يمشي وحيدًا مستقلًا المواصلات العامة من بينها مترو الأنفاق أثناء تحركه من منزله في المعادي إلى مقر عمله بالقرب من ميدان التحرير.
يتحرك في الشارع دون حراسة، رغم عمله في قلب «المطبخ السياسي» وقربه من الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، ودوائر صنع القرار، والسبب حبه لأن يكون «طول عمره موجود وسط الناس»، بل ويضيف: «أحمل اشتراكًا في مترو الأنفاق، ولكني لا أفضل الحديث عن هذا الأمر حتى لا يعتقد البعض أنه دعاية لشخصي».
اختار «الباز»، الذي رحل في 14 سبتمبر 2013، طوعًا الابتعاد عن المسرح السياسي، قبل 9 أعوام من رحيل مبارك عن سُدة الحكم، ولم يظهر بعد ذلك إلا نادرًا في تصريحات مقتضبة، وربط محللون بين هذا الغياب وظهور الملامح الأولى لمشروع توريث الحكم، وهو ما أكده في حواره مع «المصري اليوم»، عام 2012، بقوله: «لم أكن وراء ملف التوريث، بل هو من أحد الأسباب الرئيسية في ابتعادي عن مؤسسة الرئاسة، ولا أنكر أننى كُلفت من قبل مبارك بتعليم نجله جمال السياسة، ولم أكن من الداعمين لتوليه رئاسة الجمهورية».
تخرج «الباز»، المولود في عام 1931، في كلية الحقوق جامعة القاهرة، ونال دراساته العليا في القانون من جامعة هارفارد الأمريكية، عام 1961، وقبلها صعد سلم العمل السياسي من باب النائب العام، عام 1953، ثم انتقل إلى السلك الدبلوماسي في السبعينيات من القرن الماضي حتى وصل إلى منصب وكيل أول وزارة الخارجية، وكان مديرًا لمكتب إسماعيل فهمي، وزير الخارجية، آنذاك، ثم منحه القدر فرصة العمل مديرًا للمكتب السياسي لمبارك عندما كان نائبًا لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس الراحل، محمد أنور السادات.
شارك «عميد الدبلوماسية المصرية» في مفاوضات كامب ديفيد وصياغة معاهدة السلام، عام 1979، وتولى مسؤولية الملف «الفلسطيني- الإسرائيلي» لفترة طويلة، وحصل على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى.
يوصف «الباز» لدى كثيرين بأنه كاتم أسرار منظومة مبارك الرئاسية لسنوات طويلة، وكتب أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت، في مقال نشره بـ«المصري اليوم»، عام 2007، أن البعض يتهمه بأنه «كان وراء تفريغ النخبة المثقفة في مصر.. وآخرون يتهمونه بأنه أفرط في إظهار تواضعه، ومكارم أخلاقه، من استخدام المترو في المواصلات، إلى الحركة وحيدا في الشوارع والطرقات، ولكنه لم يعمل على إذابة الجليد بين الرئيس ومعارضيه، أو بين السلطة السياسية والقوى الشعبية، وأن تواضع الباز كان مجرد شكل راق، ومظهر ناعم لوضع كامل اتسم بالخشونة وفظاظة السلوك».
وفئة ثالثة تراه أنه «أطفأ نجومًا عديدة، وأغلق أبوابًا واسعة أمام تجديد النخبة السياسية في مصر.. ولم يعد قريبًا من الرئيس إلا سياسي لا يفهم في الثقافة، أو مثقف لا يفهم في السياسة، أو جاهل لا يعرف السياسة ولا الثقافة، وتتهمه فئة رابعة بأنه كان مفيدًا للسلطة ولكنه لم يكن مفيدا للدولة، أي أنه أفاد استقرار السلطة السياسية وإضعاف الضغوط عليها، ولكنه في الوقت ذاته لم يكن مفيدًا لفكرة الدولة ولا مصالح الدولة ولا مكانة الدولة».
لا يحب «الباز» أن يتحدث عن أخطاء مبارك بعدما أطاحت به ثورة 25 يناير من الحكم، لكنه يقول: «كان بإمكانه أن يتجنب ما حدث لو استمع لنصيحتي في بداية عام 2002، عندما طالبته بعدم خوض انتخابات الرئاسة 2005، وأن يبدأ بنقل السلطة بشكل تدريجي، وألا يعيد ترشيح نفسه مرة أخرى وأن يعطي الفرصة لجيل آخر يكون تحت إشرافنا حتى نتأكد من أنه يسير في المسار الصحيح، لكنه للأسف استمع لأشخاص كثيرين لهم مصالح في بقائه بالسلطة».
يصف «الباز» هؤلاء الأشخاص بأنهم «مزيِّفون للحقائق لأنهم لم ينقلوا الأوضاع لمبارك على حقيقتها»، بينما يرى نفسه أنه «كان ينقل له نبض الشارع بمنتهى الصراحة والشفافية».
«الأولاد اللي عملوها جدعان وأنا شايف إنها هتنجح».. كلمات وصف بها «الباز» ثورة 25 يناير وقت نزوله ميدان التحرير، ويرى أنها «نجحت إلى حد ما في تحقيق بعض أهدافها، رغم جميع التحفظات، التى يرددها البعض».
عند سؤاله عام 2012 « مَنْ الأصلح لرئاسة مصر وهل تفضل شخصية عسكرية أم مدنية؟»، أجاب في حواره مع «المصري اليوم»: «أنا أفضل أن تحكم البلاد فى الفترة المقبلة شخصية مدنية وهذا ليس موقفاً ضد العسكر فهم مصريون وليسوا أجانب، إلا أن الأنسب هو شخصية مدنية قريبة من الشارع المصرى، بعكس الشخصية العسكرية التى قضت غالبية حياتها فى نمط مغاير من الحياة».
طالبه البعض بكتابة مذكراته وفتح قلبه عن الفترة، التي خدم فيها بجوار مبارك، لكنه قال، قبل وفاته بعام: «هناك أشياء كثيرة لا أحب أن أتحدث فيها الآن، ولابد أن يمر وقت كاف حتى تتضح الرؤية تماما، فهناك أحداث كثيرة لم تكتمل بعد وعندما تكتمل يكون لكل حادث حديث».