لم يتحملوا هم وأطفالهم برودة الجو، بعد أن تحطم كل زجاج شققهم وانهارت أجزاء من بعضها، فهجروها لشقق أقاربهم وأصدقائهم.. هذا هو حال أغلب سكان منطقة «العباسى» أو الحى التجارى الذى يقع خلف مبنى مديرية أمن الدقهلية. المشهد بعيون السكان، حسبما قالوا فى شهاداتهم لـ«المصرى اليوم»، يتلخص فى التحول من النقيض إلى النقيض من الهدوء إلى ما يشبه الزلزال بسبب الانفجار الذى رج منازلهم. صدمة لم تدع للعقل مجالا للتفكير، فكل التصرفات التى أعقبت سماع الانفجار عشوائية: ما بين الجرى، ومحاولة الهرب من خطر لا يعلمون مصدره، ومحاولة الاحتماء بأى ساتر. كان هذا هو حال سكان المنطقة وأصحاب المحال الذين تجولت الجريدة داخل شققهم، لرصد ما لحق بها وبهم من أضرار.
فى إحدى العمارات الواقعة خلف مديرية الأمن، وقف الحاج محمد غازى يمسك بيده باب نافذته الزجاجى المحطم، قائلا: «كل شبابيك الشقة الزجاج ما فيش حاجة فيها سليمة، كنا قاعدين نتفرج على التليفزيون والدنيا هدوء زى كل يوم فى الوقت ده، فجأة سمعنا صوت انفجار والعمارة بتتهز بينا قلنا زلزال وفى أقل من ربع دقيقة كان زجاج الشقة ده كله فى الأرض».
لأكثر من نصف ساعة لم يكن «محمد» وأسرته قد استوعبوا سبب هذا الصوت الشديد حتى عرف من بواب العمارة أن انفجارا وقع بالقرب من مديرية الأمن هو سبب ذلك، ففهم أن ما أصاب شقته قد لحق بكل سكان المنطقة، الذين تحطمت واجهات شققهم. استدل محمد غازى على قوة الانفجار بمفصلات الشباك الحديدية التى خرجت من مكانها، بعد أن تناثرت المسامير الممسكة بها. يقول: «فى إيه أكتر من الحديد اللى اتحرك من مكانه، بسبب قوة التفجير، وإحنا بعيد عن المديرية!». الزوجة قالت إنها استوعبت قوة الانفجار من شفاط الهواء المثبت فى حائط المطبخ، والذى وجدته فى صالة الشقة. إمام أحمد عطية، أحد الأهالى الذين هجروا شققهم، بعد تحطم كل زجاج الأبواب والشبابيك، حيث لم يتحمل المبيت فى البرد، يقول: «قوة الانفجار حطمت الزجاج، وأزالت معدن الشباك الألوميتال من مكانه». عشر دقائق مرت على إغلاق محله، متجها إلى سكنه فى العمارة التى تبعد أمتارا قليلة عن المحل التجارى بالقرب من مديرية الأمن، قابل أحد جيرانه وأثناء حديثهما الذى لم يستمر كثيرا قاطعه صوت انفجار شديد لم يعلم أى منهما مصدره، إلا أن محيى شاهين، أحد أصحاب المحال بالمنطقة، وفى رد فعل لا إرادى، حسبما يقول، لم يجد نفسه إلا وهو ملقى فوق جاره، ليسقطا معا فوق الأرض.
عرف «محيى»، بعد الحادث بفترة، أن التفجير كان يستهدف مديرية الأمن، إلا أنه يرى أن الإرهاب لا هدف له، فلم تكن الشرطة وحدها هى ضحيته، بل سقط عشرات المصابين والقتلى، فضلا عن خسائر المحال التى تقدر بمئات الآلاف من الجنيهات. وعلى الرغم من كل الخسائر التى لحقت بالبشر والمحال، فإن «محيى» يحمد الله على وقوع الحادث فى هذا التوقيت تحديدا الذى تكاد تخلو فيه شوارع المنطقة من الأهالى.
عاطف العشرى، صاحب محل، يقف أمام حطام وبقايا باب حديدى كان يحمى به المحل، يقول: «التفجير تسبب فى تحطيم أغلب أبواب وواجهات المنطقة التجارية، رغم أنها من الأبواب الحديدية الضخمة التى يحصن بها أصحاب المحال بضائعهم، الأمر الذى ترتبت عليه حالة هياج دفعت بالبلطجية واللصوص لاقتحام المنطقة وسرقة المحال المفتوحة، خاصة المحال التى لم يتمكن أصحابها من الوصول إليها بسرعة، عقب وقوع الانفجار».