في الصباح استيقظ إكرامى سعد، 43 سنة، أحد بائعي أسطوانات الغاز، متجها إلى مستودع بيع أسطوانات الغاز بحي عين الصيرة حاملاً معه 4 أنابيب على موتوسيكل هي كل رأسماله في الحياة.
أمام إحدى بوابات مستودع بيع أسطوانات الغاز بحي عين الصيرة الذي يطل على طريق صلاح سالم، يقف عشرات المواطنين ممسكين بالأسطوانات في طابور التبديل، تعبر النساء اللاتي تظهر على ملامحهن حرارة الجو، الطريق حاملات على رؤوسهن الأسطوانات، بينما تدفع بعضهن الأنابيب باتجاه بوابة المستودع، الذي شطب من على واجهته السعر القديم «الأنبوبة بـ4 جنيه»، ليحل مكانه السعر الجديد «8 جنيه الأنبوبة».
لم يكن تغيير 4 أسطوانات لـ«إكرامى» بالأمر السهل، وقف في طابور الانتظار ساعتين بين المواطنين وبائعي الأسطوانات الآخرين، تخللتهما مشادات كلامية وصلت أحيانا إلى اشتباكات بالأيدى بينه وبين المواطنين وبائعي الأسطوانات الذين يعملون في خط الجيزة، فالمنافسة على 4 أنابيب ليست سهلة.
أما الشرطة، فكما يقول «إكرامي»: «تنتظر أي غلطة لينا عشان تعاملنا وحش، والضابط بيعاملنا بطريقة وحشة كأننا بلطجية، وإحنا ناس بتجري على أكل عيشها».
يحاول أحد بائعي الأنابيب التقدم باتجاه البوابة فيمنعه أحد الضباط، فينادي عليه بائع آخر: «سيبنا ناكل عيش يا باشا»، فيشتبك معه أحد أمناء الشرطة الموجودين بالمكان، ويرفع الضابط، برتبة عميد، سلاحه الآلي باليد اليمني بينما يشير للبائع باليسرى أن يغادر المكان مصوبا فوهة البندقية الآلية في وجه البائع.
عقب «تبديل» إكرامي الأسطوانات الأربع يركب الموتوسيكل متجها إلى منطقة السيدة زينب حيث عمله، يتنقل بين البيوت القديمة قابضا بيده اليسري على الموتوسيكل، وباليمنى يطرق بالمفتاح على إحدى الأسطوانات.. أربع أو خمس طرقات متتالية بشكل دائم في كل شارع يدخله، حتى ينتبه أحد السكان ويخرج من أحد شبابيك المنازل المطلة على الشارع شخص ينادى على «إكرامى» طالباً أسطوانة، يتمتم «إكرامى» قبل أن يلتفت إلى الساكن متمنياً أن يكون في أحد الأدوار القريبة كي لا يرهقه صعود السلام فتتضاعف أوجاعه آخر اليوم.
يجده «إكرامي» في الدور الثانى، فيضع الموتوسيكل أسفل المنزل بثقة، دون خشية عليه من السرقة، ويحمل أسطوانة على كتفه اليمنى ويصعد على السلالم متحمساً، يقابله الساكن فيأخذ الأسطوانة ويعطيه أخرى فارغة، يعطيه 15 جنيهاً يمسكها إكرامي وينظر للزبون قائلا: «بقت بـ20 يا أستاذ»، فينظر له الساكن نظرات غاضبة، محاولاً التحايل عليه بعدم ارتفاع سعرها حتى الآن، فيخرج «إكرامي» من جيبه كارنيه وزارة التموين الذى يحمله لإثبات هويته كموزع أنابيب معتمد، فيضطر صاحب المنزل في غضب أن يدفع له العشرين جنيهاً بعد دقائق من التحايل، فيحمل «إكرامى» الأسطوانة الفارغة ويمضي.
3 ساعات متواصلة، يسير «إكرامى» في طريقه من شارع لآخر طارقاً على الأسطوانات مناديا «أنابيب» بين الحين والآخر، يسأله السكان أولاً عن سعر الأسطوانة قبل أن يصعد.
يقول «إكرامي»: «النهارده أحسن كتير.. الناس عرفت إن سعر (الحديدة) غلي.. إمبارح طلعنا الدور السابع على رجليا ونزلت تاني بالأنبوبة لما الزبون مرضيش ياخدها بـ20».
يضيف: «الأنبوبة بقت بتتباع قدام عنينا في المستودع بـ20 جنيه سوق سوداء، إحنا نوصلها للزبون بكام؟، دلوقتي صاحب التروسيكل مش عاوز ينزل يلف عشان ميتحبس لو قال للسكان إن الأنبوبة بقت بـ20 جنيه، إحنا مش عاوزين نغلي الأنابيب، بس علينا التزامات ومضطرين نغلي والزبون لما بيقفل الباب في وشنا مش بنقدر نقوله حاجة، إحنا فاتحين بيوت زيه، سيبك إنها بقت بسعر 20 جنيه، الزبون بيلمهم دلوقتي (فضية)، عملة معدنية، لأنه مش لاقي تمنها».