تعد قضية الهوية كمحدد لقيام الدولة القومية The Nation-State بالمفهوم المعاصر أحد أبرز الإشكاليات البحثية التي شغلت حيزًا كبيرًا من دراسات منظري علم الاجتماع السياسي حول مدى تأثير وتأثر كل منهما بالآخر.
وترجع الجذور الفكرية لمفهوم الهوية إلى كتابات قدامى الفلاسفة ما قبل سقراط أمثال، بارميندس، الذين كانت تشغلهم مسألة "هو" و"الآخر" وكيف يمكن التوفيق بين التطور والهوية، فقد عرف عالم النفس الأمريكي "أريك أريكسون" الهوية بأنها "تعني الإحساس الواعي بتفرد الفرد والتضامن مع الجماعة، وانعكاس المظاهر الأساسية لتماسك الجماعة الداخلي على الفرد، أو إدارك الفرد لذاته في ضوء عضويته لجماعة معينة".
إن الاختلاف الحادث بين مفهومى هوية الدولة والهوية الوطنية، لا ينبع من وجود فروق جوهرية بين المفهومين، وإنما ينبع من اختلاف الاهتمامات النظرية والأولويات البحثية لدى متخصصي العلوم السياسية والشؤون الخارجية. فالمهتمون من الباحثين بالشؤون الداخلية، ينظر إلى الهوية على إنها "وطنية"، بينما المهتمون بالسياسات الخارجية والشؤون الدولية يركزون على البعد الخارجي للهوية أي "هوية الدولة".
ويمكن تعريف الهوية الوطنية للدولة إجرائيًا بأنها "مجموعة السمات المشتركة التي تميز الدولة عن غيرها سواء عن طريق التاريخ المشترك، الدين، اللغة، الانتماء القومي".
وفي التاريخ الدستوري للدولة المصرية برزت عناصر الهوية الوطنية في ثلاثة عناصر رئيسة؛ هي: الدين، واللغة، والانتماء القومي، ففي بعض الدساتير كانت هذه العناصر متواجدة نصًا، بينما في أحيان أخرى تم تجاهل النص عليها كما في دستور الجمهورية العربية المتحدة عام 1958، وفي أحيان أخرى تم إضافة بعض المواد لأول مرة مثل إضافة الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، في دستور 1971.
تمثلت هوية مصر الوطنية في دستوري 1923 و1930، بكونها دولة مستقلة ذات سيادة، والإسلام دين الدولة واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وعقب قيام ثورة 23 يوليو، صدرت العديد من الإعلانات الدستورية والدساتير المؤقتة، فصدر الإعلان الدستوري الأول عن ثورة يوليو في العاشر من ديسمبر 1952، وتضمن هذا الإعلان إلغاء دستور 1923، ثم صدر الإعلان الدستوري فى 10 فبراير عام 1953، ولم يتطرق إلى لغة الدولة وكذلك دينها، وإنما اكتفى بالقول بأن حرية العقيدة مطلقة وتحمي الدولة حرية القيام بالشعائر والعقائد طبقًا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب.
ومع نهاية الفترة الانتقالية بعد ثورة 1952 تم إعلان الدستور عام 1956، الذي أكد على الهوية العربية للدولة المصرية فنص على أن "مصر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية"، بينما أكد على مصر دولة إسلامية "الإسلام دين الدولة".
ومع توقيع ميثاق الوحدة بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس السوري شكري القوتلي فيما عرف بالجمهورية العربية المتحدة، أُبطل العمل بدستور 1956، نظرًا لعدم موائمته مع الجمهورية العربية المتحدة، وجاء خلفًا له دستور مؤقت للجمهورية في مارس 1958، الذي عرف الهوية الوطنية للجمهورية بأنها "جمهورية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة، وشعبها جزء من الأمة العربية" لكنه لم يتطرق إلى العقيدة أو الدين الرسمي للدولة.
استمرت الوحدة بين الدولتين قرابة ثلاث سنوات، وبعد عام على الانفصال تم إصدار إعلان دستوري بموجب قرار جمهوري في 27 سبتمبر 1962 - نتيجة لعدم ملائمة دستور الوحدة مع وضع مصر آنذاك - الذي ركز على التنظيم السياسي لسلطات الدولة العليا دون أن يتطرق للهوية الوطنية للدولة المصرية، وفي عام 1964، تم إصدار دستور مؤقت لمصر، ورغم انفصال سوريا ومصر إلا أنه أكد عليها في الدستور بالجمهورية العربية المتحدة، وأكد على الهوية الإسلامية والعربية للجمهورية.
وعندما تولي السادت حكم مصر وضع دستور عام 1971 الذي استمر العمل به قرابة أربعة عقود، وعرف بالدستور الدائم، وقد أكد على الهوية العربية للدولة المصرية من خلال النص على أن "الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة"، وأن "اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة"، كما أكد على الهوية الإسلامية للدولة المصرية فبجانب النص على أن الإسلام دين الدولة، أضاف لأول مرة مادة تنص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع".
وفي مايو عام 1982 تم تعديل نص تلك المادة، ليصبح "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا، عام 1994، في تفسيرها لتلك المادة، على أن الشريعة الإسلامية في الدستور يقصد بها تلك المبادئ التي لا توجد أية خلافات فقهية حول ثبوتها ودلالاتها، والتي لا يسمح بالاجتهاد بشأنها.
وعندما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس مبارك، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد، فعطل العمل بدستور 1971، وأصدر إعلانًا دستوريًا يوم 30 مارس 2011 لإدارة المرحلة الانتقالية بعد موافقة الشعب عليه في استفتاء عام أجري في 19 مارس، وقد أكد الإعلان الدستوري الجديد على الهوية الوطنية للشعب المصري فنص على أن "مصر جزء من الأمة العربية، وتدين بالدين الإسلامي واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
وقد أكدت المسودة التي طرحت في أكتوبر 2012، تمهيدًا لطرحه للاستفتاء العام، على هوية مصر العربية، وأضافت إليها أبعادًا أخرى إسلامية ونيلية وإفريقية وآسيوية، بالنص على أن "الشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية، ويعتز بانتمائه لحوض النيل وإفريقيا وآسيا"، في حين أكدت على أن "اللغة العربية لغة الدولة الرسمية"، وأن "الإسلام دين الدولة، ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
ومن ثم فقد أعادت تلك المسودة الجدل مجددًا إلى واجهة المشهد السياسي المصري بشأن هوية الدولة ومرجعيتها وانتمائها الحضاري والديني.