«الهولوكوست أبشع جريمة عرفتها البشرية في التاريخ الحديث».. ليست تصريحات لكبار السياسيين اليهود، لكنه موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) قبيل إحياء إسرائيل لذكرى ما يسمونه المحرقة النازية.
جاءت تصريحات «أبومازن» ردًا على سؤال حول ذكرى «الهولوكوست»، خلال لقائه نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمى الحاخام مارك شناير، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية «وفا».. فيما نقلت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية عن «شناير» قوله: «إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبلغه نيته إرسال برقية تعزية إلى الشعب اليهودى بمناسبة ذكرى المحرقة».
ويعتبر حديث «عباس» اعترافا نادرًا لزعيم عربي بمعاناة اليهود لما اقترفته النازية بحقهم، حسبما علقت «بي بي سي».. بينما يتندر المصريون والعرب، في تعليقهم على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بعبارة منسوبة للزعيم الألماني، أدولف هتلر، يقول فيها «كان بوسعي أن أمحو جميع يهود العالم من على وجه الأرض لكني تركت لكم حفنة منهم لتعلموا لماذا كنت أفعل فيهم كل هذا»، في معرض تعليقه على ما يسمى «محرقة الهولوكوست».
هذه الأيام، يحيي اليهود ذكرى «الهولوكوست» إلا أنه رغم مضي أكثر من 75 سنة على المحرقة، (1939)، مازالت حقيقة حدوثها محل جدل، في حين يرى البعض أن إسرائيل استغلت الواقعة في «ابتزاز» الدول الغربية للحصول على مزيد من المساعدات وخدمة الأغراض السياسية والمصالح الاقتصادية.
اتفاقية لوكسمبورج وتعويضات «الهولوكوست»
في سبتمبر 1952، وقعت إسرائيل وألمانيا الاتحادية اتفاقية «لوكسمبورج»، وبموجبها التزمت ألمانيا بدفع تعويضات لليهود الناجين من «الهولوكوست» وإسرائيل، باعتبارها الدولة التي ترث حقوق الضحايا اليهود وتعتني بتأهيل أغلبية الناجين.. وتنص الاتفاقية أيضًا على دفع معاش شهري لكل يهودي أينما كان، إذا أثبت تعرضه لمطاردة الحكم النازي في أوروبا منذ 1933 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبعد سنوات من إعلان دولة إسرائيل في مايو 1948، تعرضت لأزمة اقتصادية، فقررت تل أبيب في 1950 مبادرة التفاوض مع ألمانيا الغربية، لمطالبتها بصرف تعويضات. ومازالت ألمانيا تدفع عشرات المليارات لأكثر من 278 ألف يهودي حول العالم كمعاش شهري.
عبدالوهاب المسيري: «هراوة ابتزاز»
الدكتور عبدالوهاب المسيري، أحد أبرز المفكرين العرب الذين كتبوا عن «الهولوكوست»، وكان له العديد من الكتابات حول حقيقة الواقعة، من بينها كتابه «الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ» كانت الطبع الأولى منه في عام 1997. وفي أبريل 2004، تطرق «المسيري» لذلك، في مقال نشره موقع قناة «الجزيرة» جاء بعنوان «تجارة الهولوكوست الرابحة»، وقتها كتب: «هذه الحادثة يمكن أن تستخدم كهراوة لابتزاز بعض الدول الأوروبية لإرغامها على مساندة إسرائيل».
يقول «المسيري»: «ومن المفارقات اللافتة للنظر أن إضفاء صفة القداسة على (الشعب اليهودي)، أو النظر إلى اليهود كشعب متفرد مكتف بذاته ولا مرجعية له خارجه قد سهلت حوسلتهم (أي تحويلهم إلى وسيلة أو توظيفهم لتحقيق غاية ما)، ذلك أن إضفاء القداسة على شخص وجعله مرجعية ذاته يعني أيضًا استبعاده من نطاق الإنسانية المشتركة، مما يجعل (حوسلته) أمرًا سهلاً. وهكذا يتضح أن التحيز لليهود (أي الصهيونية) وعداء اليهود هما وجهان لعملة واحدة.. إلا أن نفس المفارقة التي ينطوي عليها توظيف الحادثة التاريخية تنطبق بالمثل على كلمة (هولوكوست) ذاتها».
«أصبحت الكلمة تُستخدم حاليًا للإشارة إلى معان شتى تبتعد تمامًا عن المعنى الأصلي. فعلى سبيل المثال، يشير بعض الصهاينة إلى ظاهرة الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود بأنه (الهولوكوست الصامت) Silent Holocaust, ووصف إسحق رابين (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) فيلم (قائمة شندلر) بأنه (ليس هولوكوستيًا بما فيه الكفاية)».
وينقل «المسيري» عن الكاتب الأمريكي اليهودي المختص بالشؤون اليهودية والصراع «الفلسطيني ـ الإسرائيلي»، نورمان فلينكشتاين، قوله: «مع نمو صناعة الهولوكوست، أخذ المنتفعون من هذه الصناعة يتلاعبون في أرقام الناجين، وذلك بغرض المطالبة بمزيد من التعويضات، وبدأ الكثيرون يتقمصون دور الضحية. ويعلق على ذلك ساخرًا لا أبالغ إذا قلت إن واحداً من كل ثلاثة يهود ممن تراهم في شوارع نيويورك سيدعي أنه من الناجين».
البرادعي والعريان
لم يغب زخم الجدل حول حقيقة «الهولوكوست» في السنوات الأخيرة والحديث عنها في مصر، في وقت يزعم فيه اليهود أن 6 ملايين يهودي قتلوا في «المحرقة».
وفي نوفمبر 2012، أثارت تصريحات الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، لصحيفة «دير شبيجل» الألمانية، التي أرجع فيها سبب انسحاب بعض أعضاء القوى المدنية من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي بقوله: «إننا جميعًا نخشى تمرير الإخوان المسلمين لوثيقة بمسحة إسلامية تعمل على تهميش حقوق المرأة والأقليات الدينية.. وهناك من بين الإسلاميين داخل الجمعية التأسيسية من ينكر محرقة اليهود (الهولوكوست)، ومن يحرِّم الموسيقي، ويقول: إنها تخالف الشريعة، ومن يدين الديمقراطية بشكل علني».
آنذاك، سخر «الإخوان» والإسلاميون من البرادعي، وقال المحامي عصام سلطان، عضو الجمعية التأسيسية الأولى لوضع الدستور، في صفحته على «فيس بوك»: «الشيء الوحيد الذي لم نستطع إدراجه بالدستور هو اشتراط اعتناق الهولوكوست، فعذرًا للدكتور البرادعي».
وطالب «سلطان» المتظاهرين مع البرادعي ضد «تأسيسية الدستور» في ميدان التحرير، بأن يُراجعوا أنفسهم ويعترفوا بـ«الهولوكوست» قبل الذهاب إلى الميدان، وأن يعترفوا صراحة بالمحارق اليهودية على يد النازية وفقا لرؤية اليهود، وما ترتّب عليها من آثار.
وفي لقاء تليفزيوني للإعلامي محمود سعد مع البرادعي، رفض الأخير قول الدكتور عبدالوهاب المسيري بأن «الهولوكوست» لم تحدث، موضحًا «قد يكون الدكتور المسيري دقيقا في أبحاثه لكن ما أعرفه هو إن أنا شوفت معسكرات اعتقال فيها أفران وصور الأطفال اللى دخلوا في المحرقة، قد يختلف أحد في العدد، لكن لا أنكر حقيقة».
وبعد شهور من الهجوم الذي تعرض له البرادعي من «الإخوان» بسبب «الهولوكوست»، أدلى الدكتور عصام العريان، القيادي الإخواني، بتصريحات لجريدة «واشنطن بوست»، قال خلالها «نعم الهولوكوست مذبحة عرقية دينية وهي جريمة كبيرة حقا.. لكن لماذا نتهم نحن بها ويدفع الفلسطينيون ثمن جرائم النازي؟».
مما لاشك فيه أن الحديث عن «الهولوكوست» بيّن الجدل حول حقيقة ما حدث وتوظيف إسرائيل لها في ابتزاز ألمانيا والدول الغربية سياسيًا واقتصاديًا، في وقت تستمر فيه الممارسات الاستبدادية لـ«الشعب المختار» ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.