطقة لوناً أو ألواناً مختلفة عن كونها منطقة عربية، وهذا أيضاً يعنى الكثير من حيث التداعيات، ومن حيث البرامج الإقليمية القادمة سواء من حيث الأمن الإقليمى أو المشروعات البنيوية... إلخ.

أما إجابتى عن سؤالك المحدد فهى أننى ماعنديش أى انزعاج بالمعنى الحرفى للكلمة من الدور التركى، فهى دولة كبيرة فى هذه المنطقة، ولا تستطيع أن تنكر عليها أن تتحرك فى منطقة هى عضو فيها، وقوة من قواها الكبرى بالإضافة إلى أن هناك تطوراً حميداً فى الموقف التركى وهذا التطور به نوع من العودة إلى الجذور، أو وضع الجذور فى الاعتبار، وهذا أمر من حقها أن تقرره ولا يمكن بل ليس من المصلحة منعها من ذلك، هناك أيضاً نوع من الالتباس الإقليمى كما سبق أن أشرت، يمكن القول إن هناك تغيراً فى الأدوار، وربما تغير فى الفكر السياسى فى المنطقة، وعبرت عن هذا فى كلمة أمام مجلس الشؤون الخارجية مؤخرا عندما قلت إن الشرق الأوسط يتعرض لتطور نرى فيه قوة عائدة مثل تركيا وقوة صاعدة مثل إيران،

وأما العالم العربى نفسه، فيتعرض إلى تآكل فى دوره لاختلاف النظرة والأفكار والمصالح وتأثير الأصابع الأجنبية المختلفة هنا وهناك بالإضافة إلى أسباب أخرى كثيرة، وأصبح هناك ما يمكن أن نصفه بعلامة استفهام على حاضر المنطقة ومستقبلها، وأى تطور أو تغير أو تهديد سيؤثر على العالم العربى ولكنه سيؤثر أيضاً على كل من تركيا وإيران ومن هنا نرى السياسة النشطة لكليهما.

والجامعة العربية من جانبها طرحت أمرين:

أولاً: تنسيق عربى تركى، وهذا بالفعل انطلق فى إطار المنتدى العربى التركى، وكذلك حوار عربى إيرانى، ومازلت عند اقتراحى هذا لأن الخلافات العربية الإيرانية تجعل من الضرورى- حتى لا تتفاقم- أن نتفاهم وأن نحاول أن نتفق على الخطوط الحمراء، وربما نركز على عناصر التعايش المشترك دون تهديد من أى من الطرفين. فالجوار قائم وسيظل قائما بحكم الجغرافيا. هذا جزء مما تفعله الجامعة العربية.

والحقيقة أن تركيا تقبلت قبولاً حسناً وحماسياً فكرة المنتدى، لأن الأمر لا يقتصر على علاقة بيع وشراء بينها وبين أى دولة عربية، وأيضاً لا يقتصر الأمر على علاقات ثنائية سياسية، ولكن هو وعاء كبير به تشاور مع المجموع أولاً وعلاقة اقتصادية أوسع من خلال غرف التجارة العربية واتحادات رجال الأعمال العربية والبرلمانيين والمجتمع المدنى والإعلاميين، وهو ما يعطى للعلاقات العربية التركية فرصاً واسعة للتفاعل والتواصل.

واتفقنا بالفعل على اجتماع فى اسطنبول برعاية الجامعة العربية والحكومة التركية لإطلاق كل ذلك فى يونيو القادم. ودعنى أشرح باختصار معنى أن تكون هناك علاقة جماعية مع تركيا تتعلق بالوضع فى الشرق الأوسط وليست مجرد علاقات ثنائية، فعندما نتكلم عن نظام أمن إقليمى، فهذا عمل جماعى وليس فردياً، والدول العربية كلها يجب أن تتكلم عنه مجتمعة، وهذا يهم تركيا، أو عندما نتحدث عن إقامة منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط، فمن الذى سيتحدث عن هذا الأمر، لا يجب أن يتحدث طرف واحد، وإنما العرب كلهم يتحدثون مع تركيا ومع إيران وربما فيما بعد مع إسرائيل، لذا فإن هناك الكثير من الموضوعات التى تتطلب مواقف عربية متفقا عليها تنقل إلى باقى الشركاء فى المنطقة وهم الآن تركيا وإيران.

وسأعطيك مثالاً ثالثاً وهو صراع الحضارات، فعندما يكون هناك صراع حضارى مع الحضارة العربية والإسلامية وهما متداخلتان، فإن هذا يعنى بالضرورة تدخل كل من تركيا وإيران فى الأمر، وأحب أن أقول لك إن هناك أمرين خطيرين فى هذا الموضوع، الأول أن المبادرة الأساسية التى ردت على صدام الحضارات بتحالف الحضارات هى مبادرة إسبانية تركية، والشخصية النشطة فى مجال ائتلاف الحضارات هى الرئيس خاتمى من إيران، وهو الأمر الذى جعلنى أقترح أن نتوجه بالجامعة العربية توجهاً إقليمياً، على الأقل فى عدد من البنود الرئيسية التى أشرت إليها وبالوسائل التى يمكننا الاتفاق عليها.

■ هناك أصوات تقول إن توجه تركيا نحو الشمال ونضالها من أجل دخول الاتحاد الأوروبى ربما يكون عائقاً أمام توجهها إلى الدول العربية... هل هناك تناقض بين الأمرين أم أنها تستطيع أن تقوم بالدورين معاً؟

- الدور التركى فى أوروبا مازال الطريق إليه صعباً، والدور التركى فى الإطار العربى والإسلامى مرحب به على عكس أوروبا فهناك عدم ترحيب، وإذا كنت تسأل من الناحية السياسية النظرية فلا يوجد أى تعارض بين الدورين، ولكن الواقع أن تركيا غير منضمة للاتحاد الأوروبى وإن كانت على علاقة وثيقة به، ونريد أن تقيم تركيا مثلها مع العالم العربى.

■ أين إسرائيل من العلاقة بين الدول العربية وتركيا؟

- العلاقة بين الدول العربية وتركيا شىء، والدور التركى المحدد فى جزئية ما شىء آخر، فالدور التركى المحدد فى الوساطة بين إسرائيل وسوريا، هو دور يلعب فى قسم من النزاع العربى الإسرائيلى وهو مرحب به، وسوريا متمسكة به وأبلغت هذا لبعض الأطراف الأوروبية عندما اقترحت مساراً آخر، ويجب أن نرحب بمثل هذا الدور، ومع ذلك أنا لا أرى حالياً فائدة فى أى وساطة مع إسرائيل، لأن الحكم فى إسرائيل وصل إلى نقطة أصبح معها لا يهتم بأى شىء ولا يهمه الوسطاء ولا كرامتهم، أصبح لدى إسرائيل خطط لشل الحركة الفلسطينية واستبعاد القدس، وجعل الدولة الفلسطينية إذا أنشئت مجرد كيان شكلى، وأعتقد أن نفس الأسلوب سوف يواجه المسار السورى الإسرائيلى لنفس الأسباب، وهى فى سياستها هذه تستفيد من الحصانة التى حصلت عليها تحت إدارات أمريكية سابقة إزاء القانون الدولى والأمم المتحدة والنظام الدولى، إذ إنها تفعل ما تشاء دون اعتبار للقانون الدولى أو الأمم المتحدة وزى ما بنقول عندنا فى مصر «يا فرعون إيه اللى فرعنك.. قال ملقتش حد يلمنى».

■ هل أصبح هذا مقنناً؟

- إسرائيل لديها ما يمكن اعتباره حصانة، فعندما تذهب إلى مجلس الأمن لكى تطالبه بالتزامات معينة وفق قرارات الأمم المتحدة أو القانون الدولى، فإنك لا تستطيع عقد مجلس الأمن إلا إذا تعهدنا بعدم الإصرار على قرار يطالب إسرائيل بما لا توافق عليه وهو وضع غير مسبوق ولا يتم إلا بالاستناد إلى تأييد قوى عظمى.. . ولكننى آمل فى تغيير ذلك إذا شعرت بعض القوى الكبرى بأن المسألة زادت جداً عن كل الحدود المتصورة، وأن العرب وعوا دروساً كثيرة من المفاوضات السابقة التى شهدت وعوداً لم يتحقق أى منها.

■ تقصد أن لديها حصانة دولية؟

- نعم فعندما ذهبنا إلى محكمة العدل الدولية واستصدرنا رأياً استشارياً بعدم مشروعية الجدار والمستوطنات، وصدقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنه وضع على رف عدم التنفيذ، لأن الدولة العظمى ومعها دولة أو دولتان مش عاوزين إسرائيل تتعرض لأى مما يمكن أن تتعرض له أى دولة إزاء القانون الدولى، فإذا كانت إسرائيل أصبحت فوق القانون، يبقى تسيب الجولان ليه، وتعمل دولة فلسطينية ليه، ثم إن العالم العربى متفرق وتعبان وواضح ضعفه، يعنى هتعمل إيه، أعلى ما فى خيلك اركبه، إحنا كنا راكبين خيول، إنما دلوقتى تغير الحال.. وعلى فكرة الخيل هنا لا تعنى بالضرورة دبابات أو طائرات ولكن تعنى مواقف سياسية قوية يسندها القانون الدولى.

■ رؤيتك معناها أن ما نتحدث عنه فى عملية السلام وغيرها دون طائل؟

- لا.. لأننا لمسنا تطوراً فى موقف الرئيس الأمريكى أوباما، وهو تطور محمود، ويجب أن نظل نحييه، ولكنه لم يصل إلى شىء، وبعض الدوائر تقول أن نعطيه فرصة ووقتاً، لكن علشان تدى وقت لازم توقف الاستيطان، لأن الوقت بيكون على حسابك طالما الاستيطان مستمر، لذا فإن هناك ربطاً بين موضوع الاستيطان الذى يأكل الأرض والمفاوضات وكل من يقول غير ذلك فى رأيى مخطئ، فالاستيطان هو الموضوع الرئيسى والأساسى. ولا جدوى من استئناف المفاوضات بينما واقع ما تتفاوض عليه يتغير كل يوم.

■ تقول إن إسرائيل ماضية فيما تريده.. هل هذا مرتبط بالحكومة الإسرائيلية الحالية أم بإسرائيل بشكل عام؟

- هو مرتبط بإسرائيل بشكل عام ومنذ حكومات سابقة عديدة، ولكن أساسه ما حدث فى السنوات الثمانى الأخيرة، فقد وصل الأمر إلى منتهاه، والآن نحن نرى مجهوداً أمريكياً أتى بشىء جزئى، ولكن به التباسا شديدا، فهناك تعهد بوقف جزئى ومؤقت للاستيطان، ولكن الاستثناءات أصبحت تغلب القاعدة، لأن إسرائيل لها أن تبنى آلاف المستوطنات، والمبانى العامة، فإذا أرادت أن تبنى مكتب بريد أو مستوصفاً أو معبداً فإنها تفعل، إذ لا قيود على بناء ما يعتقدون هم أنه ضرورى طبقاً لمضمون الموقف الإسرائيلى، إذن أنت أخذت خطوة وقررت استثناءات تغلب القاعدة،

كما أن الحكومة الإسرائيلية أقرت تمويلاً من ميزانيتها للمستوطنات، وهو أمر استفزازى، حيث تتحدث عن تجميد جزئى بينما تنفق أموالاً طائلة على البناء الجديد، وبعدين إنت بتبنى ليه إذا كانت هناك دولة فلسطينية ستقوم فى تلك الأراضى المحتلة، يبقى إنت بتستعبط وتستهبل العرب اللى بيتفاوضوا معاك، لأنك بتقولهم أنا بنيت وهبنى وفق ما أقرره، إذن قد نكون فى طريقنا إلى خدعة أخرى، وسبق أن قامت الحكومة الإسرائيلية السابقة فى مؤتمر أنابوليس وبعده بخدع مشابهة، وفى النهاية فالاستيطان مستمر، هذا بالإضافة إلى استبعاد القدس الشرقية من أى وقف للاستيطان.

■ وهل أصبحنا طوال الوقت فريسة للاستعباط والخداع والاستهبال؟

- دائماً ما أقول للدبلوماسيين الغربيين بصفة خاصة، وآخرها عندما قابلت رئيس الوزراء السلوفينى، إن كتاب الألاعيب السياسية نفذ علينا بالكامل من الصفحة الأولى للصفحة الأخيرة.. كل ألاعيب السياسة والدبلوماسية الدولية اتلعبت علينا، خاصة ما يسمى عملية السلام، فعملية السلام بتفرح الدبلوماسيين، عندهم شغل وورق يشيلوه رايحين جايين، لكن قبولنا بكلمة عملية السلام كان ناقصاً لسببين، الأول أننا لم نضع إطاراً زمنياً، لئلا تكون المفاوضات مفتوحة النهاية من سنة لأخرى ومن عقد إلى عقد، بل من قرن لآخر، وهو ما حدث، والأمر الثانى أخطأنا خطأ استراتيجياً يجب أن نصلحه فى أقرب وقت، وهو القبول بتهميش الأمم المتحدة، والقبول بأن هناك ما يسمى الوسيط النزيه، وأدينا شفنا الوسيط ونتائج عمله، والأمر استمر لسنوات دون معالجة، وقد شاهدنا الوثيقة الأوروبية منذ أيام وأهم ما فيها أنها تعيد الأمر إلى ضرورة احترام القانون الدولى، وأرى ضرورة إنهاء تهميش دور الأمم المتحدة (ومجلس الأمن بصفة خاصة) فى معالجة الاحتلال الإسرائيلى والدفع باسم المجتمع الدولى نحو هذا الاتجاه.

■ بصفتك أمين عام جامعة الدول العربية، هل تقول هذا الكلام للأنظمة العربية.. وما ردود الفعل التى تصلك؟

- كلامى معلن أمام الجميع، وهو أيضاً ما يتحدث به العرب فى مجملهم كما أنه مترجم فى القرارات التى تصدرها جامعة الدول العربية، أما عن ردود الأفعال فهناك بالفعل بعض الاختلافات فى المجال العربى، ولكنها الآن ليست جذرية، خصوصاً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقد سهل رئيس الوزراء الإسرائيلى علينا العمل فقد اتخذ مواقف لا يمكن لأى عربى أن يوافق عليها لا فى السر ولا فى العلن، ومن ناحية أخرى فهناك قوى تحاول شل حركة الجامعة العربية، لأن الموقف العربى الجماعى مزعج لهم، والرأى العام العربى يريد موقفاً جماعياً وهو ما تعمل الجامعة العربية على التوصل إليه أو تأكيده، والحقيقة أن موقف الجامعة العربية يمثل ويترجم موقف الرأى العام هذا إزاء هذه القضية الأساسية فى ضمير كل عربى وكل مسلم، مضافاً إليه طبعاً مصلحة العمل السياسى والفنى، الذى تقوم به الأمانة العامة فى إطار مسيرة القضية الفلسطينية.

■ الموقف الفلسطينى نفسه شديد الخطورة على القضية ذاتها.. وإذا حاولنا أن نحلله ونضع له أسباباً فأين نضع حماس والفصائل الفلسطينية من تلك الأزمة؟

- هناك تآكل فى القضية الفلسطينية، والفلسطينيون مسؤولون عن جزء من هذا بصراعاتهم وخلافاتهم الداخلية، والمعركة الفلسطينية لها جانبان، والجانبان مسؤولان ومخطئان، نحن عرب نؤيد الفلسطينيين، فنفاجأ بصراع بينهم على أسلاب، ربما كان صراعاً على توجه، ولكن التوجه يجب أن تحكمه الانتخابات، وما نراه هو أن «فتح» ليست ضعيفة كى تقبل توجهاً معيناً تفرضه «حماس» والعكس صحيح، إذن فوجود الاثنتين فى إطار ديمقراطى توافقى وعلى قاعدة تصالح وطنى هو الذى يحمى المصلحة الوطنية الفلسطينية، ويجعلها تعود إلى شق طريقها نحو إقامة الدولة الفلسطينية.

■ هل هناك أطراف عربية محددة غير مقتنعة بدور جامعة الدول العربية فى هذه القضية؟

- قد تكون هناك أصوات عربية غير مقتنعة بأن جامعة الدول العربية هى الإطار الأفضل فى المرحلة التاريخية الحالية، وأن كياناً آخر قد يكون أفضل، ولكننى أرى العكس، فالعالم كله يتجه نحو ممارسة المنظمات والتجمعات الإقليمية.. أوروبا، آسيا، أمريكا اللاتينية، أفريقيا، إذن لماذا لا يكون للعرب تجمع خاص بهم؟ وهذا التجمع مؤسس وقائم هو الجامعة العربية، يجب الحفاظ عليها، ولكنى مع تطويرها وتحديثها وحقنها بالفعالية والفاعلية، وإن لم نفعل ذلك نكن قد سقطنا فى جب هؤلاء الذين لا يريدون أن يروا تجمعاً عربياً لأنه قادر على إزعاجهم، وقادر على أن يفرض وجوده فى إطار الحركة الدولية، والأفضل لهؤلاء أو بعض هؤلاء (إسرائيل أساساً) أن يتعاملوا مع العرب منفردين واحدة واحدة. ومع ذلك فهناك على المستوى الدولى من يرى أهمية التعامل مع الجامعة العربية إذ لا ينسون أن المبادرة السلمية خرجت من الجامعة العربية.

■ ربما يكون الموقف إزاء الجامعة العربية من بعض الأطراف العربية وأيضاً إسرائيل راجعاً لطبيعة شخصية الأمين العام؟

- ما الذى تقصده بطبيعة شخصيتى؟

■ أقصد أنه معروف أنك عروبى وقومى ومواقفك من إسرائيل ومن القضية واضحة منذ زمن؟

- يجوز.. تقصد إذن مواقفى وليس شخصيتى.. ولكن إن كان هذا هو شعورهم ونظرتهم إلى، فلعلهم يعلمون أن المسألة ليست عواطف ولا مشاعر بقدر ما هى جدية فى العمل للتوصل إلى سلام عادل، وأن الجامعة العربية تعمل بجد، وأنا أترجم مشاعر القومية العربية إلى واقع مصلحة عربية مشتركة، لا أتكلم عن القومية العربية بالمعنى العاطفى والهتافى، فأنا أتحدث عن الحالة العربية منطلقاً من أسس واقعية تتماشى مع القرن الواحد والعشرين واحتياجاتنا المتوقعة، كما أنها تترجم نظرة مستقبلية إلى الوضع الإقليمى فى الشرق الأوسط ليكون عماده جسداً عربياً صحياً واحداً.

■ لكن المصلحة العربية المشتركة تحتاج إلى أدوات والجامعة لا تملك وسائل ضغط دبلوماسية ولا سياسية ولا اقتصادية ولا عسكرية؟

- هى بالفعل لا تملك وسائل ضغط عسكرية، وإنما تمتلك وسائل عمل سياسية، فأنت لا تملك أن تحصل على قرار إجماع عربى إلا عن طريق جامعة الدول العربية، وإذا لم تفعل فهى قرارات فردية ليس أكثر، ولا تنس المبادرة العربية التى صدرت عن الجامعة العربية والقرارات الخاصة بطلب اجتماع مجلس الأمن، وتشكيل المواقف العربية من تطورات دولية معينة، بالإضافة إلى قرارات القمة الاقتصادية.. والتنفيذ بدرجة لا بأس بها لقراراتها.

■ وماذا عن الدول التى تعمل مع إسرائيل أو الولايات المتحدة دون أى اعتبار لدور الجامعة؟

- أعتقد أنه تعبير شديد (شوية) أن تصنف دولة (عربية) بأنها تعمل مع إسرائيل دون اعتبار للجامعة، وعلى كل حال فإن إسرائيل نفسها مش بتدى فرصة لحد يعمل معها أو حتى يمالئها إلا إذا تبنى موقفها بالكامل، وإنما هى تهتم بل تخشى من موقف عربى موحد، طول ما نقدر نحن العرب أن نقول بقوة «لأ يعنى لأ» أو نعم جماعية (مثل المبادرة العربية) فهناك فرصة لفعالية أكثر إزاء إسرائيل وأنا لا أطالب بموقف عربى يقول «لأ» على طول الخط، وإلا ما كنا عملنا المبادرة العربية التى تقول نعم لأمور محددة، ولكننا نقول «لأ» أيضاً فى الموقع المناسب للرفض، نحن منفتحون بالشكل المعقول، ولكننا غير منفتحين لدرجة أن نقبل بطبعة ثانية لكتاب ألاعيب السياسة الدولية إزاء العرب.

أثناء إدارة بوش قسموا العرب إلى معتدلين وغير معتدلين، فماذا أعطوا للمعتدلين، فى الحقيقة لا شىء، وقالوا إحنا ما عرفناش نتعامل مع أبوعمار وهنتعامل مع أبومازن، طيب اديتو إيه لأبومازن، ولا حاجة، المستوطنات بتزيد، إذن حتى تلك التقسيمات أتت بلا فائدة.

■ أسمع أحياناً أن الأمين العام يصاب باكتئاب سياسى فهل هذا صحيح؟

- إذا كنت تقصد اكتئاباً من الوضع العربى، فهو بالفعل وضع غير مريح لأن الوضع به تهرؤ كبير، ويواجه تحديات كثيرة بعضها ضخم وخطير، ويحتاج إلى استراتيجيات غير موجودة مع الأسف بالرغم من كثرة المطالبة بها وإعداد الإطار اللازم لها.

■ دعنى أفتح معك الملف الإيرانى.. واضح أن العالم العربى لم يصل إلى صيغة أو خطاب واحد فى التعامل مع إيران وقذف الكثيرون الكرة فى ملعب الجامعة العربية، بمعنى أنه لا توجد رؤية أو أسلوب لاستخدام الورقة الإيرانية لصالح العرب وإنما ترك الأمر لرؤية وإرادة كل نظام؟

- فلننظر للأمر من جهة أخرى، فأيضاً لم يصدر أى قرار ضد البرنامج النووى الإيرانى من الجامعة العربية، وهذا شىء مهم، نحن مختلفون مع إيران فى أكثر من مسألة، وربما لديهم أيضاً ما يشكون منه... المنطقة فى رأينا لا تحتاج إلى برامج نووية عسكرية، وأيضاً هناك علامة استفهام وتساؤل عما إذا كان هناك دور لإيران فى قضية الحوثيين، وموضوع الجزر الإماراتية وأوضاع كثيرة أخرى تجعل من الضرورى إطلاق حوار عربى إيرانى، وهذا ما كنت أطالب به منذ كنت وزيراً لخارجية مصر، وعندما أتيت الجامعة قررت توسيع الأمر، ولا أدرى لماذا لا يكون هناك حوار بين إيران والدول العربية وما المخاطر من ذلك،

فالدول الأوروبية والأمريكية تتحاور معها، وشرحت هذا فى أكثر من اجتماع مع مجلس وزراء الخارجية، وقلت إنه من الضرورى أن نتحدث معها فى الأمن الإقليمى، وهذا جعلنى أتحدث مع الإيرانيين عندما جاء لاريجانى إلى هنا، قلت له «يا أخى أنتم لا يمكن أن تتحدثوا فى هذا الأمر وحدكم وهذا غير مقبول»، فقال لى إنه سيرسل لى نص المقترح الذى قدمته الدول الست لإيران فيما يتعلق بالأمن الإقليمى وأرسله بالفعل، وكنت أرى فى هذا النص نوعاً من «جر رجل» إيرانى إلى نقاش فى الأمن الإقليمى وقلت لكثيرين غيره ومنهم دبلوماسيون كبار من الولايات المتحدة وأوروبا إننا لن نرتبط بموضوع الأمن الإقليمى إلا إذا تحدثوا معنا فيه، نحن ٢٢ دولة عربية، نحن الأغلبية فكيف تتحدث فى الأمن الإقليمى دون حضورنا، لابد أن نكون موجودين عندما تبحث تلك القضية، وإن كنت تريد أن تتحدث عن البرنامج النووى الإيرانى اتفضل اتكلم كما تريد، إنما الأمن الإقليمى يخصنا جميعاً،

لذا لا يمكن أن يسير هذا الأمر إلا بنقاش كامل، ونحن هنا فى الجامعة العربية أنشأنا مجلس الأمن والسلم العربى وبدأنا فى ترتيب الموقف العربى من الأمن الإقليمى، لأنه قادم قادم ولابد أن نكون مستعدين له. أما الملف النووى الإيرانى فإن لنا منه موقفاً، فنحن لسنا بحاجة إلى أى برنامج نووى عسكرى يأتى من أى جهة بما فى ذلك إيران أو إسرائيل، إيران لها الحق الكامل فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية، وكل ما تتيحه معاهدة منع الانتشار، ولا يصح أبداً أن يقف أمامها أحد فى هذا الأمر، إنما بالنسبة لموضوع البرنامج العسكرى، فسأفتح قوساً، وأقول لك إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى تقاريرها لم تجزم بأن هناك برنامجاً عسكرياً فى إيران.

الأوروبيون قالوا إنها أيضاً لم تجزم بالعكس، وفى الجهة المقابلة، هناك تقارير دولية تتعلق بالبرنامج النووى الإسرائيلى هنا تأتى النقطة الثانية من الموقف العربى، كيف يمكن أن يكون لدينا موقف من إيران النووية وهى غير مجزوم بأنها انحرفت عسكرياً، ونتجاوز عن إسرائيل النووية بالفعل، وسألت كثيرين من الفعاليات الدولية عالية المستوى هل هناك برنامج عسكرى نووى حلو وبرنامج نوووى عسكرى وحش، فإذا كان هذا هو الكلام تبقى المسألة مجرد عبث، إما أن تكون هناك برامج عسكرية قائمة أو محتملة فبالفعل يستوجب الأمر بحثاً وحديثاً وموقفاً، والحل يكمن فى المبادرات القائمة لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وفى رأيى كمواطن وسياسى مصرى، إذا كان هناك برنامج نووى إسرائيلى وهو موجود وإيرانى وهو محتمل، فلا يمكن إلا أن يكون هناك برنامج نووى مصرى عاجل... فى الإطار السلمى طبعاً، ويجب أن تبدأ الممارسة النووية، فنحن متأخرون تماماً فى هذا الأمر شديد الحساسية وصاحب الصلة القوية بالتطور العلمى فى المجتمع.

■ إذن أنت ترى أن قرار إنشاء مفاعل نووى مصرى كان صائباً؟

- بالطبع، وانظر إلى قرار جامعة الدول العربية الصادر فى هذا الشأن، فقد طالبنا كل الدول العربية بإدخال العلم النووى فى المدارس وتطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية واستثمار القوى النووية لتلبية حاجات المجتمع، وبدأ العمل فعلاً بجدية فى الأردن والإمارات، وهذا لاهتمامهم البالغ بمستقبل بلادهم.

■ هناك نكتة سياسية تقال عن الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه متزوج من ٢٢ ضرة.. كيف ترى أنت عملك؟

- لم أتزوجهم، وإنما أقمت معهم علاقة طيبة وثقة متبادلة وأشعر أننا جميعاً أجزاء من عائلة واحدة، أو قُل قبيلة أو عشيرة واحدة. نحن فى العالم العربى ثقافتنا واحدة والذوق واحد والمصلحة أيضاً واحدة، إذا دخلت فى عمق الأمور، وأنا أتابع الامور أحياناً من بعدها العميق وأحياناً من «شراشيبها» يعنى من السطح فمثلاً مسلسل زى أم كلثوم، أو مثلاً مسلسل الحاج متولى، شاهدهما القاصى والدانى فى العالم العربى، أو كما يقال من المحيط إلى الخليج، وقرأت تعليقا فى صحف موريتانية وفى القرن الأفريقى يتحدثون عن هذا الإطار الاجتماعى الموجود فى كل الدول العربية،

إذن هناك نوع من التمازج فى المجتمعات العربية، حتى الكتب إذا صدر كتاب أو رواية جيدة مثل عزازيل أو عمارة يعقوبيان مثلاً تسمع صداهما أينما ذهبت فى كل الدول العربية، لأن الإطار الثقافى واحد والمشاكل فى مجملها متشابهة، إذن ما ينقصنا هو أن نصنع مصلحة واحدة، والمصلحة لم تكن واحدة لاختلاف المستعمر، فهذا أصبح ذوقه انجليزياً وهذا فرنسياً وهذا إيطالياً،

لذا أصبح هناك نوع من الارتباط المصلحى الرأسى بين الدول المستعمرة الصناعية وبين الدول العربية، وعندما بدأنا فى التواصل الأفقى بين الدول العربية كانت هناك مشاكل بسبب تشابه الإنتاج، ولم نستطع إقرار تكامل، ولكننا فعلنا ذلك عن طريق إنشاء منطقة التجارة الحرة، وقد كانت التجارة البينية قبل إنشاء هذه المنطقة فى ٢٠٠٥ تبلغ ٨%، واليوم تتراوح بين ١٥ و ٢٠%، وفى واقع الأمر فإن هناك تفاعلاً اقتصادياً أكبر مما تراه العين فالعلاقات الاقتصادية ليست تجارة فقط، وإنما هناك سياحة عربية، وحركة استثمار عربية وحركة عمالة عربية بين دول الجامعة، ثم هناك حركة البورصات العربية، والتكنولوجيا الجديدة وحركة الإقراض والمساعدات... لو تابعنا هذا لوجدنا تفاعلاً اقتصادياً عربياً كبيراً،

وقد أدى هذا كله إلى اننا أصبحنا مهتمين بتنظيم قواعد العلاقات الاقتصادية المتشعبة بين الدول العربية ، ربما المواطن العربى لا يعرف ذلك لضعف الإعلام فى الجامعة، وهو ما نحاول الآن علاجه، وأيضاً لعدم اهتمام بعض الصحافة المصرية بشكل كاف إلا بما يشكل «مانشيت»، ومع ذلك فالوضع الاقتصادى مهم ولا يقل عن الناحية السياسية، وأرى اهتماماً متصاعدا لدى عدد من الدول العربية بموضوعات التعاون الاقتصادى التى توجت بقمة الكويت، وكنت مهتماً بألا نناقش فيها إلا ٤ أو ٥ موضوعات فقط، الأول الصندوق الذى أنشئ بمبادرة كويتية لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة بمبلغ ٢ مليار دولار ودخل حيز التنفيذ بالفعل، وموضوع النقل والطرق،

فعندما تتابع مشروعات بناء الطرق تجدها تسير على قدم وساق ولكن على وتيرة بطيئة، فعلى سبيل المثال الربط الطرقى بين مصر والسودان من أسوان إلى وادى حلفا اقترب من التمام ولا يتبقى فيه لينتهى تماماً سوى ٢٨ كم، والخط من نواكشوط الى المغرب تقريباً انتهى، وقد أبلغت من الصندوق العربى للتنمية بذلك، والسكك الحديدية أيضاً، ففى المشرق هناك سكك حديدية أوقفها الاستعمار أو أوقفت بسبب إسرائيل، ولكن الأمر الآن يختلف، فهناك خط حديدى من دمشق إلى عمان يعمل الآن، ويمكن أن يمتد من عمان إلى المملكة العربية السعودية وخط سكك حديد الخليج.. إلى آخره. كل تلك خطوط أو مشروعات يعاد إحياؤها، فنحن نعمل على الأشياء التى يعيش بها الناس ويستفيدون منها، هذه الأمور جميعاً تتم فى إطار جامعة الدول العربية، بالإضافة الى كيفية تيسير العملية الاقتصادية من منطقة حرة إلى اتحاد جمركى إلى سوق مشتركة خلال العشرة أو الخمسة عشر عاماً المقبلة.

■ هل هناك خطوات فعلية فى هذا الأمر.. مع الوضع فى الاعتبار أننا نتحدث عن هذا الملف الاقتصادى منذ زمن بعيد؟

- هو فعلاً من زمن بعيد، لكن اللى ما يعرفش يقول عدس، فهناك مطالبات بالسوق العربية المشتركة، وهى لن تقوم إلا باتحاد جمركى، وهذا بدوره لن يتأسس إلا بعد وصول منطقة التجارة الحرة الى حالة متقدمة من النشاط والتفعيل (وهذا قائم على قدم وساق).

■ قلت عن وسائل الإعلام إنها ليست مهتمة بجامعة الدول العربية أو نشاطها، وأرى أن البعد العربى أيضاً أصبح بعيداً عن الصحافة المصرية... فلماذا؟

- وصل الأمر إلى حد أن أحد المسؤولين قال «بلا قومية بلا عروبة بلا بتاع»، فهل هذا كلام يقال، المسألة ليست هتافات إنما مصالح مشتركة بالورقة والقلم، وأمن وطنى وإقليمى وعلاقات سوية مع الدول العربية.. المسألة أهم بكثير من أن تعالج هكذا.

■ فى رأيك .. ما سبب تقوقع مصر على نفسها محلياً؟

- هذا سؤال يمكن توجيهه إلى أى مسؤول مصرى وليس إلى أمين عام جامعة الدول العربية، ومن ناحية أخرى فاعتقد أن التقوقع ليس وصفاً دقيقاً لحالة مصر.

■ لم نسمع شيئاً عن موقف لجامعة الدول العربية فى قضية شغلت الرأى العام مؤخراً إذ كان الجميع ينتظر دوراً حقيقياً للجامعة فى أزمة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر؟

- هل هذه قضية حقاً؟ .. وهل من المعقول أن يتفرع بها الرأى العام بالطريقة التى شاهدناها! وما الدور المطلوب من الجامعة فى رأى من أشاروا لذلك، هل من الممكن أن نذهب لنحقق فى أخبار غير موثقة أو أن نتحرك وسط صيحات وهتافات واتهامات ومعارك، وهل كل ما تعمل عملة تقول الجامعة العربية، أنا رأيت بنفسى أن المسألة فيها التباس شديد جداً، صحيح أن الهزيمة الكروية تضايق الناس، وكان فيه شغب كروى غير معقول، وصخب إعلامى كان من المفترض أن يكون منضبطاً ولو بعض الشىء، لكن الأمور فلتت، وأنا أرى أن إدارة هذا الأمر رياضياً وإعلامياً كانت سيئة للغاية على الجانبين، أما ما قامت به الجامعة العربية فى هدوء رغم الجلبة الكبرى التى حدثت..

فقد تحدثت مع عدد من كبار المسؤولين على الجانبين، والطرفان شجبا ما حدث، ولكن لم تكن هناك آفاق للتحرك المنتج فى تلك المرحلة المبكرة وبعد مشاورات عربية متعددة قمت بها اتصلت بالأخ العقيد معمر القذافى وقلت له إن هذا الأمر لا يصح أن نتركه بهذا الشكل وبعدها عاود الاتصال بى وقال لى إن الأمر غير جاهز للحل واقترح أن ننتظر إلى ما بعد العيد (عيد الأضحى) يمكن الموضوع يهدا وانتظرنا بالفعل حيث بدأ الجانبان يشعران أنهما ذهبا بعيداً حتى تأثرت العلاقات المصرية والجزائرية والعربية عموما، والحقيقة كما قلت أن الأمور أديرت فى هذه المباراة بطريقة غير مقبولة ولا تطمئن.

■ ولكن ألا يعنى هذا الموقف أن العلاقات العربية هشة؟

- تعرف هشة ليه، لأنها تركت لمن لا يعلم ، واحد يقول إن الجزائريين نزلوا اشتروا السكاكين، أنا أفهم ان ١٠ أو ١٥ أو خمسين أو أكثر أو اقل فعلوا ذلك، لكن أيعقل أن الجزائريين نزلوا من طائراتهم فى طوابير وتوجهوا إلى المحال لشراء السكاكين، من ناحية أخرى نشرت صحيفة فى الجزائر إن فيه ناس ماتت بعد مباراة القاهرة وهو ما يجافى الحقيقة تماماً، يجب علينا ألا نظلم سفير الجزائر فقد خرج ليصرخ ويقول يا جماعة مفيش حد مات، وفى النهاية أنا أرى أن الكل جانبه التوفيق فى إدارة الأمر، منذ أن استخدمت عبارات النصر والهزيمة بدل المكسب والخسارة والأمور فلتت.

■ ما شعور الأمين العام لجامعة الدول العربية عندما يرى أن مباراة كرة تؤثر على العلاقات بين بلدين عربيين؟

- شعورى أن الهيافة والهشاشة أصبحت إحدى سمات مجتمعاتنا. أضف إلى ذلك أنك خسرت المباراة ولم يسأل أحد هل الفريق قام بدوره فعلاً، بصراحة لم يكن من الممكن أن يفوزوا بهذا الأسلوب الذى لعبوا به.

■ كم من الوقت تحتاجونه لمعالجة هذا الأمر؟

- أياً كان الوقت الذى سيأخذه، نحن نعمل على الإحاطة بالأمر يوماً بعد يوم، والحقيقة هناك رغبة من الطرفين للمعالجة وبصفة خاصة من الحكومتين، سواء بحضور الاجتماعات التى تعقد فى البلدين أو بالتراسل أو بالتواصل والحقيقة أنا أستغرب كثيراً الأصوات التى تقول مش هنلعب مع الجزائر أو أن نقاطعها، وأتساءل: هل هى صادرة عن صوت عقل أم عن ماذا؟!

■ وماذا عن الموقف الخليجى من هذه القضية؟

- أعربوا عن المهم وهو اندهاشهم بل استغرابهم، أما عن الحديث عن الوساطة فلم يتم إلا مع الرئيس الليبى فقط.

■ هل من الممكن أن يسفر جهده عن شىء؟

- طبعاً، وعلى أى حال البلدان أصبحا مهيئين والحمد لله لحل الأزمة.

■ ولكن ما رأيك فى التوجه العام لمصر فى إطار تطورها التاريخى وهل ما يقوله البعض أن دور مصر انتهى قول صحيح؟

- لا، هذا غير صحيح على إطلاقه، هناك تساؤلات عن طبيعة الدور.. نعم، ولكن قراءة التاريخ المصرى تعطيك النبأ اليقين.. لقد كانت مصر هى الدولة الأولى التى أنشأت برلماناً ذا سلطة منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر يوم كانت إفريقيا وآسيا لا تزالان نائمتين ومصر قادت أكبر ثورة شعبية من نوعها ضد الاستعمار البريطانى عام ١٩١٩، وطبقت مصر الديمقراطية طبقاً لدستور ١٩٢٣ وأقامت دولة مدنية عصرية متقدمة فى الثلاثينيات والأربعينيات وسنت قوانين العمل واستقلال القضاء، وأقامت جامعة وأكثر كانت فى مقدمة جامعات العالم، ثم بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢ جاء عهد عبد الناصر بكل زخمه حتى كانت اللحظة الحزينة فى ٥ يونيو ١٩٦٧ التى هزت مصر من الجذور، ثم كان عصر السادات وتحرير الأرض، ثم جاء عصر مبارك الذى استهدف إعادة ترتيب الأمور.

ويمكن الإشارة أيضاً إلى الرياضيين الذين رفعوا اسم مصر عالياً... إلى حسن عبد الرحيم، إلى مرعى حسن حماد، إلى الرباعين الكبار فى أوليمبياد برلين نصير وغيره، إلى أبطال العالم المصريين فى الاسكواش محمود عبد الكريم وعبد الفتاح عمرو، إلى قمم الصحفيين المصريين والمهندسين المصريين وكبار المحامين المصريين.. إلى آخره. نحن وصلنا الى القرن الحادى والعشرين ومتطلباته، ومصر لن تتوانى أبداً عن أن تكون إحدى الدول والمجتمعات الفاعلة فى هذا القرن.

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية