تظل المطربة اللبنانية ماجدة الرومى حالة استثنائية فى عالم الغناء العربى، فهى لم تنجرف وراء طوفان الإسفاف الذى سيطر لفترات طويلة على الساحة الغنائية، ونجحت فى أن تحافظ على مكانتها كواحدة من الأصوات التى تمنح عشاق الكلمة الجميلة قدرة على التحليق فى عالم مثالى خالٍ من الحقد والكراهية.
في أحيان كثيرة تغيب ماجدة عن مصر، لكن مصر لا تغيب أبداً عن خيالها، لذلك لم يكن غريباً أن تتساقط دموعها وهى تتابع ثورة 30 يونيو عبر شاشة التليفزيون، وكذلك عندما زارت قبر أستاذها يوسف شاهين الذين قدمها على شاشة السينما فى فيلم «عودة الابن الضال».
وفى حوارها مع «المصرى اليوم»، تؤكد ماجدة الرومى أن الوطن العربى يتعرض لمؤامرة، مؤكدة أنها تمنت أن تعيش قصة حب مثل التى عاشها والدها مع والدتها.
وإلى نص الحوار..
■ كيف رأيت ثورة 30 يونيو؟
ـ أرى أنها ثورة شعبية، حيث خرج ملايين المصريين مثل النهر الجارف، وكسروا كل الحواجز وتخطوا كل الصعوبات، وحققوا رغبتهم فى التغيير، ومن شدة فرحتى بمشاهد الثورة التى تابعتها لحظة بلحظة عبر شاشة التليفزيون تساقطت دموعى وبكيت بشدة، فمصر كانت تواجه خطرا حقيقيا لكن بقوة جيشها وشعبها تخطت كل العقبات، وبالتأكيد لن ننسى أن الجيش المصرى هو من كسر أسطورة خط بارليف، وهو حصن الأمان لكل المصريين، وبشكل شخصى لدى إيمان مطلق بأن مصر ستعود مرة أخرى أقوى مما كانت، وأن شعبها لن يعيش إلا حراً، خاصة أنه أدرك أبعاد المؤامرة.
■ هل ترين أننا نتعرض لمؤامرة؟
ـ نعم، فما يحدث فى الوطن العربى ليس وليد الصدفة، بل مؤامرة مرتبة ومنظمة هدفها تفتيت الأمة العربية وإضعافها، وتحويلها إلى دويلات صغيرة بعد تدمير قوة الجيوش، وفى النهاية ستظل إسرائيل هى الدولة الوحيدة القوية التى تنعم بالأمان، بينما الشعوب العربية تتآكل وتتفكك وتنهار داخلياً، هذا الزمن لا بد أن ندق فيه ناقوس الخطر، ونساند مصر بكل قوتنا، لأن مصر خط دفاع أول عن العالم العربى، ولو مصر أصابها مكروه فلن يستطيع أى إنسان عربى يقول هذا بيتى.
■ يبدو أنك اعتمدت فى تفسيرك لما يحدث على تحليل بعض المفكرين السياسيين؟
أنا لا أفهم فى السياسة وما يعنينى هو العروبة، ومن الواجب على أى مواطن صالح يحب بلده أن يدافع عنه، وبشكل شخصى التزمت بهذا النهج منذ بدايتى الفنية، كما أننى أنتمى لبيت لديه من العروبة ما يكفى لكى أكون متعاطفة مع القضايا التى تواجهها الأمة العربية، وفى أحد الأيام قرأت كتاباً اشتراه والدى حليم الرومى بعنوان «بروتوكولات حكماء صهيون»، وقال لى ولأشقائى لابد أن تقرأوا هذا الكتاب حتى تفهموا من تكون هذه الدولة المزروعة بيننا، وأشقائى لم يهتموا بذلك لكن كان لدى اهتمام بالتاريخ، وبالفعل قرأت الكتاب، وأؤكد لك أن ما يحدث حاليا موجود فى الكتاب.
■ هل بعض الحكام لا يرغبون فى وحدة العرب؟
ـ هذا شىء طبيعى وواضح للكل طبعاً، ولا أملك إجابة عن ذلك.
■ هل ترين أننا فقدنا جزءا من كرامتنا خلال السنوات الماضية؟
ـ بالتأكيد، فالكرامة العربية مخترقة من عدة نقاط، وتوجد مشاهد كثيرة مؤثرة كنت أتمنى ألا أشاهدها داخل أمتنا العربية.
■ مثل ماذا؟
ـ مثل مشهد مقتل أطفال سوريا والمناظر البشعة التى نراها على شاشات التليفزيون، فمثل هذه المناظر لا أتحمل رؤيتها، وللأسف هذا المشهد يتكرر فى أكثر من دولة عربية بما فيهم بلدى لبنان، حيث شاهدت ضحايا وأبرياء كثيرين يتساقطون دون أى ذنب لمجرد أنهم مروا بالصدفة فى موقع التفجير، ولم أتماسك أيضاً عندما شاهدت منظر الأطفال المصريين الذين تم إلقاؤهم من فوق سطح إحدى العمارات دون رحمة، وكما قلت لك هذا المشهد يتكرر فى بلدان كثيرة على خط النار مثل العراق وليبيا وغيرهما.
■ وما أصعب اللحظات التى مرت عليك؟
ـ أيام الحرب اللبنانية، حيث عشنا أياما لا أتمناها للعدو، وما زلت أخاف على لبنان، لأنها على صفيح ساخن، وتمر بخطر مثلها مثل عدد كبير من الدول العربية.
■ وماذا عن القضية الفلسطينية؟
ـ انشغلنا بمشاكلنا والصراعات الداخلية، بينما كل يوم يتم ارتكاب جرائم بحق الفلسطينيين ولا يلتفت أحد إليهم، والفلسطينيون أصحاب حق ولن أصدق إلا عدالة السماء.
■ ما حقيقة شعورك بالندم، لأن والدك الموسيقار حليم الرومى توفى وهو غاضب منك؟
ـ لم يكن غاضبا منى بالمعنى المعروف، لكن ما حدث أنه كان معترضاً على خطوة ارتباطى وحذرنى من تلك الخطوة، وأكد لى أنها ستصبح مأساة كبيرة، لكن خبرتى فى الحياة كانت قليلة نظرا لصغر سنى، وبالفعل ما حذرنى منه والدى وجدته فى حياتى، لذلك كنت أتمنى أن اعتذر له قبل أن يفارق الحياة، ويؤسفنى أن أكون ابنة عاصية، لكنى تعلمت منه أن أكون إنسانة أولاً وأخيراً، وألا أحول صوتى إلى سلعة وفنى إلى تجارة، كما تعلمت أن الأصعب دائماً هو أن أحتفظ بكرامتى واحترامى لنفسى، فما أسهل أن تنحرف خطوات الإنسان ليحقق شهرة زائفة أو مكسباً مادياً سريعاً، لكن الصعب هو أن يظل يحترم نفسه، وأنا مازلت أعيش فى منزل بالإيجار فى بيروت، ولا أمتلك قصراً ولا حتى شقة، لكنى أشعر بالفخر لأننى لم أقدم إلا ما أرضى عنه، وأن أيامى خالية من التنازلات ومليئة بالاحترام.
■ لماذا صرحت بأنك تتمنين أن تعيشى الحب الذى عاشه والدك مع والدتك؟
ـ لأن علاقة الحب التى كانت تربطهما لها طابع خاص جداً، فهى مليئة بالدفء الإنسانى الذى يجعل الإنسان يشعر بالأمان.
■ غبت عن إحياء الحفلات فى مصر لفترة طويلة، فما شعورك وأنت تعودين من جديد؟
ـ شعورى وأنا أقف أمام هذا الجمهور لا يمكن وصفه، لكن دعنى أتحدث عن علاقتى بمصر وجذورى المصرية، فأنا لا أعتبر نفسى غريبة عن هذا البلد، ومازلت أتذكر عندما زرت القاهرة وعمرى 16 عاماً، وقدمت مع المبدع الكبير الراحل يوسف شاهين فيلم «عودة الابن الضال».
■ ألا تشعرين بالندم بسبب اعتذارك عن عدم العمل مع أحمد زكى؟
ـ بالتأكيد أشعر بالندم، وأرى أننى ارتكبت خطأ كبيرا بسبب اعتذارى عن عدم العمل مع العبقرى الراحل أحمد زكى.
■ متى ستطرحين ألبومك الجديد؟
ـ لدى ألبوم أحضر له، لكنى لن أقدمه للناس فى الوقت الحاضر، حيث أنتظر استقرار الأحوال، لكنى حالياً أحضر لأغنية «سينجل» أعتقد أنها ستكون ملائمة للوضع والظروف الحالية، كما أحلم بعمل وطنى كبير أقدمه لمصر.
■ وهل ستتبرعين بعائد الأغنية أو الألبوم الجديد لصالح مشروعات خيرية كما فعلت فى ألبومك السابق؟
ـ وما الذى يمنع ذلك.. فالفنان جزء من الناس، وإذا لم يشعر الفنان بمعاناة جمهوره ويعمل على تخفيفها فمن سيشعر؟، ومن سيعمل؟، فأنا أتمنى أن أساهم من خلال صوتى ولو بجزء بسيط فى تجفيف منابع المعاناة، ودعم أهل بلدى ليستعيدوا كرامتهم وقدرتهم على الصمود والمواجهة.
■ ما رأيك فيمن يرى أن ماجدة الرومى مطربة النخبة؟
ـ لا أرى ذلك، والدليل الجماهير الغفيرة التى حضرت حفلى الأخير بالإسكندرية، فهى كانت تمثل معظم فئات المجتمع ومختلف المراحل السنية.
■ كيف اخترت أغنيات ألبومك الأخير «غزل»؟
ـ معيارى فى الاختيار كان يعتمد على الانسجام بين الأغنيات، وتناغمها فى وحدة فنية وإنسانية.
■ ما رأيك فى وضع الغناء حالياً؟
ـ الغناء حالياً يأخذ اتجاها تجاريا بحتا، ومن يتولى العملية الإنتاجية يصور للفنانين أن هذا الاتجاه هو الصحيح، وهذه كارثة بمعنى الكلمة بعد أن غاب الالتزام الفنى عن الواجهة إلا فيما ندر، وأصبح الملتزمون فنيا يسيرون فى عكس الاتجاه.
■ هل استمعت مؤخرا إلى أغنية لمست إحساسك؟
ـ أحب أغنيات شيرين مثل «مشربتش من نيلها» و«مشاعر»، وعندما استمع إلى أغنية «أنا لا جى أقولك» يتغير مزاجى حتى لو كان مختلفا، وأعيش فى جو شيرين، وأحب كذلك «أتحدى العالم» من صابر الرباعى، والعظيمة ذكرى وكاظم الساهر لأنهم يقدمون الفن الذى يدخل القلب دون استئذان.
■ هل لديك تفسيرا لظاهرة عبدالحليم حافظ؟
ـ مثل هؤلاء الفنانين تعبوا على شغلهم، وظلوا أياما طويلة يبحثون حتى وصلوا لمثل هذه المعانى والأحاسيس، فمثلاً أجد فتاة عمرها 20 عاماً تستمع إلى أغنيات أم كلثوم مثل «ألف ليلة وليلة»، ومثل هذه الأغنيات بُذل فيها مجهود ضخم حتى تعيش حتى وقتنا هذا.
■ هل التقيت المطربة فيروز مؤخراً؟
ـ التقينا منذ فترة طويلة، لكن فيروز العظيمة هى تاج رأسنا، وستبقى دائماً ولكل الأجيال المقبلة صوت لبنان الأول، لأنها تعيش فينا، لذلك هم لا يستطيعون أن يقتلوا «روح لبنان اللى فينا».
■ وما رأيك فى المستوى الذى وصل إليه الغناء الوطنى؟
ـ نظراً للظروف التى نمر بها حاليا لابد أن نعلى نبرة الغناء للوطن، بعد أن أصبح الخطر أكثر.
■ بعيدا عن الفن، هل شعرت بالظلم؟
ـ كثيرا جداً.
■ هل كان ذلك بسبب من هاجموك؟
ـ هؤلاء لا أهتم بهم، وضميرى مرتاح لأننى أتوكل على الله وليس على الناس، وربنا يمنحنى فرصة الرد فى الوقت المناسب، وللعلم الأشخاص السلبيون موجودون فى كل زمان وليس فى الماضى فقط، وحتى لو كنت أفعل كل الخير إلى أقصى حد فإن السلبيين لن يتغيرون، ولا أعتبرهم مقياس تقدمى ولا تراجعى لأن ربنا هو المعيار والمقياس.
■ ولماذا ترفضين الرد دائماً؟
لا أرد على من يسبنى، لأنى لو فعلت ذلك لن أنتهى، لأن هذا الوضع سيتكرر كثيراً.