x

4 ساعات اشتباكات: كرداسة من «بشرة خير» إلى «بؤرة خوف»

الثلاثاء 27-05-2014 20:58 | كتب: هيثم محجوب |
اشتباكات بين الأمن والإخوان بكرداسة اشتباكات بين الأمن والإخوان بكرداسة تصوير : هيثم محجوب

هنا كرداسة.. المعقل الإخوانى وموقع أحد أكثر حوادث الإرهاب دموية فى قسم الشرطة، وكذلك استشهاد اللواء نبيل فرج برصاصات الغدر، ولكل ما سبق ورغم التأمين الحازم لقوات الجيش والشرطة، إلا أن الجميع توقع أن تخرج «كرداسة» وعناصر الشغب الإرهابية بها عن سيمفونية الاختيار بين مرشحين، أحدهما سيصبح الرئيس السابع للجمهورية.

بدأ صباح أمس بكرداسة متناغماً مع «بشرة الخير» التى يراها المصريون الخطوة قبل الأخيرة لخارطة الطريق، إلا أن الإرهاب لم يخيب مشاعر الخوف والترقب من اشتعال الموقف، حيث خرجت مسيرة يتصدرها عناصر جماعة الإخوان، وحاولوا اقتحام لجنة مدرسة الفتح بمنطقة بنى مشدول بكرداسة، ما قابلته قوات الأمن بتدخل سريع لصد بؤرة الشغب عن إفساد العملية الانتخابية، فعادت عناصر الإخوان أدراجها محاولة قطع الطريق أمام المصوتين باللجان.

«المصرى اليوم» عايشت مشاهد الاشتباكات بالصور بين عناصر الشغب وقوات الأمن.. عبر السطور التالية.

استقبلتنا هتافات يقودها مجموعة من الأطفال بالصف الأول للمواجهة، فيما اكتفت مجموعة أخرى من الشباب الأكبر سناً وحتى الأربعينيات بالتوجيه والدعم من الصفوف الخلفية، وعلى الطرف الآخر يقف الجنود مرتدين واقيات الرصاص، بينما يظهر فى الصف الثانى ضباط القوات الخاصة للشرطة دونما واقٍ.

وبدا الأمر خطيراً حقاً فى تلك العيون التى تراقب الأوضاع قبيل الذهاب إلى التصويت، بينما ارتفع علم مصر بجانب الرؤوس التى أطلت من الشرفات تتابع فى حذر ما يجرى فى أرض المعركة، وهدوء نسبى يسيطر على الأجواء، بينما تسمع همهمات الصف الثانى المحرك للاشتباك، سيدات يحملن قدور الطعام ومشترياتهن من الأسواق، وتظهر بقعة الحبر السرى واضحة على أصابعهن معلنات انتصارهن فى معركة السياسة التى خاضتها كل منهن مؤقتاً، قبيل العودة لمعركة الحياة اليومية التى ينتظرن حلولها على يد الرئيس الذى اخترنه.

يرتفع صوت رجل بدا من ملبسه أنه أحد سكان بنى مشدول ويكسر حدة الصمت صارخاً فى أحد ضباط الأمن المركزى قائلاً: «والله اللى بيحصل ده حرام، إحنا زهقنا يا حضرة الضابط، وعايزين ننزل نصوت فى الانتخابات، لكن خوفنا على عيالنا مانعنا نتحرك، وكمان الغاز اللى بتضربه خنقنا جوه البيت»، فأجابه الضابط بإيماءة من رأسه وقال «إحنا بيقع مننا عساكر يا حاج اعتبرهم ولادك برضه».

ودون سابق إنذار، وبعد أن انتهت همهمات الصف الثانى، انطلقت صيحات الأطفال المدفوعين للمقدمة تسب كل ما تلى ليلة الـ30 من يونيو، تسب المواطنين الذين أدلوا بأصواتهم، وتدعو الذين بيتوا نية للذهاب بأقذع الألفاظ، ونال كلا المرشحين نصيباً من السباب.

وبخطوات لم يشوبها الحذر على الإطلاق تقدم صف الصبية وأغلبهم يمسك بحجر يلقيه على قوات الأمن، دونما أن تتسبب رمياتهم فى أى خسائر، إلى أن تقدم شاب يرتدى قميصاً أصفر، واضعاً يده اليسرى فى جيب بنطاله، أخرج «بلية» وضعها فى «نبلة» قبضت عليها يده اليسرى، ثم صوب، وصوب، وصوب مجدداً، ليصدر جسد المدرعة صوتاً مسموعاً معلناً وجود الأهداف فى مرمى الرامى، وتصيب رمياته جنديين أحدهما فى الرقبة والآخر فى الوجه.

وقبيل أن تنطلق قنابل الغاز المسيل للدموع مرة أخرى، تقدم شاب آخر، كان واضحاً من ارتدائه «شبشب» أنه أحد سكان المنطقة، وبيده اليمنى أمسك بأسطوانة معدنية لامعة، واقترب أكثر إلى الصف الأمامى، بينما يغطى تقدمه الأطفال بوابل من الحجارة، اقترب أكثر، صوب فوهة الأسطوانة صوب مدرعة الأمن المركزى، وجذب بيده اليسرى سلسلة كانت معلقة بنهاية الأسطوانة، فانطلقت الألعاب النارية صوب الجنود، وصاح أحد الضباط «بيضربوا باراشوت يا رجالة، كل الناس تهدى وتاخد المدرعة ساتر»، ثم رفع فوهة بندقية الغاز المسيل للدموع دونما إطلاقها، ليعود الهدوء مجدداً للشارع الضيق الذى يشهد الاشتباكات بالقرب من لجنة التصويت، بينما تقدم أحد الشباب المحركين للمسيرة إلى الصف الأول، وجلس على ركبتيه ورفع إشارة رابعة فى وجه قوات الأمن ليبدأ الهتاف مجدداً «الداخلية بلطجية».

ساعتان طويلتان مرتا بين شد وجذب، اخترقهما أحد سكان العمارات بخروجه من بوابة منزله، وخروجه عن نص الحذر، ممسكاً بعلمين لمصر، متقدماً نحو صفوف عناصر الشغب وهو يصيح، «أنا هاروح اللجنة ويبقى حد يقربلى»، حاول أحد الجنود إثناءه عن قراره، لكن صيحة أحد الضباط للمجند أعادته مرة أخرى خلف باب المدرعة.

واستمر تقدم الرجل لصفوف الأطفال المدفوعين للصف الأول بهتاف وحجارة وألعاب نارية، ورفع يده إليهم وكأنه يطلب منهم التحلى بالهدوء، وربما كان شعره الأبيض سبباً فى صمت وهدوء استمرا لثوان قليلة، قبل أن يتقدم الشاب المنوط بإطلاق الألعاب النارية إليه، وفى يده أسطوانة حديدية جديدة، ودون أن ينطق بكلمة، كانت خطواته نحو الرجل كافية لإسقاط الوقار الذى منع الأطفال رميه بالحجارة، فعادوا لفعلتهم مرة أخرى، وطأطأ الرجل رأسه متفادياً رمياتهم، ومازالت قدماه تخطوان للأمام، إلا أن جذب الشاب للسلسلة المعلقة بنهاية الأسطوانة أخفى الرجل عن الناظرين، وفى لمح البصر فر إلى أحد الشوارع الجانبية متفادياً قذائف الباراشوت.

وشاب آخر قاده حظه العاثر إلى الخروج من تلك الحارة إلى موقع الاشتباكات، هنا رفع ضابط الأمن المركزى فوهة بندقيته ليطلق قنبلة غاز مسيل للدموع فى اتجاه الشاب ومجموعة الأطفال، ليغيبوا جميعاً عن النظر، ويخلوا الشارع وتستمر الرؤوس المطلة من الشرفات فى انتظار موعدها مع صناديق الاقتراع، ساعة أو أكثر مرت فى هدوء».

شابه بعض الهمهمات من جنود الأمن المركزى، وضحكات أعلنت الراحة، فألقى الجنود بأجسادهم الثقيلة على أرصفة الشارع فى انتظار الإشارة بالعودة مرة أخرى إلى موقع تمركز قوات التأمين، أو التقدم ودفع عناصر الشغب لمسافة أكبر، وكسر الصمت انفجار محدود تناثرت على إثره بعض الشظايا والحجارة الصغيرة الناتجة عن تفتت الأسفلت، حيث انفجرت قنبلة المون بدائية الصنع، كما قال أحد الضباط مفسراً ما حدث، وهرول الجنود كل إلى موقعه، بينما أطلت رؤوس عناصر الشغب مرة أخرى بنفس الوجوه، وبعد أن تقدم ضابط يبدو أنه قائد القوة إلى جميع الضباط والجنود، ثم إلىّ ليطمئن بألا مكروه أصاب أحداً، انطلق داخل المدرعة فى غضب وخرج وقد سبقته فوهة بندقية لا تشبه تلك التى تطلق الغاز المسيل للدموع، وأطلق طلقة واحدة مدوية تجاه صفوف عناصر الشغب، ليفر الجميع.

هرولت لتفقد سقوط هدف الطلقة المدوية لكنى لم أجد مصاباً، فصاح بى الضابط «دى طلقات صوت.. فشنك يعنى»، وقبل أن يكمل كلمته يصدر جهازه اللاسلكى صوتاً معلناً بدء إشارة قادمة إليه من قيادته التى تمركزت أمام بوابات لجنة مدرسة الفتح على مسافة قاربت الـ300 متر قائلاً «إبدأ الإشارة، ما مصدر الطلقة النارية»، فيجيبه الضابط «فشنك يا فندم، طلقة صوت بعد ماضربوا علينا قنبلة مونة»، فجاءه الصوت عبر اللاسلكى «فيه مصابين عندك من الرجالة؟» فيعيد الإجابة «لأ يا فندم الحمد لله» فيأتيه صوت رئيسه مرة أخرى قائلاً «خلينا أهدى من كده، مش عايزين الناس تقلق، تعامل بأقل تصعيد»، فيجيب «علم، تمام يا فندم».

دقائق، وتختفى مجموعة الأطفال ومن وراءهم من الصورة، ويسترخى الجنود مرة أخرى، وتختفى الرؤوس المطلة من الشرفات، لتأخذ أقدامها مكاناً فى شوارع بنى مشدول متجهة إلى لجنة التصويت بمدرسة الفتح، وبيدها بطاقة الرقم القومى، وتعود المدرعة أدراجها إلى نقطة تمركز قوة التأمين وخلفها رجال المباحث بكرداسة و10 من عناصر الشغب، ومعهم نخرج من كرداسة بعد أن عاد الهدوء يخيم على الأجواء، لينتهى اليوم على عكس ما بدأ.. دون بشرة خير، وبخوف من غدٍ آت باشتباك وعنف محتمل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية