التعديلات الوزارية من منظور "النموذج المصري للتوزير"

الثلاثاء 08-01-2013 13:35 |

بعد أيام من الشد والجذب والتكهنات والتساؤلات حول مدى وحدود التغييرات الوزارية التي كان الرئيس محمد مرسي قد ألمح إليها في خطابه للأمة بمناسبة إقرار الدستور الجديد، جاءت الصورة قريبة مما كان متوقعًا، وربما بذات الوتيرة التي طالما انتهجتها حكومات سابقة في مصر سواء قبل الثورة أو بعدها، والتي تأتي في سياق ما يمكن أن نطلق عليه "النموذج المصري للتوزير".

ويتلخص هذا النموذج المتبع على مدى عقود في منطلقين اثنين؛ أحدهما: التخلص من الخدمي لحساب السيادي، وثانيهما: التضحية بالاقتصادي لحساب السياسي، أو بمعنى آخر، التغيير على الهامش والأطراف، دون المساس بالجوهر والقلب، ويضاف إلى هذين المنطلقين ويتممهما؛ بطء الاستجابة لمطالب التغيير، وبطء التنفيذ بعد اتخاذ القرار بالتغيير، بما يثير الكثير من البلبلة وربما الشائعات بشأن التغيير المرتقب.

وفي هذا السياق تثار التساؤلات أيضًا بشأن جدوى التغيير الوزاري في هذه المرحلة، وما إذا كان هذا التغيير علاجًا لخلل قائم في هيكل الوزارة الحالية، أم تهيئة لترتيبات قادمة لوزارة "إخوانية" خالصة أو "إخوانية- سلفية"، من المحتمل، إلى حد بعيد، أن تسفر عنها الانتخابات البرلمانية المرتقبة، في ظل القراءة الاستشرافية لمآلات مفردات وسياقات المشهد السياسي المصري ما بعد استحقاق الاستفتاء على الدستور الجديد.

لم تخرج التعديلات الوزارية الجديدة كثيرًا، والتي بلغت عشرة حقائب وزارية، عن المألوف في هذا الصدد، إذ مثلت الوزارات الخدمية نحو 70% من التشكيلة الجديدة، شملت وزارات النقل، والتموين، والكهرباء، والاتصالات، والتنمية المحلية، والطيران المدني، والبيئة، وربما أفلتت وزارتا التعليم والتعليم العالي من هذه التعديلات استثناءًا هذه المرة، بينما لم تتجاوز نسبة الوزارات السيادية في التعديلات الجديدة عن 20% شملت وزارتي المالية والداخلية، بينما جاءت وزارة الشؤون البرلمانية، وهي وزارة دولة، لتكمل عقد العشرية المتغيرة في وزراة الدكتور هشام قنديل.

ولعل القراءة المتأنية للتعديلات الجديدة من منظور "نموذج التوزير المصري" تؤكد استمرارية فرضياته الرئيسة، حيث دفعت الوزارات الخدمية والاقتصادية العبء الأكبر من حالة السخط العام الذي تعانيه حكومة الدكتور هشام قنديل، والتي جاءت ولادتها بعد عملية مخاض عسير على مدى أسابيع عدة أعقبت تسلم الرئيس محمد مرسي مهام منصبه بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو الماضي.

وربما أدت حالة التهاون الأمني الذي أبدته وزارة الداخلية في الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد مؤخرًا منذ أزمة الإعلان الدستوري أواخر نوفمبر 2012 وحتى استحقاقات الاستفتاء الدستوري، إلى أن تشمل قائمة التغيير هذه المرة وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، كما أدى الأداء الهش لوزارة المالية وحالة الارتفاع غير المسبوق للدولار أمام الجنيه المصري، وما أثاره من تحديات أمام إتمام إجراءات قرض صندوق النقد الدولي، إلى التعجيل بتنحية الدكتور ممتاز السعيد عن منصبه، والذي استمر في شغله منذ حكومة الدكتور كمال الجنزوري الثانية.

لسنا بصدد الحديث عن توقعات بشأن التعديلات الجديدة وأثرها على أداء حكومة قنديل، نظرًا لاعتبارها في حكم المنتهية ولايتها، إذ إنه، وفقًا للدستور الجديد، فإن هذه الحكومة ستقدم استقالتها عقب إجراء انتخابات مجلس النواب (الشعب سابقًا) المزمع إجراؤها قبل حلول ربيع العام الجاري، ليتم تشكيل حكومة جديدة من الحزب أو التحالف الفائز بأغلبية المقاعد خلال ثلاثين يومًا من إعلان نتيجة الانتخابات التشريعية.

وإذا كان خمسة من الوزراء العشرة الجدد قد جاءوا إلى مناصبهم بناءًا على ترشيحات من حزب الحرية والعدالة، منهم اثنان من قيادات الحزب هما وزيرا التنمية المحلية والتموين، فهل يعني هذا تهيئة المناخ أمام حكومة "إخوانية" خالصة أو شبه خالصة، في حال إذا تمكن حزب الحرية والعدالة من حسم نتيجة الانتخابات التشريعية لصالحه، سواء بشكل منفرد، أو في إطار تحالف سياسي، قد يكون عريضًا، في حال نجاح الحزب في التوافق مع قوى سياسية لا تنضوي تحت لواء تيار الإسلام السياسي، أو ضيقًا، في حال حدث تحالف استقطابي مع القوى السلفية، في مقابل القوى المدنية التي تواجه تحدي انفراط العقد بعد حالة التماسك التي أبدتها خلال المرحلة الماضية منذ أزمة الإعلان الدستوري وما بعدها.

تساؤلات من هذا القبيل تشغل حيزًا كبيرًا من هموم النخبة، في حين أن ما يشغل بال الجموع الغفيرة من الشعب المصري، ليس توزيع المناصب السياسية، ولا الخلافات الأيديولوجية والفكرية لصراعات النخب، ولكن ما يشغل المصريين حقًا هما معضلتا؛ الأمن والاقتصاد، وهاتان المعضلتان لن تعالجا قطعًا، بمجرد تغيير وزير أو مسؤول، ربما يحمل استقالته في جيبه انتظارًا لما ستسفر عنه انتخابات مجلس النواب المرتقبة، ومن ثم فإن بقاء الحال على ما هو عليه، أو المراوحة والقفز في المكان، ربما ستكون هي شعار المرحلة القادمة حتى تلوح في الأفق إرهاصات الحكومة الجديدة التي من المفترض، نظريًا على الأقل، أن تكون مستمرة وباقية لحين الانتخابات بعد القادمة إلا في ظروف قهرية.

ولعل حالة الفتور يشهدها الشارع المصري على المستوى الشعبوي، تكشف إلى حد بعيد، أن المواطن البسيط لا يعول كثيرًا على تعديلات هشام قنديل الوزارية، والتي جاءت في مجملها لاعتبارات سياسية أكثر منها اعتبارات مهنية أو موضوعية، وخاصة مع صاحبها من تأخر لافت ما بين الإعلان عن التغيير وتنفيذه، ما حدا بالمواطنين إلى مزيد من الشعور بعدم الاستبشار، قناعة منهم أن حكومة قنديل باتت من مخلفات المرحلة الانتقالية، التي يأمل البسطاء من هذه الوطن أن تكون تنقضي على غير رجعة على أعتاب انتخابات مجلس النواب القادمة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية

To Top