عاود البابا «شنودة الثالث»، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، تأكيده رفض الكنيسة حكم المحكمة الإدارية بالسماح للزواج الثانى بين المطلقين الأقباط، وأعلن في مؤتمر صحفى عقده اليوم الثلاثاء عقب انتهاء الاجتماع الطارئ للمجمع المقدس بالكنيسة الأرثوذكسية بحضور 81 أسقفاً، القرار الذي اتخذه المجمع بالإجماع، وذلك تحت لافتة كبيرة مكتوب عليها: "ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس وأما أنا فأقول لكم من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزنى ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى".
وجاء فى القرار: "تعلن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومجمعها المقدس أنها تحترم القانون ولكنها لا تقبل أحكامًا ضد الإنجيل وضد حرياتها الدينية التى كفلها لنا الدستور، كما تعلن أن الزواج بها هو سر مقدس وعمل دينى بحت، وليس مجرد عملاً إدارياً، وأن الشريعة الإسلامية تقول: احكم بينهم بما يدينون، وكذلك في كل القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية وردت عبارة حسب شريعتهم، وفى أحكام محكمة النقض والدستورية العليا نصت أيضا على أن الحكم في الأحوال الشخصية للأقباط يكون حسب شريعتهم، كما ورد فى محاكمة الجنح أيضاً أن البطريرك ليس موظفاً عاماً".
وذكر القرار أن "إلزام الكنيسة بأحكام ضد شريعتها أمر لا تقبله ضمائرنا ولا نستطيع أن ننفذه وموضوع الزواج الثانى للمطلقين هو قضية دينية بحتة"، واختتم البابا قراءته للقرار برفع صورة القرار الموقع عليه من الأعضاء أمام الصحفيين وكاميرات التصوير.
وأكد البابا أن الدستور يحمى حرياتهم الدينية، ويكفل لهم ممارسة شعائرهم وأسرارهم المقدسة دون تدخل من أحد، وأن المؤتمر الإسلامي المنعقد بالقاهرة عام 1971 أقر بحق غير المسلمين في المحافظة على ما يتعلق بدينهم، وترك ما يتعلق بشؤون أسرهم لشرائعهم الدينية.
وشدد البابا على أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا استند على لائحة 1938 التي وضعها "مجموعة من الباشوات الذين لا يعرفون عن الدين شيئا"، وتم إلغاؤه من جميع البطاركة الذين سبقوه.
وقال البابا إن "قرار المجمع المقدس يعبر عن رفضنا الكامل للحكم، وأنه ضد ضمائرنا وضد الكتاب المقدس" وأضاف: "رفضنا للحكم يعنى أننا نطالب بإعادة النظر فى الأمر حتى لا يكون الأقباط تعبانين ومضغوط عليهم فى دينهم"، مؤكدا فى الوقت نفسه، أنه لا يعلق على الحكم وإنما يوضح للجميع موقف الكنيسة، مستطردا: "والتعليق على الحكم ليس خطيئة، خاصة أن القاضي الذى أصدره عقد مؤتمراً صحفياً شرح فيه أسباب حكمه ووجهة نظره، فيمكننا بذلك أن نقول إننا نعلق على تعليق القاضى".
ورفض البابا بعض المقولات حول أن رفض حكم المحكمة هو تأكيد لنظرية أن "الكنيسة دولة داخل دولة"، مشيرا إلى أن المسيحيين الأقباط مصريون، لهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات، ومن يدعى غير ذلك يسعى إلى الإثارة والبلبلة.
وأوضح البابا أنه لا يمكن أن يسمح لنفسه بالتفتيش عن مقاصد الحكم فى هذا الوقت بالذات، خاصة أنه صدر أثناء انتخابات مجلس الشورى وقبل انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية بوقت قليل جدا، وقال: "لا يمكن أن أسمح لنفسى بالتعليق على مقاصد المحكمة كما يقول البعض إن هدف الحكم هو إلهاء الأقباط عن التركيز فى الانتخابات والمطالبة بنزول مرشحين أقباط لأن المقاصد فى ضمائرنا فقط ولكنى أتحدث عن نتائج الحكم، وما نتج عنه من شرخ فى المجتمع".
وتابع: "صدر الحكم فى وقت تقوم فيه إسرائيل بعمليات البلطجة ضد أسطول الحرية، وتسعى فيه إيران لفرض نفوذها فى المنطقة فأحرج الدولة كثيراً"، ورفض البابا أن يحمل الحزب الوطنى مسؤولية الحكم، وقال: "الحكم صدر عن قاض وباسم محكمة ولم يصدر من الحزب أو باسم الحزب، ولكن توقيت الحكم كان فى غير مصلحة الدولة"، مشيراً إلى أن "المحكمة تعرف جيدا أن الكنيسة سترفض هذا الحكم لأنها أصدرت نفس الحكم قبل عامين وتم رفضه من جانبنا في هدوء، لذلك أعادوا إصداره مرة أخرى، فقررنا ألا نصمت هذه المرة"، وقال: "لا مؤاخذة مش هنسكت بقى المرة دى".
وأشار البابا إلى أنه لا يعرف تبعات رفض الكنيسة لهذا الحكم، وقال إنه سينتظر ردود الفعل ويتصرف على أساسها، لافتا إلى أن الكنيسة بها قوانين تعاقب من يشكوها إلى السلطات المدنية ولكنه لم يستخدمها حتى الآن، قائلاً "مفيش جواز بالعافية، العافية ديه يروحوا يستخدموها مع مراتتهم".
وشدد البابا على أن الكنيسة لا تعترف بالجواز المدنى كنسيا، وأن من يريد الزواج فى الكنيسة لابد أن يخضع لأحكامها وشرائعها، وأشار إلى أن الحل يكمن فى إقرار قانون الأحوال الشخصية الموحد لغير المسلمين الذي قدمه إلى «صوفى أبوطالب» رئيس مجلس الشعب الأسبق، وأعاد تسليمه مرة أخرى إلى المستشار «فاروق سيف النصر» وزير العدل الأسبق، وتحدث مع الدكتور مفيد شهاب مرة أخرى فيه.
وقال البابا: "القانون لايزال نائماً ولا يجد من يوقظه"، مشيرا إلى أن موقفه أصبح حرجا مع أقباط المهجر، موضحا أنه كلما يقوم بتهدئتهم يصدر شيئاً لا يستطيع بسببه السيطرة عليهم، وأنهى البابا حديثه قائلاً: "يمكننا أن نطلب من رئيس الجمهورية التدخل ولكننا لا نريد أن نسبب له حرجاً، خاصة ونحن نعلم عدم رغبته التدخل فى شؤون القضاء، ولكننا يمكننا أن نطلب منه أن يتدخل لإزالة تبعات الأضرار التى سببها هذا الحكم لعدة ملايين من الأقباط".