x

مبارك.. عسكري هزمه «التحرير» (بروفايل)

الجمعة 03-05-2013 00:33 | كتب: معتز نادي |
تصوير : آخرون

ساعده الحظ في الهروب من رصاصات اخترقت جسد من يجلس بجواره، ليصبح بعد أيام جالسًا على كرسي من سبقه إلى السماء الرئيس محمد أنور السادات، ويبدو أن «الحظ» كان حليفه في النجاة من الاغتيالات فقط، حيث لم يعاونه في تمديد فترة حكمه إلى أن يتوفاه الله أو يترك كرسيه ليرثه ابنه إن أراد القدر، وها هو الآن يحتفل بميلاده الخامس والثمانين وراء القضبان «نظريا».

الطريق إلى عرش مصر

«السادات صارحني باعتزامه الاعتزال في العام القادم، بعد أن أطمأن على مسيرة البناء والرخاء».. هكذا يكشف محمد حسني مبارك ذلك «السر» أمام مجلس الشعب في أول خطاب له، استمر لمدة 45 دقيقة، بعدما وصل لمنصب الرئيس، 14 أكتوبر 1981.

لم يكن يدرك مبارك أنه مضطر، بعد 30 عامًا، لمصارحة شعبه بأنه «لم يكن ينتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة»، لكن خطابه أتى بعد خروج أبناء مصر إلى ميدان التحرير، هاتفين بصوت واحد: «الشعب يريد إسقاط النظام»، دون خوف من رصاصات قانون «الطوارئ» التي اغتالت في عهده الكثير.

ولد مبارك في الرابع من مايو 1928، في قرية كفر المصيلحة، في محافظة المنوفية، وعقب انتهائه من تعليمه الثانوي، التحق بالكلية الحربية وحصل على البكالوريوس في العلوم العسكرية، عام 1948، ثم حصل على درجة البكالوريوس في العلوم الجوية، عام 1950، من الكلية الجوية.

وأكمل مبارك دراساته العليا في أكاديمية «فرونز» العسكرية في الاتحاد السوفيتي السابق، وتدرج في سلم القيادة بالقوات المسلحة حتى عُين، عام 1964، قائدًا لإحدى القواعد الجوية.

كانت النقلة الكبرى في حياته العسكرية، عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حيث عُين، في نوفمبر عام 1967، مديرًا للكلية الجوية في إطار حملة تجديد لقيادات القوات المسلحة، عقب هزيمة يونيو 1967.

مقاتل «أكتوبر» يطير إلى منصب نائب الرئيس

ظل مبارك في التدرج القيادي داخل المؤسسة العسكرية حتى ترأس أركان حرب القوات الجوية، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى تعيينه قائدًا للقوات الجوية ونائبًا لوزير الدفاع عام 1972.

شارك مبارك في التخطيط لحرب السادس من أكتوبر 1973، ونجحت غارات القوات الجوية في دعم عبور القوات المسلحة لقناة السويس واقتحام خط بارليف.

«بيحترموه أوي في إسرائيل حقيقة لأن الدرس كان موجع».. هكذا كان السادات يصف مبارك، الذي لم يكن يتوقع أن يكون دوره في حرب أكتوبر شفيعًا له في الحصول على منصب نائب الرئيس، وهو ما يعني أنه قاب قوسين أو أدنى من الوصول لعتبات القصر الرئاسي، رغم أنه كان يحلم بالسفر إلى لندن ليعمل سفيرًا عقب خلع بدلته العسكرية.

السادات ومبارك

وصول الفريق محمد حسني مبارك، قائد القوات الجوية آنذاك، لمنصب نائب السادات، أثار العديد من التساؤلات بشأن أسباب ذلك الاختيار، مما دفع إسماعيل فهمي، وزير الخارجية، إلى التعليق، حسبما نشرت «المصري اليوم» من وثائق سرية بالتعاون مع ويكيليكس، بقوله إن اختياره جاء «لدعم الروح الشابة ولترضية القوات المسلحة».

وأشار «فهمي» إلى أن مبارك «يحظى بشعبية داخلها وخارجها، ولكنه- أي نائب الرئيس الجديد- لا يفقه شيئًا في السياسة»، إلا أن السادات بات يجعله يحضر كل الاجتماعات «لهذا سوف يتعلم مبارك».

ويضيف «فهمي»: «لا توجد مهام محددة تم إسنادها للنائب الجديد، مؤكدًا أنه ينبغي ألا تفهم إساءة اختيار مبارك لهذا المنصب بأنه اختيار السادات لخليفته المنتظر فهذا غير مقصود».

لكن الأيام أثبتت عكس ما توقعه «فهمي»، فأصبح مبارك رئيسًا لمصر، بعدما اغتيل السادات وسط جيشه في الذكرى الثامنة لـ«حرب أكتوبر».

مبارك.. الفرعون المتسامح

بدأ مبارك حكمه بشخصية متسامحة مع قوى المعارضة، فأطلق سراح من وضعهم السادات في السجون فيما عُرف باسم «اعتقالات سبتمبر»، وأخذ يردد أنه يحكم وهو يعلم أن «الكفن مالوش جيوب»، ويسعى لتحقيق «التنمية والرخاء».

سياسات مبارك كان تلقى ترحيبًا من الغرب لأنه التزم باتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن سياساته الداخلية تعرضت لانتقاد شديد من معارضيه، فهو لم يلتزم بعهده مع الشعب حينما وصل إلى مقاليد السلطة، بإبقاء قانون الطوارئ عامًا واحدًا، فأصبحت مصر تعيش في «طوارئ»، 30 عامًا، والبطش يطول العديد من أبنائها على يد جهاز أمن الدولة.

أصبحت مصر في حالة طوارئ على يد رئيس اعتقد أنه في معركة حربية دائمة مع شعبه، وتدهورت أحوال المصريين فأصبحت الصدمات تصفعهم بين بطالة وانخفاض الدخول، فضلاً عن تدهور مستواهم التعليمي وحالتهم الصحية التي لم تكن تجد رعاية لائقة في المستشفيات، وهو ما دفع البعض للتفكير في «هجرة غير شرعية»، حتى ولو كان المصير الموت غرقًا.

كانت سنوات مبارك الأخيرة في الحكم تحمل الفشل، لاتباعه سياسة الحزب الواحد المسيطر على مقاليد السلطة، بينما يضفي على المشهد صورة هزلية لمشاركة ضعيفة تضم أحزابًا «كارتونية» لا تستطيع تحريك المياه الراكدة.

لكن المصريين لم يسيطر اليأس عليهم فرفضوا الوقوف محلك سر، وتنوعت احتجاجاتهم بين الصراخ بـ«كفاية» للإعلان صراحة في وجه النظام المباركي بأن أيامه في الحكم باتت معدودة ولا سبيل سوى الرحيل.

لم يستسلم المصريون لجبروت السلطة، بل خرج بعضهم يرفع راية العصيان في «المحلة»، 6 أبريل 2008، ثم هدأ الصوت ليقرر أحمد عز، أمين التنظيم في الحزب الوطني، ومن معه، بعد عامين، ضرب الحياة السياسية المصرية في مقتل، فاحتكر مقاعد البرلمان بنسبة تعدت الـ90%، وبدا أن النظام لا يريد سوى سماع صوته حتى يتمكن من إقرار عملية «التوريث».

رفض مبارك الإفصاح صراحة عن رغبته في تولي ابنه «جمال» المسؤولية من بعده، وبسؤال مبارك، فكان يتهرب من الإجابة ثم يقول إن «شيراك» رئيس فرنسا، لديه ابنة تساعده في شؤون الرئاسة.

الصراع بين «التوريث والثورة»

المؤشرات كلها كانت تصب في صالح «جمال» خاصة بعدما استجاب مبارك لضغوط الولايات المتحدة الأمريكية، وقرر تعديل دستور 1971، لإتاحة الفرصة أمام المصريين للترشح على منصب الرئيس بالانتخاب وليس بالاستفتاء، لكن التعديلات الدستورية، عام 2005، جاءت مناسبة لشخص بعينه يتولى منصب الأمين العام للحزب الوطني، كما يترأس لجنة السياسات بالحزب، والمسؤولة عن وضع كل سياسات الدولة.

- صورة أرشيفية


«خليهم يتسلوا».. نطقها مبارك بابتسامة وهو يتحدث في مجلس من المفترض أن يكون اسمه ملحقًا بكلمة «الشعب»، لكنه كان مجلسًا لحزب واحد انفرد بالسلطة، ورفض مشاركة المعارضة معه في الحكم.

جمال مبارك خلال المؤتمر السنوي للحزب الوطني

اصطدمت رغبات مبارك وابنه «جمال» برفض شعبي خرج إلى الشوارع يهتف بسقوطهما في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، ودخل الجيش ساحة السياسة صراحة معلنًا تأييده للشعب، وربما أخذ هذه الخطوة أيضًا وهو يضع في ذهنه رفض «التوريث»، لأنه بعد ثورة يوليو 1952، جرت العادة في مصر على أن يخرج الرئيس من عباءة المؤسسة العسكرية، وبالتالي تكون فرصته الذهبية لسحق هذا المشروع.

مظاهرات المصريين دفعت إلى إنهاء حياة نظام مبارك، خاصة بعد يوم «جمعة الغضب»، الذي انتهى بفرض حظر التجول ونزول الجيش إلى شوارع القاهرة وعدة مدن.

ورغم ما يفترض أن يتميز به الطيار المقاتل، عادة، من سرعة في التدبير والتفكير باحترافية، إلا أن مبارك الذي تخطى الثمانين بثلاثة أعوام، يبدو أنه فقد تلك المميزات بحكم السن، واعتقد أن الشوارع تهتف فقط من أجل سقوط حكومة الدكتور أحمد نظيف، فأطل بوجهه على الشاشة ليعلن على الملأ أنه «طالب الحكومة بالتقدم باستقالتها»، ويتخذ خطوة أخرى بتعيين مدير المخابرات، اللواء عمر سليمان، نائبًا له.

يخطب مبارك في الشعب ويخيرهم بين «الفوضى والاستقرار»، والمصريون يرفضون كلماته، هم أعلنوها صراحة لا حل سوى «الرحيل».

«الجمل» يذبح نظام مبارك

لجأ مبارك لـ«خطاب عاطفي»، في 1 فبراير 2011، يُطمئن فيه المصريين بأنه لن يترشح لفترة رئاسية جديدة، ويعود لارتداء بدلته العسكرية التي يحترمها الشعب، فيقول: «لم أكن يومًا طالب سلطة أو جاه، ويعلم الشعب الظروف العصيبة التي تحملت فيها المسؤولية، وما قدمته للوطن حربًا وسلامًا، كما أنني رجل من رجال قواتنا المسلحة، وليس من طبعي خيانة الأمانة أو التخلي عن الواجب والمسؤولية».

- صورة أرشيفية

خيّم الصمت على أرجاء مصر بعد خطاب مبارك، ليسحب النهار ستائر الليل، فتخرج الجمال ناحية ميدان التحرير، لضرب متظاهرين ومعتصمين سلميين، سالت دماؤهم وكل وسائل الاتصالات مقطوعة، وأعلنوا عن ثورة بأحدث الوسائل التكنولوجية عبر شبكة الإنترنت، فحاول النظام قمعها بأساليب عصور الجاهلية دون الاكتفاء بما فعله آنذاك وزير الداخلية، اللواء حبيب العادلي.

نجح أبناء «التحرير» في التصدي لأنصار القمع في ليلة دامية، ولولا صمودهم خلالها لما رحل مبارك في 11 فبراير 2011

وانسحب مبارك من المشهد بعد تاريخ عسكري لم ينفعه وهو يتولى الرئاسة، بل جعله يظن وهو يتباهى بـ«العناد» ضد شعبه أنه سيُخلد، لكنه نسي أن فرعون كانت نهايته عندما طغى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية