x

بحث بريطاني: «لا وقت للفن» في مصر بعد الثورة

الأربعاء 20-03-2013 20:59 | كتب: أحمد الهواري |
تصوير : اخبار

«كان هناك إيمان مشترك بين الفنانين المصريين بأنه وسط ثورة جارية لا يوجد وقت ولا مكان للفن».. بهذه الكلمات صدر بحث «أصوات الشعوب: الفنون والصراعات والتغيير فى شمال أفريقيا»، الجزء الخاص بدراسته لمصر. وذكر البحث ثلاثة أسباب لحدوث ذلك: الابتعاد عن التسويق للفن بالثورة، والابتعاد عن ممارسة الفن المعد لأغراض سياسية مباشرة، ووضع الفنانين وقتهم وجهدهم فى نشاطات نضالية مباشرة، وكان متوقعاً من الفنانين المصريين إرضاء حاجات الجمهور المحلى المنتظر لصور وأغانى الثورة.

أعد البحث وحدة «إعادة إعمار وتنمية بعد الحرب» بجامعة «يورك» تحت إشراف البروفيسور «سلطان بركات»، بتكليف من المركز الثقافى البريطانى، خلال عامى ٢٠١١ و٢٠١٢، ووصف البحث الأعمال الفنية التى قُدمت فى تلك الفترة بأنها «ذات وتيرة سريعة سواء كانت عفوية أو لا تحتاج تدريبات مثل الموسيقى والجرافيتى».

توصل البحث إلى حقيقة أن الناشطين الثقافيين لعبوا «دوراً أساسياً فى إحداث التغيير، فقبل الثورة كان الفن والثقافة خاضعين لإشراف ورقابة الدولة، وأصبح المثقفون والكتاب والفنانون فى حكم مبارك شخصيات ثانوية معزولة، وعندما بدأت أحداث الثورة انطلقت أعمال المسرح والجرافيتى والموسيقى، وتأثرت أعمال المسرح بالاندفاع نحو التوثيق، مثل (مونولج الحرية) و(دروس فى الثورة) المكتوبتين مباشرة من شهادات متظاهرين كانوا فى التحرير، بينما استخدمت مسرحية (لا وقت للفن) أسلوباً تفاعلياً مع الجمهور بتقديم شهادات لسجناء سياسيين تم اعتقالهم وتعذيبهم أثناء حكم المجلس العسكرى، وطلبت من أفراد من الجمهور أن يقوموا بدور أحد الشهداء الذى يطالب بأن يحاكم قاتله».

يوضح البحث أن موقف غالبية الفنانين فى بدايات الثورة كان الاستغراق فى العمل السياسى أو تقديم مشاريع ذات طابع متصل بالنضال مثل «مصرين» و«كاذبون»، حيث قاموا بعرض أعمال وثائقية فى الشوارع غالباً ما تبع عرضها مسيرات ومظاهرات، بل كان من المستحيل على الكثير من الفنانين تقديم أعمال فنية فيما لا تزال المظاهرات جارية، لأن الأحداث كانت ساحقة على المستويين المادى والنفسى مما يجعل أعمالهم الفنية بلا معنى فى مواجهة الأحداث الثورية، لكن هذا لم يمنع بعض الفنانين من إنتاج فنى متواصل مع اللحظة من الموسيقى والمسرح وفن الجرافيتى الذى تطور خلال الثورة وبعدها مباشرة.

يرى البحث أن «مبارك» حاول أن يحيد الأثر الاجتماعى لموسيقى فترة ثورة 1919 من خلال تحويل الأغنية التى كتبها ولحنها سيد درويش «بلادى» إلى نشيد وطنى عام ١٩٧٩، إلا أن ٢٠١١ شهد قيام الحشود الغفيرة بترديد الأغنية بتكرار شديد ليستردوا ملكيتها مرة أخرى، ويستعيدوا معناها الأصلى.

هنا يقع البحث فى خطأين: الأول أن «بلادى» من تلحين سيد درويش وكلمات «محمد يونس القاضى»، والثانى أن «مبارك» تولى السلطة بعد مقتل السادات فى أكتوبر ١٩٨١.

يقسم البحث أنواع الموسيقى التى صاحبت قيام الثورة إلى «عفوية أو موسيقى الهواة»، و«كلاسيكية تقليدية والفلكلور»، و«بوب ذات طابع غربى»، و«هيب هوب»، ويذكر أنه تمت إعادة إنتاج لأغانى «سيد درويش» وما بعده «فريق إسكندريلا»، إلى جانب تلحين الشعارات لتسهيل حفظها «رامى عصام»، وإنتاج أغانٍ جديدة «هانى عادل» و«فريق كايروكى»، فى أغنية «صوت الحرية»، أو مغنى الراب «ليل دجلا» فى أغنية «تمام يا أفندم»، كما قدمت فرقة «الطنبورة» مجموعة من أغانى مظاهرات الخمسينيات والأغانى التى برزت أيام العدوان الثلاثى 1956.

هنا يتجاهل البحث أغانى الشيخ إمام، من كلمات أحمد فؤاد نجم وزين العابدين فؤاد ونجيب سرور ونجيب شهاب الدين وآخرين، التى ترددت بكثافة شديدة فى الفترة الزمنية نفسها، بل بعض الفنانين الذين ذكرهم البحث كانوا من بين من غنوا تلك الأغانى.

يرصد البحث تأثير الثورة على مؤسسات الفن، فيمر على فساد وتحجر مؤسسات الدولة الثقافية، ونقابة الفنانين وخضوعها للنظام قبل الثورة، ويصل إلى المطالب المتكررة لإصلاح هذا القطاع بعد الثورة، بينما يذكر بعض الإيجابيات التى تحققت فى القطاع بعد الثورة منها إمكانية التسجيل فى أكثر من نقابة ومحاولات تعديل أوضاع النقابات، ويشيد بالدور الذى لعبته المؤسسات الثقافية غير الحكومية فى الفترة السابقة على الثورة وما بعدها والتى تصدت مع الفنانين المستقلين لمشاكل المجتمع قبل وبعد الثورة لتحقيق فكرة «العدالة الاجتماعية تعنى إتاحة فرصة متكافئة فى وصول الأفراد والمجتمعات إلى المصادر الثقافية».

يضع البحث يده على نقطة مهمة فيما يتعلق بدول شمال أفريقيا، قائلاً: «تنتشر بعض الانطباعات منقوصة الحقيقة مفادها أن الفنانين فى العالم العربى يعيشون حاليا تجربة حريات غير مسبوقة»، ويصفها بأنها «أفكار تتجاهل الحقائق القاسية والمعقدة التى تواجه الفنانين فى المنطقة كلها، لأنه فى حين ألهبت الثورات حماس البعض دب اليأس فى قلوب الكثير منهم بسبب توالى الأحداث العنيفة حولهم، وفى الوقت نفسه إذا كان انتصار الأحزاب الإسلامية فى تونس ومصر ينذر بتغيرات من نوع آخر فى المشهد الثقافى فإن الغموض يكتنف إمكانية نشوء قيود جديدة على التعبير الفنى بسبب اجتياح الحركة السلفية المتشددة فى المنطقة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية