حققت حركة تمرد نجاحًا كبيرًا في تجميع الاتجاهات المناهضة للرئيس المعزول محمد مرسي، من خلال فكرة جمع التوقيعات على استمارة سحب الثقة من الرئيس المعزول لتتمكن من جمع نحو 22 مليون توقيع في فترة لم تتجاوز ثلاثة أشهر منذ انطلاقها 22 إبريل الماضي، ما كان تمهيدًا لتلبية دعوتها دعوتها للاحتشاد ونزول الميادين يوم 30 يونيو في ذكرى تولي مرسي الرئاسة، وهو ما حظى باستجابة سريعة من القوات المسلحة أسفرت بالنهاية عن عزل محمد مرسي من منصبه يوم 3 يوليو 2013.
ويثير ما حققته حركة تمرد الحديث عن استمرار نجاح الحركات الشعبية وضعف الأحزاب التقليدية في مصر، وهو النجاح الذي يمثل استمرارًا للتجمعات والحركات الشبابية والشعبية غير الحزبية التي انتشرت قبل الثورة وما بعدها.. وثمة العديد من المعطيات والاعتبارات باتت تشهدها الساحة المصرية في الآونة الأخيرة ساعدت على نجاح الحركات الشعبية بوجه عام وحركة تمرد بوجه خاص في تحقيق أهدافها مقابل تراجع دور النخب السياسية الرسمية التقليدية.
المعطى الأول: انتشار حالة من الإحباط الشعبي والسخط العام الملبد بغيوم إخفاقات مرحلة ما بعد الثورة، واستمرت بصورة أكبر حتى بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي، واستشعار الجماهير بضرورة التحرك للتغيير لمستقبل أفضل أو وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير.
المعطى الثاني: ضعف الأحزاب السياسية في مصر، وخصوصًا المستمرة من قبل الثورة، والتي لم تنشأ كتعبير عن قاعدة جماهيرية معينة تسعى إلى طرح نفسها كأحد البدائل المتنافسة في العملية السياسية، هذا بالإضافة إلى عدم وجود اختلافات جوهرية بين برامجها وشعاراتها التي هي في الأساس لا تصلح أن تكون برامج حزبية كونها تفتقد السمت العام للبرامج الحزبية، والذي يتمثل في القدرة على طرح بدائل وإيجاد حلول للمشكلات القائمة التي يعاني منها المجتمع، حتى إن معظم هذه الأحزاب لا يميز بين البرنامج والشعار والسياسة الجزئية المؤقتة، ولا يرتبط بقوى اجتماعية حقيقية داخل المجتمع المصري، ناهيك عن مناخ التجريف السياسي الذي تعمدت أنظمة الحكم السابقة المتعاقبة إشاعتـه حتى يستتب لها الحكم ولتصبــح الأحزاب السياسية مجرد هياكل شكلية فارغة من المضمون لا تنازعها الحكم، ومن ثم فقدت هذه الأحزاب ثقــة الجماهير لتزداد الفجوة بينها وبين الشارع، ليتراجع دور الأحزاب السياسية ممهدًا الطريق أمام تصاعد وتزايد دور الحركات الشعبية.
المعطى الثالث: اعتماد حملة تمــرد مجموعة من الآليات البسيطة السلسلة التي مكنتها من الوصول والاتصال الفعال بالجماهير وكسب تأييدهم وثقتهم؛ إذ اتجهت إلى النزول للشارع والالتحام بالمواطن بشكل مباشر يساندها في ذلك مناخ الثقة الذي حازته الحركات الشبابية الشعبية بعد ثورة 25 يناير، حيث كان وقودها ومفجرو الشرارة الأولى لها هم فئة الشباب، فلجأت الحملة إلى استخدام وسيلة الاستمارات الورقية والإلكترونية لجمع توقيعات تنص على الرغبة من قبل الموقع في سحب الثقة من الرئيس والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وتلاقي مطالبها مع مطالب القوى السياسية المعارضة في نقطة مشتركة وهي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مما أكسبها مزيد من الثقل والفعالية.
المعطى الرابع: تجنب الحملة لكافة السلبيات التي انجرفت إليها بعض الحركات السابقة، حيث اعتمدت قوة الحركة على انطلاقها في توقيت ملائم، وعلى مجموعة من الشباب البعيد عن الأضواء الإعلامية أو حملات التشوية أو التورط في أية أنشطة أو مواقف يعتبرها الشارع أو القوى السياسية أنها سلبية، واعتمدت على المجهودات الذاتية والتبرعات البسيطة ولم تتورط في أية شبهات خاصة بموضوع الدعم المالي أو التمويل الداخلي أو الخارجي وهو ما رفع من مؤشرات مصداقيتها لدى المواطن.
المعطى الخامس: السلمية، فبخلاف حركات احتجاجية شعبوية أخرى، مثل الكتلة السوداء أو البلاك بلوك، انتهجت حركة تمرد ومنذ ميلادها وسائل سلمية خالصة، ومن ثم اكتسبت تعاطف رجل الشارع البسيط والقطاعات غير المسيسة في المجتمع، ومن ثم فإن نهج التغيير السلمي الشعبوي بات من أدوات التغيير التي سيكون لها دور كبير في حركة المجتمعات الإنسانية مستقبلاً، بعد أن التغيير السياسي التقليدي يأتي كنتاج لثورة دموية أو انقلاب عسكري أو تدخل خارجي.
وختامـــــــًا؛ فقد أكدت نجاحات حركة تمرد، ومن قبلها نجاحات الشباب في ثورة 25 يناير، أن التغيير في الساحة السياسية المصرية لم يعد يحدث من جانب النخب كما هو معهود، وإنما بات التغيير يقوده الشباب والفعاليات الشعبية العامة، لاسيما مع بروز قوى سياسية جديدة، تعمل خارج النظام الحزبي، أكثر تواصلاً واحتكاكًا بالجماهير مقارنة بالأحزاب السياسية وفعاليات المعارضة التقليدية الأخرى، الأمر الذي إن دل على شئ فإنما يدل على ضعف النظام الحزبي المصري وتآكله، ومن ثم بات لازامًا إعادة النظر في الظاهرة الحزبية في مصر ووضع حلول لإعادة الثقة بينها وبين الجماهير، لاسيما في ظل تعويل البعض على دور المؤسسة التشريعية في الفترة القادمة في إرساء مبدأ الديمقراطية جرياً على أن الأحزاب السياسية هي المكون الرئيس للمؤسسة التشريعية.