أودعت محكمة جنايات بورسعيد، السبت، أسباب حكمها في قضية «مجزرة بورسعيد»، والصادر فيها أحكام ضد 73 متهمًا، أحالتهم النيابة العامة إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، والشروع في القتل، وحيازة أسلحة بيضاء ومفرقعات وذخائر، والإهمال والتقاعس عن حماية المجني عليهم، وهي التهم الموجهة إلى قيادات مديرية أمن بورسعيد.
وعاقبت المحكمة 21 متهمًا بالإعدام شنقًا، وبالسجن المؤبد لـ5 متهمين، والسجن المشدد 15 سنة لـ10، والسجن المشدد 10 سنوات لـ6، وسجن 6 متهمين 5 سنوات، وسنة واحدة لمتهم، وبرّأت المحكمة 28 متهمًا آخرين.
وقالت المحكمة إن «الثابت بالأوراق أن مدير الأمن السابق أصر على إقامة المباراة رغم علمه اليقيني بخطورة إقامتها مما توافر لديه من معلومات أُبلغ بها تؤكد عزم المتهمين على الاعتداء على المجني عليهم».
وأضافت المحكمة أن «المتهم أخذته العزة بالإثم دون مقتضى، لا لشيء إلا ليثبت لقياداته أنه محل ثقتهم، وكانت نتيجة قراره الخاطئ ما حدث، كما أنه من الثابت بمطالعة أمر الخدمة الذي أصدره لتأمين المباراة أنه لم ينفذ إلا على الورق فقط، إذ لو قام بتنفيذ ما جاء ببنوده كتفتيش الجماهير لما وقعت الكارثة».
وسطّرت المحكمة برئاسة المستشار صبحي عبد المجيد أسباب الحكم في 177 ورقة، استعرضت فيها وقائع القضية وما استندت إليه في أحكام الإدانة والبراءة، وردت على الدفوع التي أبداها محامي المتهمين خلال جلسات المحاكمة التي انعقدت بعضوية المستشارين طارق جاد المتولي، ومحمد عبد الكريم عبد الرحمن، وحضور فريق من النيابة العامة ضم كلًا من محمود الحفناوي، وكمال مختار عيد، ومحمد جميل، وعبد الرؤوف أبو زيد.
واستهلّت المحكمة الحيثيات، مؤكدةً أن قضاء مصر الشامخ لم ولن يكون قضاءً للثورات أو للأنظمة الحاكمة، وإنما هو قضاء شعب مصر، وسيذكر التاريخ أن هذا القضاء هو الذي لملم أحشاء مصر خلال فترة الثورة، كما حمى جيشها العظيم أبناء الوطن وحافظ على سلامة أراضيه.
«ظاهرة الألتراس»
وقالت المحكمة، في أسباب الحكم، إنه تلاحظ في السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة روابط تشجيع الأندية الرياضية، «الألتراس»، التي انتقلت إلى مصر من الملاعب الأوروبية وأمريكا الجنوبية، وإنه نظرًا لعدم التعامل مع تلك الظاهرة، وبحث أسباب انتشارها واستثمارها في النهوض بالرياضة المصرية بتوجيههم الوجهة الصحيحة، صارت وسيلة ضغط على الأندية وتدخلت في شؤونها الإدارية والفنية، وساعدهم على ذلك ضعف بعض مجالس إدارات الأندية وتمسكها بمقاعدها، وأحيانًا أخرى إسناد هذه الإدارات لمن هم غير مؤهلين، لذلك أصبح ضرر هذه الروابط أكثر من نفعها، وساهم في ذلك إعلام رياضي تسلل إليه على حين غفلة من أهله من هم غير متخصصين، فكل من مارس الرياضة يومًا أو لم يمارسها زاول مهنة الإعلام الرياضي دون أن يكون مؤهلاً علميًا أو أكاديميًا لممارسة هذا العمل الخطير، فنجد منهم من يتولى الدفاع عن تلك الروابط وتبني أفكارهم، والآخر اتخذ موقفًا مضادًا للأول دون بحث أو تحليل.
وأضافت أن هذه الروابط تنتمي بالقطع إلى الأندية الرياضية ذات الجماهير العريضة، وقد يكون الإعلامي أحد أبناء هذا النادي أو ذاك، فعندما يقدم خبرًا ما ويدّعي الحيادية إلا أن أسارير وجهه وصرير قلمه وعدسة كاميرته وطريقة إذاعته أو نشره للخبر تفضح انتماءه وزيادة الفرقة والتعصب بين الروابط بدلاً من التقريب وبث الروح الرياضية.
وتابعت: اندس بعض من مثيري الشغب بين هذه الروابط، وحاول الأمن السيطرة عليهم، فعاملهم أحيانًا بعنف فازدادوا عنفًا، وعندما أراد تطبيق القانون عليهم وقام بضبطهم سارعت بعض الإدارات الرياضية باللهث خلفهم للحيلولة دون ذلك، فازدادت الأمور سوءًا، وتخبطت الإدارات الرياضية في قراراتها الانضباطية نحوهم، وفشلت في التعامل مع تلك الظاهرة التي عندما استشرت في الدول المصدرة إليها وساد الشغب بملاعبها تصدت لها بحسم وجزم واجتثت المفسدين من بينهم وطبقت القانون، إذ كلما غاب القانون عمّت الفوضى، وفي الفترة الأخيرة ازداد الأمر سوءًا، وبعد ثورة 25 يناير وما صاحب ذلك من انفلات أمني وأخلاقي بعد أن حاول أعداء الوطن إجهاض جهاز الأمن المصري العريق، وتوقفت على أثر ذلك الأنشطة الرياضية إلى أن بدأت تعود تدريجيًا بقرارات قد تكون غير مدروسة ومأمونة العواقب وتداخلت فيها جهات عديدة، كل بحسب رؤيته ومصلحته الخاصة ودون إعلاء لمصلحة الوطن.
وقائع القضية وأدلة الإدانة
وسردت المحكمة الأسباب ووقائع ما دار في استاد بورسعيد، وما استندت إليه في إدانة المتهمين.
وقالت إنه «عندما أعلن عن تحديد مباراة كرة القدم بين ناديي الأهلي والمصري في الأول من فبراير العام الماضي بدأت الحرب الكلامية تشتد بين جمهور الفريقين، نظرًا لحالة الاحتقان الشديد الدائم بينهما، فجمهور الأهلي حضر إلى بورسعيد في بداية عام 2011، وأتلف بعضًا من مباني محطة سكك حديد بورسعيد ومحيطها، وأثار ذلك حفيظة جمهور ألتراس المصري، ورسّخ فكرة الثأر لديهم فرد بروابطه الثلاثة (ألتراس مصراوي، وسوبر جرين، وجرين إيجلز) بعنف شديد وصل ذروته إلى تهديد كل من يأتي من «ألتراس» الأهلي لمشاهدة المباراة بالقتل».
وأضافت: «وقامت الرابطة الأخيرة (جرين إيجلز) بتأليف الأغنية الشهيرة: (لو جاي بورسعيد.. اكتب لأمك وصية.. علشان هتموت أكيد.. وملكش أي دية)».
وتابعت الحيثيات: «ورصدت الأجهزة الأمنية ببورسعيد كل ذلك الشحن المعنوي والاحتقان الزائد عن كل مباراة سابقة بين الفريقين والتي تنذر بعواقب وخيمة، وأبلغت المتهم الثاني والستين عصام الدين سمك، مدير أمن بورسعيد السابق، إلا أنه أصر على إقامة المباراة في موعدها، واجتمعت روابط ألتراس المصري، صباح يوم المباراة، كل في المكان المخصص له وبالاتفاق فيما بينهم لإعداد وسيلة تنفيذ جريمتهم الشنعاء، فأعدوا لهذا الغرض أسلحة بيضاء بأنواعها، وعصيًّا، وكمية من الحجارة، وشماريخ، وباراشوتات، وصواريخ نارية، وصواعق كهربائية، كما أعدوا ولأول مرة عصا بيضاء تشع نورًا أخضر عند إضاءتها، لاستخدامها للتعرف على بعضهم البعض لحظة الهجوم على المجني عليهم بالمدرجات حال قيام المتهم، توفيق ملكان صبحية، مهندس الكهرباء والإذاعة الداخلية بالاستاد، بإطفاء الأنوار عقب المباراة مباشرة».
وأضافت: «وكان من بين عناصر تنفيذ جريمتهم تقسيم أنفسهم إلى مجموعات تترصد جمهور ألتراس الأهلي في الأماكن التي أيقنوا سلفًا قدومهم إليها».
وواصلت المحكمة: «توجهت المجموعة الأولى يوم المباراة إلى محطة القطار، للاعتداء عليهم لحظة وصولهم وفشلت هذه المجموعة في تحقيق مأربها، نظرًا لقيام الأمن والقوات المسلحة بتغيير خط سير وصول الجماهير، والمجموعة الثانية كانت تترصدهم عند مدخل الاستاد ونجحت في تنفيذ ما اتفقوا عليه، فما إن شاهدوا حافلات جماهير الأهلي حتى بادرتهم بوابل من الحجارة ألقوها عليهم، ما أدى إلى إصابة بعض المجني عليهم، وكان من بين عناصر هذه الخطة أيضًا الاستعانة ببعض المتهمين من أرباب السوابق الذين ليست لهم علاقة بكرة القدم للاشتراك معهم في قتل المجني عليهم، على أن يلتقي الجميع داخل الاستاد والهجوم على المجني عليهم وقتلهم عقب انتهاء المباراة».
وتابعت: «قامت الروابط بتوزيع أنفسهم داخل الاستاد، فاستقرت رابطتا ألتراس مصراوي وجرين إيجلز بالمدرج الغربي، بينما جلست رابطة «سوبر جرين» بالمدرج البحري الشرقي، حتى يتمكنوا من الإطباق على جمهور الأهلي ومحاصرتهم بالمدرج الشرقي لحظة الانقضاض عليهم عقب انتهاء المباراة، وما إن دخل جمهور الأهلي من باب المدرج الشرقي المعين على خدمته المتهم محمد محمد سعد، ضابط شرطة، حتى فوجئوا على غير العادة في المباريات بقيام المتهم توفيق ملكان، مسؤول الإذاعة الداخلية بالاستاد، بقطع البث الإذاعي، والإعلان عن وصول ألتراس الأهلي، وكأنه يعلن وصول الضحايا، فبادرهم ألتراس المصري بأعداده الغفيرة التي تزيد على السعة المقررة للاستاد والذي تمكن من دخوله بعد أن فتح لهم مدير الأمن أبوابه على مصراعيه دون الحصول على تذاكر لحضور المباراة ودون تفتيشهم، لضبط ما يحوزونه من أسلحة».
وتابعت: «وما إن استقر المجني عليهم في أماكنهم أبصروا لافتة مرفوعة بالمدرج الغربي المخصص مدونًا عليها باللغة الإنجليزية عبارة (موتكم هنا)، ويرفعون علم الأهلي وعليه نجمة داوود».
وذكرت الحيثيات: «بدأت المباراة في جو مملوء بالتوتر وازداد السباب والهتافات المعادية بين جمهور الفريقين، وتلاحظ أن عبارات السباب من جمهور النادي المصري كانت غريبة عن مثيلاتها في المباريات السابقة، إذ إن كلها كانت تحمل معنى التهديد بالقتل، كما لوحظ نزول بعض المتهمين من ألتراس المصري لمضمار الملعب إما قفزًا من أعلى أسوار المدرج أو بكسر أبوابه، بعضهم حاملاً لألعاب نارية وأسلحة بيضاء والآخر يخلع ملابسه، ومن بينهم المتهمون الثالث، والرابع، والسابع، والتاسع، والعاشر، والحادي والثاني والثالث عشر، والثالث والرابع والثلاثون، والثامن والثلاثون، والتاسع والخمسون، الذين توجهوا إلى المدرج الشرقي لمحاولة الاعتداء على المجني عليهم».
وأضافت: «وتمكن ضباط الأمن المركزي من القبض عليهم، وتدخل مدير الأمن بفعله الإيجابي طالبًا تركهم وإعادتهم مرة أخرى للمدرجات بدلاً من ضبطهم، وهو الأمر الذي شجّع هؤلاء وآخرين مجهولين على تكرار ذلك عدة مرات وكأنهم في بروفة تدريبية لهم، ولباقي المتهمين في كيفية تنفيذ الهجوم على المجني عليهم عقب انتهاء المباراة».
وواصلت المحكمة سرد الأدلة التي استندت إليها في حكمها من خلال وقائع الجريمة، وأشارت إلى أنه بين شوطي المباراة قال المتهم، مدير الإدارة العامة للبحث الجنائي، لمدير الأمن ما ورد إليه من معلومات خطيرة مفادها اعتزام المتهمين من جمهور «ألتراس المصري» النزول لأرض الملعب عقب انتهاء المباراة والهجوم على المجني عليهم إلا أن الأخير لم يتخذ ثمة إجراءات أو تدابير أمنية للعمل على منع هذا الاعتداء، وأثناء المباراة وفي منتصف شوطها الثاني تقريبًا رُفعت لافتة في المدرج الشرقي المخصص لجمهور «ألتراس» الأهلي مدون عليها عبارة «بلد البالة ما جابتش رجالة»، للتأثير على جمهور النادي المصري، مما زادهم إصرارًا على تنفيذ مخططهم الإجرامي.
وقد شوهدت هذه اللافتة مع المتهم العاشر محمد محمود البغدادي وشهرته «الماندو»، وهو يحملها ويصيح بعبارة «اليافطة أهيه»، وقبل نهاية المباراة بحوالي عشر دقائق قام المتهم، المهندس المسؤول عن الإذاعة الداخلية بالاستاد، بقطع الإذاعة، وإذاعة بيان من ورقة محررة بخط يده نصها كالآتي: «إن مجلس إدارة النادي المصري برئاسة الأستاذ كامل أبو علي يهيب بجماهير النادي المصري التزام الهدوء والتشجيع المثالي للحفاظ على حياة الجماهير وظهورها بالمظهر المشرف.«
وتابعت: وكأن معلومة الهجوم على المجني عليهم قد انتقلت إلى مسامعهم، وما إن لفظت المباراة أنفاسها الأخيرة، وأطلق الحكم صافرة نهايتها معلنًا فوز النادي المصري حتى انطلق المتهمون من جمهور «ألتراس المصري» من كل حدب وصوب لتنفيذ آخر حلقة من حلقات مخططهم الإجرامي، وقصدهم المصمم على الإطباق على المجني عليهم وقتلهم، فأسرعوا في النزول من المدرجين الغربي والشرقي إما بالقفز من أعلى الأسوار أو بتحطيم أبوابها الداخلية، في اجتياح كاسح وعارم ومهيب لأرض الملعب حاملين معهم أدوات تنفيذ جريمتهم النكراء متجهين بسرعة شديدة وبأعداد غفيرة وموجات متلاحقة صوب المجني عليهم، كما حمل بعض من المتهمين المقاعد الموجودة بأرض الملعب لاستخدامها في التعدي على المجني عليهم، وبعد اجتياز الحاجز الأمني المهترئ والممزقة أوصاله بأرض الملعب وقبل صعودهم للمدرج الشرقي أمطروا المجني عليهم بوابل من الحجارة والألعاب النارية، فبثوا في نفوسهم الفزع والهلع من هذا الهجوم الغاشم الكاسح عليهم ومعظهم من الشباب صغار السن عُزّل حضروا لمشاهدة مباراة كرة القدم لا لدخول معركة حربية.
واستكملت: من شدة وهول المفاجأة، أسرع المجني عليهم بالهروب من اعتداء المتهمين إلى الممر المؤدي للسلم الذي ينتهي بباب الخروج، وكانوا كالمستجيرين بالرمضاء من النار، إذ فوجئوا بالمتهم محمد سعد، الضابط المعين على خدمته، قد أحكم غلقه قبل نهاية المباراة بخمس دقائق وانصرف من مكان خدمته، وظلوا يندفعون الواحد تلو الآخر في اتجاه باب المدرج حتى تكدس الممر الضيق بالمئات وانحشروا جميعهم بين الباب المغلق والسلم وفتحة الممر المؤدية إلى المدرج، والمتهمون يوالون قذفهم بالحجارة والتعدي عليهم بالعصي والصواعق الكهربائية وأسلحتهم البيضاء، وبلغ فُحش المتهمين الإجرامي بأن قاموا بإطلاق الألعاب النارية وبكثافة شديدة عليهم حتى بدت فتحته وكأنها ينبعث منها حمم بركانية، مما أدى إلى سقوط المجني عليهم صرعى وقتلى بالاختناق، نتيجة إعاقة حركة الصدر التنفسية، وبلغ العنف مداه بأن قام المتهم التاسع والأربعون، حسن محمد المجدي، بالتعدي على المجني عليهم داخل سلم الممر أحيائهم وأمواتهم في أجسادهم بمطواة قاصدًا وباقي المتهمين قتلهم.
وأضافت المحكمة، في أسباب حكمها، أن من حاول من المجني عليهم المحشورين داخل الممر النجاة بنفسه أخذ جاهدًا رفع جسده إلى أعلى لعله يجد نسمة هواء نقية يستنشقها تعيد إلى رئتيه نبض الحياة، فإذا به يجد نفسه يقف فوق جثث أصدقائه القتلى، وقد وصف ذلك المشهد المأساوي شاهد الإثبات الأول لدى سماع أقواله، ومن شدة التكدس والتدافع سقط الباب الحديدي أمامهم فسقطوا عليه فوق بعضهم قتلى ومصابين، ولم يؤثر هذا المشهد الرهيب في نفوس وقلوب المتهمين والتي أصبحت كالحجارة، وبلغت الخسة والدناءة بهم بأن أمسك المتهم الأول السيد محمد رفعت الدنف بقالب طوب وظل يهوي به على رأس ووجه أحد المجني عليهم، وهو ملقى أرضًا حتى نزف الدماء بغزارة قاصدًا وباقي المتهمين قتله، ولم يكفوا عن استمرار قذفهم للمجني عليهم بالحجارة إلا بعد تدخل القوات المسلحة وانطلق المتهمون حاملين أسلحتهم البيضاء كالوحوش الضارية خلف المجني عليهم، وتمكنوا من إجبارهم على نزع ملابسهم والاستيلاء على متعلقاتهم الشخصية والاعتداء عليهم بالعصي والشوم والقطع الخشبية بلا شفقة في مواضع قاتلة على رؤوسهم حتى اختلطت دماؤهم الزكية النقية بأرض المدرج الأسمنتية.
وأكملت: ومن حاول من المجني عليهم الفرار بالصعود إلى أي المدرج فكان قتلهم أشد بشاعة وخسة، إذ تعقبهم المتهمون وأطبقوا عليهم، والتفوا حولهم بعد أن أدخلوهم في شباكهم وظلوا يتوسلون إليهم بتركهم، وأخذوا يعتدون عليهم، ويحملون بعضهم بعد تكتيفهم من أرجلهم وأيديهم ورفعهم إلى أعلى ملقين إياهم الواحد بعد الآخر من أعلى السور الذي يبلغ ارتفاعه 11 مترًا حتى إن المجني عليه، أحمد وجيه عبد الصادق، حاول الخلاص بنفسه من بين أيديهم، فأسرع المتهم السادس والخمسون وشهرته «عظيمة» أثناء وجود المتهمين (4 و7 و53 و59 61)، على مسرح الجريمة بتكتيفه وخنقه بلف الكوفية التي كان المجني عليه يرتديها حول رقبته، وتمكنوا من رفعه إلى أعلى وإلقائه من أعلى السور الحديدي.
وأوضحت المحكمة، في سردها لوقائع الجريمة، أنه تزامن مع كل ذلك قيام المتهم مهندس الإذاعة الداخلية بالاستاد، توفيق صبيحة، بالإسراع في إطفاء أنوار الاستاد بالمخالفة للقواعد المتبعة في ذلك والتي توجب عدم إطفاء الأنوار إلا عقب التأكد من إخلاء الاستاد نهائيًا من الجماهير.
وقالت المحكمة: إن عدالة السماء كانت للمتهمين بالمرصاد، موضحة أنه بجانب تعرف الشهود على المتهمين فإن الفنار الخاص بإرشاد السفن والرابض في مياه البحر أمام الاستاد كانت تأتي أنواره مع الأنوار الخارجية المجاورة للاستاد ليكشف وجوه المتهمين، واستعرضت المحكمة الإصابات التي أودت بحياة المجني عليهم وإصابة البعض الآخر، ومنها الانسكابات الدموية الناشئة عن المصادمة من جسم صلب، والزرقة في الشفتين، والأظافر، واحتقان العينين، وغيرها من المظاهر الدالة على الوفاة بالاختناق.
»أسباب البراءة»
وقالت المحكمة، في أسباب حكمها ببراءه 28 متهمًا، إن تقدير الأدلة من شأن المحكمة، والقاعدة القانونية تؤكد أن الأحكام الجنائية ينبغي أن تُبنى على الثبوت بأدلة قطعية لا على مجرد الاحتمال والظن.
وأضافت أنه من استقراء وقائع الدعوى، فإن أدلة الثبوت التي ساقتها النيابة العامة بالنسبة للمتهمين من الأول حتى التاسع عشر جاءت مقصورة لما شابها من شك وغموض، حيث خلت المشاهد المصورة لأحداث المباراة من ظهور أي من هؤلاء المتهمين على مسرح الحادث، كما لم يوجد شاهد على المتهمين، وبالنسبة للمتهمين من العشرين وحتى السادس والعشرين «ضباط شرطة»، فقد جاءت الأوراق خالية من دليل تطمئن المحكمة لإدانتهم به.
وأشارت المحكمة إلى أن دليلها أن هؤلاء المتهمين من ضباط الشرطة أبلغوا مدير الأمن بحالة الاحتقان الشديد والشحن المعنوي الزائد بين المتهمين والمجني عليهم، وما تم رصده على المواقع الإلكترونية من معلومات حول ذلك إلا أن الأخير أصر على إقامة المباراة، أما بالنسبة للمتهمين الأخيرين «من بينهم قيادي بالنادي المصري»، فخلت أوراق القضية من دليل إدانة لهما، كما أن كلاًّ منهما ليس له دور في تأمين المباراة.
وتناولت الأسباب أهالي محافظة بورسعيد، مؤكدة أنه ما إن علم شعب بورسعيد الحر الأبي بالواقعة حتى هبوا عن بكرة أبيهم يجوبون الشوارع والميادين للبحث عن هؤلاء الجناة العتاة لضبطهم وتسليمهم للعدالة، لكي ينفضوا الغبار عن وجه مدينتهم المشرق الجميل، ويزيلوا عن ثوبها الأبيض الناصع البياض هذه البقعة السوداء، فالمجني عليهم قتلوا وأصيبوا في دقائق معدودات في مباراة يقال لها مجازًا إنها كرة القدم، كما أنهم أبناؤهم وأبناء مصر جميعًا، وهذا العدد الرهيب من القتلى والجرحى لم تشهده بلادنا الحبيبة منذ أعنف الغارات الحربية التي شنها العدو الصهيوني الغاشم على بلادنا خلال حرب الاستنزاف، وها هم أهالي بورسعيد يتمكنون من ضبط المتهم الأول، وأبوا إلا أن يسلموه بأيديهم للعدالة، كما أن ثمانية من شهود الإثبات هم من أبناء بورسعيد الذين حضروا من تلقاء أنفسهم ليشهدوا مع باقي الشهود على ما شاهدوه وما اقترفه المتهمون من جرم.