70 ألف قتيل، ومليون لاجئ في دول الجوار، و4 ملايين نازح داخل البلاد، وعشرات آلاف المعتقلين، ودمار واسع فى البنية التحتية لعدد من المدن، مع سيطرة المعارضة على أجزاء واسعة من البلاد، تلك هي محصلة عامين من «الثورة» التي بدأت فى 15 مارس 2011 ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد.
تأتي هذه الأرقام وسط مخاوف من اتساع نطاق الحرب الأهلية وتحولها إلى صراع إقليمى بعد وصول الأوضاع فى الداخل إلى مرحلة «الكارثة المطلقة»، بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة مؤخراً، وذلك فى الوقت الذى يبدو فيه الحل السياسى للأزمة بعيد المنال.
وبعد عامين من نزاعٍ دامٍ، مازالت القوات النظامية السورية تحكم سيطرتها على قلب العاصمة دمشق والمناطق الواقعة فى غرب البلاد والجزء الأكبر من الوسط، بينما يسيطر مقاتلو المعارضة، وبينهم إسلاميون، على أجزاء واسعة من شمال سوريا وشرقها. لكن فى «حرب الاستنزاف» الدائرة حاليا يبدو واضحاً أنه لا يوجد طرف قادر على الحسم العسكرى، فى ظل اختلال كبير فى ميزان القوى بين جيش «الأسد»، الذى يملك ترسانة ضخمة من الأسلحة، وقوات المعارضة، التى تلقى دعماً شعبياً على الأرض.
وبعد قرابة 8 أشهر من إطلاق «معركة تحرير» دمشق، لم يتعد وجود المقاتلين المعارضين مقصوراً على جنوب العاصمة وشرقها، لكن مجموعات مقاتلة، أبرزها «جبهة النصرة» الإسلامية و«أحرار الشام»، حققت تقدماً هو الأبرز منذ بدء النزاع، بسيطرتها مطلع مارس الحالى على مدينة الرقة (وسط)، لتكون أول مركز محافظة يخرج عن سيطرة النظام.
ومع اشتداد القتال الداخلى، تتصاعد المخاوف من تحول سوريا إلى ساحة لصراع إقليمى ودولى تزيد التوتر الطائفى فى المنطقة، حيث تتواتر تقارير متزايدة عن قتال عناصر من «حزب الله» اللبنانى إلى جانب قوات النظام السورى، بينما يهدد «الجيش السورى الحر» (المعارض) برد حاسم على الحركة اللبنانية.
وأعلن دبلوماسيون غربيون، من جهة أخرى، أن إيران كثفت بصورة كبيرة من دعمها العسكرى لـ«الأسد» وإمداده بالأسلحة فى الأشهر القليلة الماضية، بالتعاون مع روسيا.
ودخلت إسرائيل على خط الصراع مؤخراً بتأكيدها أنها «لن تقف مكتوفة الأيدى» فى حين أن الحرب الأهلية فى سوريا تمتد إلى خارج حدودها، كما شهدت الحدود السورية - العراقية توتراً بعد حادث مقتل 48 جندياً سورياً فى كمين غربى العراق.
وفى ظل هذا النفق المظلم، بدا قبل أسابيع أن انفراجة يمكن أن تتحقق بعد إعلان كل من دمشق والمعارضة استعدادهما للتحاور، لكن تبين سريعاً أن حواراً كهذا يصطدم بعائق أساسى، وهو ما إذا كان سيجرى فى ظل بقاء «الأسد» على رأس السلطة، كما يريد النظام وحلفاؤه، أم يكون حواراً على رحيل الأسد وأركان النظام، كما تطالب المعارضة.
ويبدو أن الأسد أغلق الباب على إمكانية تحقيق الخيار الثانى، حيث كرر فى مقابلة أخيراً مع أسبوعية «صنداى تايمز» البريطانية، أنه لن يتنحى عن السلطة، خاصةً أنه مازال يلقى دعماً كبيراً من جيشه ومن الأقلية العلوية التى ينتمى إليها.
ويعتبر الدبلوماسى الهولندى الخبير فى الشأن السورى نيكولاوس فاندام، أن الأسد «سيقاتل حتى الموت إذا لزم الأمر، لكنه لن يوافق على طرح رحيله (عن السلطة) للنقاش».
ورغم كل الجهود الدولية لإيجاد حل سلمى للأزمة السورية، لا توجد مؤشرات على إمكانية التوصل إلى توافق دولى وإقليمى لوضع حد لأعمال العنف التى تودى بحياة نحو100 شخص يومياً.
ويرى الباحث بجامعة لندن كريستوفر فيليبس أن داعمى «الأسد»، الروس والإيرانيين والصينيين، وداعمى المعارضة السورية، من دول غربية وعربية متفرقة، غير مهتمين فعليا بالسلام، وأنهم يريدون التأكد من أن أياً كان من سيصل إلى السلطة فى سوريا سيكون إلى جانبهم.
ولكن بعد عامين من الخلافات والتردد، بدأت تصدر عن الدول الكبرى بوادر تنم عن اهتمامها بلعب دور أكبر فى النزاع، وإن تأخرت كثيراً، كما يرى محللون، فالاتحاد الأوروبى صادق مؤخراً على استثناءات للحظر المفروض على إرسال أسلحة إلى سوريا، وسمح خصوصاً بتزويد المعارضة بتجهيزات غير قاتلة وبمساعدة تقنية، فيما أعلنت فرنسا وبريطانيا عن استعدادهما لإمداد المعارضة السورية بالسلاح حتى دون موافقة الاتحاد الأوروبى، لكن مدير مركز بروكينجز فى الدوحة سلمان شيخ حذر من أن تحقيق ذلك قد يتطلب عدة أشهر، و«هذا وقت طويل جدا بالنظر إلى الوضع الميدانى» المتدهور فى سوريا.
ووسط كل هذه التعقيدات، فشلت وساطة دولية قام بها موفدان خاصان إلى سوريا، وهما كوفى أنان ومن بعده الأخضر الإبراهيمى، كما لم يتمكن أيضاً مجلس الأمن الدولى من الخروج بأى قرار حول سوريا خلال العامين الماضيين.
ويستبعد أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة باريس خطار أبودياب حلاً قريباً للأزمة فى سوريا، معتبراً أن «كل حوار، إن حدث، سيكون لعباً فى الوقت الضائع»، متوقعاً «المزيد من التدمير والتفتيت».
ويضيف أبو دياب لوكالة الأنباء الفرنسية: «الانقسام الدولى حول الأزمة السورية حاد ولا شبيه له منذ نهاية الحرب الباردة، ما يرجح تمديد المأساة، وعندما يصبح الوضع مستنقعاً بكل معنى الكلمة، وتدرك الدول الكبرى أن لا مصلحة لها فى تحول بلد متجذر فى التاريخ إلى صومال الشرق الأوسط، عندها قد تتحرك».
بينما يرى الباحث اللبنانى جوزيف باحوط أن «الأمور تتحرك، لكنى أخشى أن نقترب من لحظة يكون فيها قد فات الأوان»، معتبراً أن تلك اللحظة ستأتى «فى غضون بضعة أسابيع»، ورسم باحوط صورة قاتمة للأوضاع فى سوريا بعد عامين من اندلاع الصراع بقوله: «حالة مزرية، دولة تنهار، مجتمع ممزق، مجموعات مسلحة لا يمكن السيطرة عليها، بيئة إقليمية منقسمة، والعنف ينهش كل شىء».