x

بالصور والفيديو: مونديال إيطاليا 1934.. مُنتخب «موسوليني» العسكري

الأربعاء 04-06-2014 16:35 | كتب: محمد المصري |
المنتخب الإيطالي يقدّم التحية الفاشية لموسوليني في كأس عالم 1934 المنتخب الإيطالي يقدّم التحية الفاشية لموسوليني في كأس عالم 1934 تصوير : other

في أورجواي كان الفريق المُضِيف يَلعب الكرة كرقصة، في إيطاليا كان الملعب رقعة حَرب لن تنتهي إلا بالفوزِ.

كان النِظام الفاشي بإيطاليا في أوجِ ازدهاره خلال ذلك الوقت، ولذلك فقد عَمَل «موسوليني» بكل قوته من أجل الفوز باستضافة البطولة الثانية لكأس العالم، ترويجاً للأفكار، وإثباتاً لمكانة دولته خلال تلك اللحظة، نفس الأمر الذي حدث في ألمانيا النازية بعدها بعامين حين راهَن هتلر على استضافة الأولمبياد عام 1936.

بتلك الصورة السياسية التي غلبت على البطولة الثانية، لم يكن هناك شيئاً مقبولاً غير الفوز، كان «موسوليني» يحضر كل مباراة للمنتخب الإيطالي ببذلته العسكرية الرسمية، وبصحبته قادة الجيش الكبار، وآلاف من الجنود يملؤون المُدرَّجات، كانت الصبغة الرسمية، وتحديداً العسكرية، واضحة جداً في تلك البطولة.

الأمر الأهم هو أن المُنتخب الإيطالي حينها كان عسكرياً فعلاً، ليس لانتماء أفراده، ولكن لطبيعة النظام المُطَبَّق، تلك الرسالة الصغيرة التي تلقاها المدير الفني للفريق «فيتوريو بوتسو» من «موسوليني» شخصياً كانت تختصر كل شيء، كانت تقول «يجب علينا أن نفوز»، يحكي «بوتسو» بعدها بسنوات أنه ظل ساعات ينظر للرسالة القصيرة، لكلماتها الدقيقة، «يجب» تجعل الأمر حتمياً حين تخرج من لسان رجل مثل الحاكِم الفاشي، ولكن المُعضلة الحقيقية كانت في الـ«نا» بكلمة «علينا»، لم يقل في رسالته «عليكم»، بل جعلها بنونِ الجَمْع، وكان يقصد أن الأمر أكبر كثيراً من فريق كرة قدم، كانت المنتخب يَلعب باسم النظام والدولة و«موسوليني» نفسه.

«بوتسو» فهم الرسالة جيداً، أقام للاعبيه معسكراً مغلقاً في جبالِ الألب قبل أن تنطلق البطولة، بعزلةٍ تامة، حتى الرسائل التي ترد لهم من موطنهم كان يقرأها قبل أن يسلمها إليهم، ويستبعد أي خطابات عاطفية من شأنها تقليل تركيزهم، فقط تدريبات، عسكرية الطابع، بشكلٍ يومي لمدة شهر، «والفريق خرج من هنا متحداً ككتلةٍ واحدة، منصهراً، وعاقد العَزم، ولديه ذات الرغبة».

انطلقت البطولة في العاصمة روما في 27 مايو عام 1934، بحضور 16 فريقاً، وعلى عكس البطولة الأولى فإن البلدان الأوروبية لعبت في تلك المرَّة بـ12 منتخباً، بالإضافة إلى ثلاثة من الأمريكيتين، البرازيل والأرجنتين والولايات المتحدة، وليس من بينهم أورجواي التي رفضت الحضور للدفاعِ عن لقبها رداً على عدم حضور إيطاليا للبطولةِ الأولى، بينهم كان البلد السادس عشر الممثل لباقي العالم هو مصر.

وعلى عكسِ البطولة الأولى التي أقيمت بنظامِ المجموعات، فإن البطولة الثانية لُعِبَت بنظامِ المباراة الواحدة، قُسّمَ الـ16 منتخباً لثمانية مباريات بنظامِ خروج المَغلوب.

مسيرة المنتخب الإيطالي كانت الأكثر إلهاماً نحو لقب البطولة، تحمل الصّفة التي غلبت على مرحلة التحضير، وعلى نيَّة «موسوليني» في حِمل المنتخب لهوية نِظامه، كانت كل مباراة هي «حرب»، فباستثناء المباراة الأولى التي فازت بها إيطاليا على الولايات المتحدة 7-1، كانت كل 90 دقيقة أخرى تعني الموت، بدءً من مباراة «أسبانيا» الثانية.. أحد أعنف المباريات في تاريخ كرة القدم، «مباراة دموية» كما وصفها «بوتسو»، انتهت 1-1 وأُعيدت في اليومِ التالي، ولكن بعد إصابة 7 لاعبين من أسبانيا، و4 لاعبين من إيطاليا، «كنت أسمع صوت ارتطام العِظام من المنطقة الفنيَّة»، وفي الإعادة فازت إيطاليا 1-0، قبل أن تلعب مباراة الدور قبل النهائي أمام ما يفترض أنه أفضل منتخب أوروبي بعدها بيومين فقط، ولم تكن مباراة النمسا أقل حدة أو قسوة، فاز الفريق في النهاية 1-0 أيضاً، «وكانوا مُنهكين بعد أن خاضوا ثلاثة معارك في أربعة أيام»، ولا يوجد وصفاً أدق من «معركة»، «300 دقيقة من اللعب الشاق، بل والعنيف، دون تهاون أمام المنافس أو الإرهاق»، «كانوا يلعبون مثل جندي جريح لا يريد الرحيل عن خط المعارك أو ترك زملاءه، فيواصل القتال رغم الآلام».

المزاج العام في إيطاليا كان يعامل كُل مباراة باعتبارها معركة، والبطولة بصفتها حرباً، وأمام 50 ألف مُشجَّع، يتقدَّمهم «موسوليني»، في المباراة النهائية أمام تشيكوسلوفاكيا، لم يكن الفوزِ إلا مسألة وقت، حتى بعد تقدَّم الخِصم بهدفٍ في الدقيقة 78 بتسديدة بعيدة المدى لحارس إيطاليا «كومبي»، لم تمر سوى ثلاثة دقائق فقط قبل أن يتعادل «ريميونودو أورسي»، في أجمل أهداف البطولة، لمنتخبه، مما يذهب باللقاءِ إلى وقتٍ إضافي.

«لاعبونا كانوا أشبة بالجثث» كما يصف «بوتسو»، ولكن إشارة تحيَّة وجهها لهم «موسوليني» كان لها أثراً قوياً، «هيا أيها الفتيان إلى الفوز»، وهو أمر لم يتأخر، بعد أن أحرز هدَّاف المنتخب في البطولة «أنجليو شافيو» هدفه الأهم في الدقيقة 95، ليصبح منتخباً حاد الطباع ذو قواعِد عسكرية كإيطاليا هو بطل النسخة الثانية من كأس العالم، تماماً كما خطط «موسوليني».

وبالنسبة لمديرٍ فني عَجوز كـ«فيتوريو بوتسو»، لم يكن يهتم في سنواتِ حياته الأخيرة بكل هذا الجدل الذي دار حول تلك البطولة، سقطت الفاشية، أُعْدِم «موسوليني» ومُثّلت بجثته، بدأت إيطاليا عَهداً جديداً، والشيء الوحيد الذي بقى من صيفِ 1934 البعيد هذا هو أن المُنتخب قد فاز بكأسِ العالم، وهو أمر استدعى فخر «بوتسو» حتى اليوم الأخير من حياته.

«أيام كالتي عشناها في مرحلة الإعداد في جبال الألب وروزيتا، ومعارك كالتي خضناها في تلك البطولة لا يمكن أن تنسى. ولا يمكن لأي ممن عاشوها أن ينساها. إنها تجارب تجعل المرء يفخر بأنه إيطالي».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية