يتقن الكاتب الصحفى الكبير، مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، صياغة موقف سياسى متماسك، يكفى لجعله مستقلاً ومحتفظاً بالوقوف على مسافة احترام لأي نظام، سواء كان قريباً جداً منه ( كما كان فى عهد مبارك)، أو بعيداً جداً (كما كان فى عهد مرسى)، أو فى مقام بين المنزلتين، كما هو الآن.
ومنطلقاً من هذا الموقف أكد نقيب الصحفيين الأسبق، أن نظام مبارك «اندثر»، وأن كل ما تبقى منه مجموعة عائلات مستعدة لبيع ولائها لأى حكم قادم، فى حين يفجر راعى المراجعات الفكرية للجماعات الإسلامية فى التسعينيات، مفاجأة جديدة، بتأكيده أن الفكرة التى تعرضت لنقد لاذع فى «عام العنف» الإخوانى، قابلة للتفعيل مرة ثانية مع شباب الإخوان.
وقال «مكرم»: واثق من عزوف الفريق أول عبد الفتاح السيسى عن الترشح للرئاسة، مضيفاً أن المؤسسة العسكرية نفسها أصبحت تعتقد فى أن الديمقراطية هى الطريق الوحيد، مشيراً إلى أن الإخوان هم من يروجون لدى الغرب فكرة أن المصريين متحمسون فقط لـ «المستبد العادل» الذى يتأهب لاستعادة أجواء الحرب الباردة فى الستينيات.
وأشار «مكرم» إلى أن المصريين وضعوا آمالهم في وزير الدفاع، لكونه القادر على ملء فراغ «المرشح التوافقى» فى الانتخابات المقبلة، وإن كان يطالبه بألا يغادر منصبه قبل أن يقضى على خطر «مثلث القنص» بين الإسماعيلية والصالحية وفايد، والذى يمثل «العبور الأول» للإرهابيين إلى منطقة غرب قناة السويس، ما بات يعبر عن خطر داهم على الأمن القومى المصرى، وإلى نص الحوار..
■ هل أنت مطمئن إلى مضى خارطة الطريق بسلام؟
- خارطة الطريق اليوم يمكن قراءتها وفقاً لما يعرضه الإعلام الغربى بأن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى، وأن هناك محاولة لتهيئة الأجواء لتولية الفريق أول السيسى رئاسة الجمهورية، وأن مصر مقدمة على حكم عسكرى يحاول أن يستعيد ظروف الستينيات، ويدخل فى مغامرات مع النظام الدولى، مثلما حدث مع جمال عبد الناصر، وأننا نستعيد الحرب الباردة، وأن المصريين لا يتحمسون للديمقراطية ويفضلون الحاالمستبد العادل،وأعتقد أن قيمة خارطة الطريق تأتى من خلال التأكيد على أن المصريين مصممون على عدم الإنحراف عن الديمقراطية، وقد جربوا حكم العسكر لـ 60 عاماً وجماعة الإخوان لعام كامل، وكلتا التجربتين فشلتا، ولم يعد أمام المصريين إلا أن يكونوا جادين على طريق الممارسة الديمقراطية.
والالتزام بخارطة الطريق أمر مهم وضرورى، وهو الخيار الوحيد السليم المتاح أمام المصريين، ويعد أيضا التزاماً من القوات المسلحة بقبول الحكم الديمقراطي.
■ كنت قريباً من دولة مبارك .. هل ترى أن تلك الدولة تتطلع إلى وصول «عسكرى» للرئاسة؟
- النظام السابق اندثر، وإذا بقى منه شىء، فهو مجموعة من العائلات التقليدية التي تدخل الانتخابات البرلمانية فى ظل الحزب الوطنى، وهم على استعداد لأن يدخلوا الانتخابات المقبلة فى ظل أى حكم جديد، وعادة سيساندون النظام حفاظاً على مصالحهم، فكثيراً ما توزع العائلة نفسها وولاءاتها، جزء يكون مع الحزب الوطنى، وجزء يكون مع القوى القديمة، وجزء آخر مع القوى الجديدة.
ولكن لم يبق من معسكر مبارك شىء على الإطلاق، ومحاولة التركيز على أن هناك «فلول» جاء وفقاً لما روج له الإخوان، وإذا نظرنا لمبارك الآن فلنتساءل: من الذى يقف إلى جواره من أركان حكمه السابق؟، والحقيقة أن كلا منهم أصبح مصيره معلقا بنفسه «صفوت الشريف قاعد فى بيته وقافل على نفسه بالترباس، وحسام بدراوى قليل أما بنشوفه، ومفيد شهاب كنت معاه من مدة قريبة، يعكف على عمله الخاص».
■ متى تتوقع خروجا ثانيا للمؤسسة العسكرية من مشهد إدارة الدولة؟
- حتى لو جاء «السيسى» رئيسا للجمهورية، وأظن أنه صادق فى عزوفه عن هذا المنصب، فهو يعتقد حقيقةً كما قال إن حماية الثورة واحترام إرادة الجماهير وحماية حقها فى الاختيار، أهم لديه من منصب رئيس الجمهورية، لأن وزير الدفاع مهما تم تحصينه فى الدستور بقرارات وبنود، فإن سلطة الرئيس سوف تجب سلطاته، والشعب الذى تغير بعد 25 يناير تغيراً جذرياً، وخرج ضد «مبارك» و«مرسى»، يمكن أن يخرج فى مظاهرات تواجه «السيسى» نفسه إذا رأوا أن هناك انحرافاً عن المسار الديمقراطى، أو إذا استشعروا أن هناك قيودا تفرض على حرياتهم، أو أحسوا أن الحكم الشمولى يعود من جديد مرتدياً ثوبا جديدا.
وعلى «السيسى» ألا يفكر فى ترك منصبه كوزير للدفاع قبل أن ينتهى الخطر الرابض فى قناة السويس، فلأول مرة تعبر «السلفية الجهادية» القناة، وتركز نشاطها فى الإسماعلية،لأول مرة تترقب هدفاً استراتيجياً قومياً وطنياً يتمثل فى المخابرات الحربية، وتحاول السيطرة على المثلث ما بين الصالحية والإسماعيلية وفايد، وتصطاد كل يوم الجنود العائدين والذاهبين من إجازاتهم، كى تقتص منهم، هذا غير أسلوب السيارات المفخخة لهذه الجماعات التكفيرية التى وصلت للقاهرة، ووجود السيسى على رأس وزارة الدفاع يضمن لنا شيئا واحدا فقط هو وحدة المؤسسة العسكرية تحت لواء قائد واحد.
■ هل تتوقع أن يرضخ«السيسى» لإرادة من يرغبون فى ترشحيه، رغم رفضه للمنصب؟
- أغلب المصريين وضعوا آمالهم فى «السيسى»، وإذا أبى هو ورفض، فسيكون من السهل عليهم الخروج فى مليونيات ضخمة مرة أخرى يطالبونه بالتنازل عن موقفه، خاصة أن الأعصاب متوترة، وهناك ترقب للمستقبل، و«الناس لسه بتسأل مصر رايحة على فين؟»، وتزداد هذه المشكلة تعقيداً بما يجرى فى سيناء والإسماعيلية والعمليات المستمرة من الإخوان لنشر الفوضى، وإفشالهم للعام الدراسى، بهدف ألا يكون للشباب «شغلانة تانية» إلا الخروج فى تظاهرات يومية، والذى يعقد المشهد بالفعل، أن معركة الرئاسة القادمة ستواجه بقايا معركة انتخابية رئاسية قديمة، فالمرشحون الذين كانوا موجودين فى السابق هم أنفسهم المرشحون المطرحون على الناس الآن، لم يستطع أحد فيهم أن يتحصل على إجماع وطنى شامل يؤكد لنا أنه سيفوز فى الانتخابات، وحتى الجماعة التى تنتمى لفريق واحد يتصارعون فيما بينهم، بما يهدد بإمكانية عودة المشهد القديم،فتتفتت أصوات الجبهة المدنية، وهذا حدث من قبل بسبب نزول عمرو موسى وأحمد شفيق وغيرهم، بينما توحد التيار الدينى حول شخصية واحدة سواء كان عبد المنعم أبو الفتوح أو محمد مرسى، نحن مهددون بأن يعود المشهد نفسه، ولذلك فالمصريون مصممون على ترشيح «السيسى»، لأنهم لا يرون من يستطيع ملء هذا الفراغ، أو يلم شمل الأمة، ويحصل على مساندة واسعة من غالبية الشعب.
فالسيسى رجل دولة ويفهم بالفعل كيف يجعل الشعب يشارك فى عمل مهم مثلما حدث فى 30 يونيو، واستطاع أن يضيف مهمتين جديدتين لعمل القوات المسلحة، الأولى حراسة حق الشعب المصرى فى حرية التعبير دون ترويع، «لما قال للناس انزلوا للشوارع وعبروا عن موقفكم، والقوات المسلحة مسؤولة عن حمايتكم ولن يستطيع أحد أن يروعكم، فالناس نزلت».
والمهمة الثانية كانت إنفاذ الإرادة الشعبية متى اجتمعت على هدف واحد ،«لما الناس نزلت عشان تشيل مرسى وكان هناك إجماع وطنى على ذلك، طلب السيسى من مرسى أن يقبل بالاستفتاء على منصبه فى انتخابات رئاسية مبكرة، لكن تعقد الموقف برفض «مرسى» واضطر الجيش الى نزع السلطة منه.
■ الرئيس عدلى منصور أخبر زعماء الأحزاب أن إجراء انتخابات رئاسية أولاً سيؤدى إلى خلق ديكتاتور جديد.. مارأيك؟
- أعتقد أن كلامه صحيح، وقال أيضاً أن كثيرا من بنود الدستور تقنن من قيام ديكتاتور جديد، وكانت سلطات الرئيس واسعة جداً فى دستور الإخوان، على الرغم من أن الإخوان ادعوا أنها تقلصت، وكانوا كاذبين، وهذه السلطات الواسعة هى التي مكنته من إصدار إعلانه الدستورى، الذى قال فيه إنه ليس من حق القضاء أن ينظر أو يعترض على أى قرار له سواء فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، والآن قامت لجنة الخمسين بتقليص هذه السلطات، وأعادت توزيعها بين الرئيس ورئيس وزرائه، وعلينا أن ننتظر إلى أن تظهر المسودة النهائية.
■ هل ترتبط نهاية الأزمة التى تمر بها مصر بنهاية أكثر درامية لكل من مرسى ومبارك؟
- أعتقد أن كليهما لن يكون مشكلة كبيرة، ولن يشكلا أى أزمة إذا ما اطمأن الناس إلى المستقبل وزال الخطر الرابض على سيناء وقناة السويس، واقتنع الإخوان أنهم يسيرون إلى طريق مسدود، لكننا نجد أن التهم واحدة للشخصيتين، ولأول مرة فى تاريخ مصر، نجد اثنين من الفراعين تتم محاكمتهما فى نفس التوقيت بنفس لائحة الاتهام، لكن «مرسى» هو الأشد وطأة فى تصورى، فكنا نرى الإمدادات الغذائية والبترولية التى يُدفع بها إلى حماس، ثم يصدر «مرسى» قرار بتجنيس الآلاف من الفلسطينيين، والعفوعن 400 من السلفيين التكفييرين، والتهم الموجهة له ستتزايد، فى ظل ما ينشر عن وجود اتصالات هاتفية متعددة بين تنظيم القاعدة متمثلاً فى أيمن الظواهرى و«مرسى»، وإن صحت ستكون أكثر جسامة من «مبارك» الذى تقلصت الاتهامات عنه فى النهاية.
■ كيف تنظر للتنازع المحتدم داخل لجنة الخمسين حول مادة الهوية والمادة 219؟
- لجنة الخمسين عملت بشكل جيد، وكل ما يعيبها أنها لم تأخذ مواقف حاسمة من قضايا أساسية، الشعب المصرى كان يقول إن المادة الثانية من الدستور التى تؤكد أن مصر دولة إسلامية تكفى، وأن المادة 219 كانت تزيداً لا لزوم له، الهدف منه توسيع مفهوم تطبيق الشريعة «عشان نبقى مخنوقين بهذا المفهوم الموسع اللى ممكن يشمل أشياء كثيرة يختلف عليها الفقهاء والتأويلات»، موضوع الهوية أيضا ليس معقولا أن بعد 7000 الآف سنة المصريين يبحثون عن هويتهم، التي تتمثل فى موقع هذا البلد ودوره الحضارى والثقافى ودينه الإسلامى ورسالته الوسطية، كلنا نعرف ما هوية الوطن، وما أرجوه أن تثبت اللجنة على مادة الفصل ما بين الدين والسياسة، لأن الجمع بينهما هو سبب كل الشرور التى أصابت السياسة المصرية، وأدت بالفعل إلى هذا المسرح الذى لا نرى أوله من آخره.
■ وما رأيك فى قانون التظاهر؟
- مشكلته بسيطة، ما من شك أن هناك توافقا اجتماعيا واسعا على أن كل صاحب مظاهرة يتقدم بإخطار، لا نريد من قانون التظاهر أن يحصن الحكومة الراهنة من خلال قيود جديدة يفرضها على حرية التعبير،«القانون يقول مفيش اعتصام وهذا حل غير عملى»، مؤسسة فيها عمال اغتصبت حقوقهم فما الذى يفعلونه، عليهم أن يعتصموا فى داخل مقارها لفترة محددة لا تتجدد إلا بحكم قضائى، لا ينبغى أن يعطى لوزير الداخلية حق فض أى مظاهرة، وإذا كان مستاء، و«الشعب إللى موجود فى رابعة مستاء، يذهبون لقاضى الأمور المستعجلة يقول أنا طالب فض هذه الاعتصامات بالقوة، لأنها أساءت للبيئة، وحياتنا أصبحت مرعبة تحت ضجيج وإزعاج المعتصمين»، مثلما حدث فى نيويورك.
■ كيف تقرأ ما يتردد عن محاولة توريث السلفيين مقعد الإخوان فى العملية السياسية؟
- السلفيون يضعون ساقاً هنا وساقاً هناك، يصورون لأنفسهم أن «الإخوان» تركت فراغاً كبيراً، وأنهم المؤهلون لملئه، ويتراءى لهم أنهم أكبرالكتل التصويتية عدداً، ويستخدمون كثيرا من أسلحة الابتزاز لفرض آرائهم على المجتمع سواء داخل لجنة الخمسين أو خارجها، ولو أننا نعرف واقعنا جيداً لعرفنا أن ما حدث للإخوان حدث للسلفيين تماماً، فهناك دراسة مهمة أجراها أحد معاهد بحوث الاستقصاء، أجريت على عينة واسعة شملت أكثر من 30 ألف مواطن، قالت إن كل التيارات الدينية مجتمعة لن تأتى بأكثر من 12 % ، فى الانتخابات المقبلة، ولو ترشح «السيسى» سيحصل على نسبة 86 %.
والسلفيون يطالبون بما ليس فيهم وبما لا يستحقونه، يحاولون ابتزاز الموقف الراهن، فأحيانا نراهم عُقَلاء وراشدين، وأحيانا أخرى نراهم طماعين يتحركون بدافع كونهم الورثة الحقيقين لجماعة الإخوان، رغم أنهم بأكثر من وجه، وجه مع الحكومة وآخر مع الإخوان وثالث مع لجنة الخمسين ورابع ضدها.
■ بعد تقديم مرسى للمحاكمة والقبض على أبرز قيادات الإخوان..هل تعتقد أن ثورة 30 يونيو قضت على الجماعة للأبد؟
- لأ طبعاً، ما زالوا قادرين على تحريك عشرات الآلاف من الشباب، ويسيطرون على عقولهم، لذا يتمسكون بالحد الأقصى لمطالبهم، وإصرارهم على رفض الحوار يأتى من يقين علمهم أن ذلك سيفكك وحدتهم، وسيزيد الشروخ فى التنظيم، هم الآن يضعون أنفسهم أمام الحقيقة، ويقدمون اعترافات صغيرة منفصلة ويقولون «آه والله مرسى أخطأ فى موضوع الإعلان الدستورى مثلا»، لكن هل يصفون هذا الإعلان بأنه ردة عن الديمقراطية وأنه جعل حكم الإخوان شموليا وديكتاتوريا، بالطبع لا يفعلون ذلك.
■ متى نجد نهاية لأسلوب الضغط المتمثل فى العنف ضد مؤسسات الدولة لاستعادة حكم المعزول؟
- على الحكومة أن تلتزم بعدة مبادئ، لا عودة لسياسة الستينيات، لا عودة لفتح المعتقلات، لا عودة للعقوبات الجماعية للإخوان، كل من ليس على يديه آثار دماء، وكل ما لم يرتكب جريمة خيانة ينبغى أن يعامل كمواطن عادى، له حق الترشيح والانتخاب، وعدم عمل قوانين جماعية للعزل السياسى، ويجب أن تكون أكثر جدية وتدرك حجم الخطر الذى يواجه مصر الآن، وأنه لابد أن تحصن جبهتها الداخلية من التفكك والانصرام، لابد أن تقدم معلومات شفافة وصحيحة، وترد بحزم على هذا السؤال «هل نحن ماضون بالفعل إلى حكم جديد للعسكر، أم ماضون بالفعل فى خارطة الطريق وصولاً إلى الديمقراطية؟»، وهو السؤال الذى تلعب عليه جماعة الإخوان، وتستخدمه أوروبا فى صحافتها، فالإخوان اليوم يتوقون ليظهروا فى صورة الضحية، نفسهم تحصل كارثة تؤدى لقتل الآلاف كى يصيحوا فى الشوارع «واإسلاماه».
■ هل التمادى فى إثارة أحداث الفتنة الطائفية، يجىء انتقاما من الأقباط بسبب موقفهم الداعم لثورة 30 يونيو؟
- نعم، ما حدث مع الأقباط جاء لهدفين، الأول عقاب الأقباط الذين خرجوا لأول مرة من عزلتهم ونزلوا للاتخابات، وأصبحوا جزءا من اللعبة، فنزول ما يقرب من 4 ملايين قبطى للانتخابات الأخيرة أثر فى موازين كل القوى، وكانت نقمة الإخوان شديدة على البابا تواضروس الذى استطاع فعلا أن يزيل فتيل الفتنة، وقال إن 27 كنيسة فداء لمصر، والأهم منها هو توحد المصريين.
أما الهدف الثانى فهو إثارة الفتنة الطائفية بداخل نفوس الأقباط أنفسهم، بتصور أن هناك جماعات مسيحية يسوؤها دائما الأضرار التى تقع عليهم، وربما ينتفضون يوما ويغالون فى حماية أنفسهم.
■ مازلت تعتقد أن «مراجعات التسعينيات» الفكرية للجماعات الإسلامية بالسجون أثمرت رغم أحداث العنف الأخيرة؟
-حدث خروج عن المراجعات، لكنها أثمرت تاريخيا، ومنذ فترة قريبة قابلت كرم زهدى رئيس الجماعة الإسلامية وناجح إبراهيم المتحدث باسم الجماعة الإسلامية، وسألتهم «إنتو بتعتقدوا عدد الذين ارتدوا عن المراجعة كام؟»، فقالوا «نتصور أن الذين عادوا بتأثير جماعة الإخوان للحكم، وسيشتغلون بالعمل السياسى وربما يتقاسمون السلطة لا يمكن أن يتجاوزوا 10 %»، ومع افتراض أن ذلك صحيح فإن 800 شخص من أصل 8000، هذا رقم كبير، لم يحدث أى اختراق، بل بالعكس عندما كان يخرج أى أحد عن هذه المراجعة كان القادة أنفسهم يبلغون عنه، وبعد وصول الإخوان للسلطة وظهور عاصم عبد الماجد بدأ يقول إننا كنظام إسلامى سنشارك فى الحكم ونتقاسم السلطة، والاتفاق (المراجعة) الذى وقع من قبل حدث مع نظام سقط ولا يلزمنا.
■ وهل يمكن خوض نفس التجربة مع شباب الإخوان الآن؟
- أظن أن ذلك سيتم، لكن لا أعرف متى، خاصة أن موقفهم غريب، فالقادة والقواعد متمسكون بما يسمونه مطالب الحد الأقصى المستحيلة وهذا سينتهى يوماً ما.
■ كيف تقيم أداء حكومة الببلاوى من الناحية الاقتصادية والسياسية؟
- من الناحية الإقتصادية، لولا المعونات العربية 12 مليار دولار، كانت ستقع فى أزمة شديدة، لكن هذه الحكومة لابد أن تفهم أن هذه المعونات لن تستمر للأبد، وبعد فترة ستتقلص، الخلافات ستنشأ حول قضية واحدة هى العدل الاجتماعى، هناك من يطالبون بضرورة اللجوء للضرائب التصاعدية، وهناك من يرى أن الحد الأدنى والأقصى يكفى لتحقيق العدالة وهذا ليس حقيقياً، وهناك من يرى أن العدالة لابد أن تترجم نفسها فى تحسين خدمات الصحة والتعليم لأنها متردية، حتى الآن الناس لم تستشعر أن الحكومة حققت شيئا كبيرا فى هذا المجال.
أما من الناحية السياسية، فالحكومة ليس لديها خطة لضبط الجبهة الداخلية لتعزز صمودها ضد التفكك، لا تتحدث بلغة واحدة ولا بصوت واحد، ففى قضية المصالحة والحوار مع الاخوان، نسمع ألسنة شتى ولغات مختلفة، وذلك يزيد الموقف الداخلى إرباكاً.
■ بعد فضيحة التنصت الأمريكى .. هل نجح الإخوان فى خرق جدار الأمن المصرى لصالح الأمريكان؟
- نعم أعتقد ذلك، فالإخوان كان لهم أعوان داخل مكتب وزير الداخلية نفسه، وجواسيس فى السجون، ومنهم أحد القيادات الرئيسية التى عملت لحساب الأمريكان، وكان من الواضح جداً عندما ذهب خيرت الشاطر ليهدد «السيسى» ويقول له «إيه 30 يونيو دا، دا يوم وهيمر كباقى الأيام مهما كانت نتائجه، العبرة بأننا نملك تنظيمات ربما لن يمكننا السيطرة الكاملة عليها، وستتمكن من أن تفسد استقرار هذا البلد، ونحن بوسعنا عبر هذه التنظيمات أن نحكم مصر 500 عام»، هذا الكلام فيه تواطؤ واضح مع أمريكا ضد مصر، ونعرف جميعا أنهم زرعوا شخوصاً لهم فى كل المناصب الحيوية.
■ وأين كانت أجهزة الدولة من كل هذه الاختراقات؟
- البيروقراطية تخدم من يجلس على الكرسى، وإذا ثبت لها أنه جلس أسبوع، فستعتقد أنه باقٍ لشهر، وإذا مكث شهرا فستعتقد أنه باقٍ لأعوام بل ولعهود طويلة، البيروقراطية المصرية تقدم الخدمة لأى حاكم على الكرسى، وهذا دأب بلد تخضع نخبته لأهواء الإغراء والنفاق، نتيجة لغياب الحكم الديمقراطى، وضياع حقوق المصريين لسنوات طويلة، وليس لأمراض شخصية فيهم.
■ ما رأيك فى دعوات تجميد الملحق الأمنى لمعاهدة السلام؟
- شىء مشروع جداً، والإسرئليون لم يقاوموا، ونحن مخترقون لهذا الملحق، فعدد قواتنا الآن يزيد كثيراً عن حجم المدرعات والدبابات والأسلحة الثقيلة، والإسرائيليون لم يحتجوا على هذا، بل قالوا إننا نقبل ذلك، لأننا نعرف أن المصريين يحاربون فى معركة شرسة ضد الإرهاب، ومن غرائب الأشياء أن إسرائيل هى التى عارضت «أوباما» فى منعه لإمدادات السلاح، وقالوا له إن هذا الخطر سيؤثر على علاقات السلام بمصر، ولا تزال تعارضه فى هذا، لأنها تعلم «لو أن الإرهابيين انتصروا فى سيناء، فأمنها سيهدد»، خاصة لو أنهم تحالفوا مع حماس، «ومش عارف اشمعنى دلوقتى بدأت حماس تطلق صواريخ على إسرائيل، دا وقت لما مرسى كان موجود ما أطلقوش دبانة حتى، ودا عشان يقولوا للمصريين لاء دا إحنا لسه بنشتغل فى المقاومة».