x

اللواء سامح سيف اليزل: ثورة الجياع «ستقصم حُكم مرسي».. (حوار)

الأربعاء 13-02-2013 19:06 | كتب: أسماء المحلاوي |
تصوير : أدهم خورشيد

خبرته العسكرية المتميزة جعلت قراءته للمشهد مختلفة.. فبعيداً عن الصخب السياسى جاء الحوار مع اللواء سامح سيف اليزل، الخبير الاستراتيجى هادئاً ومحايدا، تحدث فيه عن المرحلة الانتقالية التى أدارها المجلس العسكرى، والتى مازالت تدور حولها أسئلة لم تجد إجاباتها طريقا للناس مما يلقى بظلال سوداء على النظام الحاكم الآن.

«اليزل» فى حديثه لـ«المصرى اليوم» قال إن الدولة المصرية أصبحت دولة هشة ورخوة وفى طريقها للتحول إلى دولة فاشلة، فقد ساءت الأحوال أكثر، والفقير ازداد فقراً والمطحون ازداد طحناً، كما دعا جماعة الإخوان المسلمين إلى أن يراعوا الله فيما هم مؤتمنون عليه، وعلى الرئيس أن يستمع لصوت الناس فى الشارع، مهدداً أن ثورة الجياع قادمة بعد أن تردى الحال الاقتصادى بشكل مخيف وهو الأمر الذى سيكون بمثابة القشة التى ستقصم حكم «مرسى».

«اليزل» أكد أن القوات المسلحة لن تعود مرة أخرى للحياة السياسية بملء إرادتها، بعد تجربة 17 شهراً طالها خلالها الإساءة والتجريح، إلا إذا كان وجودها هو الملاذ الوحيد لإنقاذ الدولة والشعب، وإلى نص الحوار:

■ برؤيتك التحليلية وباعتبارك شاهدا على كثير من أحداث العامين الماضيين.. كيف تقرأ المشهد السياسى الآن؟

- مصر تمر حالياً بما يطلق عليه فى العلوم الاستراتيجية الدولة الهشة أو الرخوة، وهذه المرحلة تسبق وصول الدولة إلى مرحلة «الدولة الفاشلة»، وما يمهد الدولة الهشة أسباب عديدة، تتمثل فى انقسام الشعب وأبنائه وفئاته وتياراته وأحزابه على أنفسهم، وانعدام الثقة بين المواطنين وحاكميهم، وسوء الوضع الاقتصادى، مع قتامة الرؤية المستقبلية له، وضعف الحالة الأمنية وترديها، وعجز الدولة عن تقديم الخدمات العامة وتدهورها، ما يتسبب فى حدوث كوارث كالتى تحدث فى السكة الحديد، والأسوأ من كل ذلك هو عدم القدرة على توفير متطلبات الحياة التى هى الحد الأدنى من الحياة الكريمة للناس، الخبز والكهرباء والسولار، هذا غير استخدام العنف كوسيلة فى غياب القانون، وعلينا أن ندرك أنه إذا لم يتم وضع حد لكل تلك السلبيات التى ستؤدى بنا فى النهاية إلى فشل ذريع.

■ وكيف انعكس ذلك على الوضع السياسى؟

- نحن الآن نعيش فى حالة قلق مستمرة تشمل كل شىء، وهذا القلق ليس موجوداً فى الشارع فقط، وإنما موجود لدى الساسة والنخبة والمحللين والخبراء، وأخطر ما فى المشهد هو التردى الرهيب للحالة الاقتصادية، كل المؤشرات تقول إننا مقبلون على ثورة جياع، وإن رصيد الاحتياطى النقدى المتواجد هو 3 شهور، مما يدخلنا قى خطوط حمراء كثيرة جدا، لابد أن يوضع لها نهاية واضحة وأن تكون هناك خطة واضحة ومحددة، يعلم الناس منها ما يدور من حولهم، نحن نسير فى غمامة سوداء لا يعلم نهايتها إلا الله، و تجعل كل الأمور ملتبسة ومتخبطة وهو ما يثير القلق أكثر.

شريعة الديمقراطيات فى العالم أن من على كرسى الحكم اليوم سيكون على كرسى المعارضة غداً، والعكس صحيح، فدوام الحال من المحال، ولذلك فعلى من يشرعون القوانين الآن أن يدركوا أن التشدد والقيود التى يضعونها فى بعض من موادها قد ينعمون بها خلال حكمهم، لكنها ستكون سلاحاً ذا حدين وستنقلب الآية، لأنه لن يبقى فى الحكم مدى الحياة، وما يشرعه الآن سيستخدم ضده عندما يكون بين صفوف المعارضين، وبالتالى يجب أن تكون القوانين صالحة للجميع، ومناسبة لكل الأوقات، وأريد أن أقول لجماعة الاخوان التى تفصل القوانين على مقاسها، إن لم تراعوا الله فيما أنتم فيه، سيأتى اليوم الذى تندمون فيه على الدستور والقوانين التى وضعتموها عن طريق مجلس الشورى.

■ وكيف ترى «الحوار الوطنى؟

- لكى يكون الحوار الوطنى مجديا يجب أن يتفق عليه الجميع، لكن مشكلته تكمن فى طريقة إدارته بسبب التشدد وفرض الشروط من جانب بعض الأطراف على البقية. الحوار الوطنى يفتقد إلى جدول أعمال والمطالب المرادة منه غير محددة، ولابد من التناقش فيها والاتفاق عليها، فمثلا «جبهة الإنقاذ وبعض القوى الأخرى تطالب الآن بإقالة الحكومة بسبب سوء إدارتها من وجهة نظرهم، فتقوم السلطة تقول لأ، اطلبوا اللى إنتوا عاوزينه إلا تغيير الحكومة»، لا يجب على أى من الطرفين التزمت ووضع شروط على الطرف الآخر، لأن ذلك يجعل الحوار يتوقف قبل أن يبدأ، كما لابد من الاستماع لصوت الشارع وأخذ مطالبه فى الاعتبار، وأعتقد أن تلك المطالب تتفق كثيراً مع ما تطرحه جبهة الإنقاذ الوطنى، خاصة بعد خروج المليونيات التى ترفض الكثير مما يقوم به النظام والحكومة.

أريد أن أقول إن ما كانت جماعة الإخوان تطالب به قبل أن تكون فى الحكم أصبحت ترفض تنفيذه الآن، و«تقبله على نفسها وترفضه لغيرها»، وأكبر دليل على ذلك مطالبتها بإقالة حكومة الجنزورى وكان متبقى له شهران، وأصرت على ذلك وحشدت للمليونيات واتهمت المجلس العسكرى بأنه لا يتعاون مع الشعب ومتعنت ولا يستمع للناس فى الشارع، ومتواطئ مع الحكومة لكى لا يسلم السلطة، الآن الناس فى الشارع وبعض الائتلافات والأحزاب السياسية وجبهة الإنقاذ يطالبون بإقالة حكومة قنديل، فيرفض الإخوان المسلمون ويطالبونهم بالانتظار حتى تنتهى مدة الحكومة، فما كان مسموحاً به الأمس أصبح غير مسموح به اليوم، وأنا أعلم شخصيا أولئك الذين يحللون ويحرمون كما يحلو لهم، ووفقا لما يتناسب مع أهدافهم ومصالحهم.

■ هل يتكرر مشهد الإطاحة بمبارك ونزول الجيش للشارع لحماية الثورة مرة أخرى مع مرسى فى ظل ما يحدث الآن؟

- أطراف هذه المعادلة هم الشعب والجيش والدولة، بالنسبة للجيش فهو لن ينزل طواعية بإرادته إلى الشارع مرة أخرى، فلابد أن تكون هناك أوامر واضحة، ورغبة شعبية جامحة، بأن يكون نزول الجيش هو الملاذ الوحيد لإنقاذ الدولة، عدا ذلك لن تُزل القوات المسلحة أبدا، وهى مصرة على ذلك، خاصة بعد ما طالها من إهانات، ولم يشكرها أحد ولم يحمد لها ما قامت به لأجل البلد، فانتقادها بشكل لاذع ومهين، والتجاوزات التى حدثت وتخطت الخط الأحمر فى حقها وفى حق المجلس العسكرى من أهم الأسباب التى تجعلها تعزف تماما عن أى رغبة للوجود السياسى مرة أخرى، وليس صحيحا ما كان يقال إن هناك فرقاً بين القوات المسلحة والمجلس العسكرى، وأن الاتهامات التى كانت تلقى كانت فى مجملها للمجلس، الحقيقة أن الكيانين كتلة واحدة لا يمكن فصلهما عن بعض، ومن يهين الجيش يهين المجلس العسكرى، وهذا المفهوم متأصلاً لدى كل ضباط القوات المسلحة، كما أن المؤسسة العسكرية لا تريد الصدام مع تيارات الإسلام السياسى التى ترفض دخولها المشهد السياسى، رغم أنها أى- المؤسسة العسكرية- ليس لها أى طموحات سياسيا من الأصل.

ثانيا لا يستطيع أحد أن يتوقع ما قد يفعله الشعب، المسألة كلها تجىء فى إطار الملابسات والظروف التى قد تؤدى لتكرار ذات المشهد مع الرئيس مرسى، الحالة الاقتصادية التى تتراجع يوما بعد آخر، والتى ستكون بمثابة القشة التى ستقصم ظهر البعير وستجعل الناس تخرج وتثور فى الشارع مرة أخرى لتسقط حكم مرسى، فالفقير ازداد فقرا، والمطحون ازداد طحنا، ومتوسط الحال ساءت أحواله أكثر، وأصبح الكل يقاسى من ارتفاع الأسعار.

أما بالنسبة للدولة والممارسة السياسية من الإدارة الحاكمة وجماعة الإخوان المسلمين، وأدائها خلال الفترة السابقة، تمثل فى 3 أمور: الاستحواذ والاستقطاب والاستقواء، وجميعها أثرت على الشارع وجعلت الناس ترفض ما يفعله الإخوان من ممارسات، فالاستحواذ جاء من خلال محاولة الإخوان المستميتة فى السيطرة على كل مفاصل الدولة، وعمل كل ما هو ممكن لتغيير هوية المجتمع إلى الهوية الأخرى التى هى هوية «الجماعة»، ثانيا محاولات استقطاب وجذب ما يمكن جذبه من القوى السياسية المختلفة خاصة جماعات الإسلام السياسى، لكى تتوحد قواها مع قوة الإخوان المسلمين، ويصبح تيار الإسلام السياسى فى كفة والمجتمع كله فى كفة أخرى، وهذا ليس على هوى المواطن البسيط، أما الاستقواء فقد ظهر جلياً فى ممارساتهم فى الشارع وفرض وجودهم على الناس بـ«الدراع» والقوة، ليأكدوا أنهم موجودون مثلما حدث فى أحداث الاتحادية من قتل الناس والقبض عليهم وتعذيبهم واستجوابهم فى الشارع والدولة «واقفة بتتفرج» دون اتخاذ أى موقف يردع ما كان يحدث، بل ذلك جعلهم يستقوون أكثر، فحتى الآن لم يقدم شخص واحد منهم للنيابة، أو حتى للتحقيق، وأريد أن أسأل هل قانون العقوبات المصرى يجرم هذه الأفعال أم يبيحها؟! ولماذا لم تتم معاقبتهم حتى الآن؟ نحن لدينا قانون من أعرق القوانين فى العالم لكن للأسف لا يطبق على الجميع ويُفعل على ناس وناس، كل هذا جعلهم يبعثون برسائل ضمنية ألا أحد يضاهيهم فى القوة مهما كان، وألا يحاول أى أحد مواجهتهم أو حتى الاقتراب منهم.

■ هل تعنى أن القانون تمت أخونته؟

- أنا أرفض تعبير «أخونة القانون» لأنه ليس موجوداً من الأساس، ولأنه لا يمكن أن «يتأخون»، لكن طريقة تطبيقه أصبحت تنتقى على من يطبق وهذا بسبب الذين يديرون الحكم الآن، يعنى فى بعض المظاهرات والفعاليات السياسية يتم القبض على أشخاص ويقدمون للنيابة، لكن هناك مظاهرات وأحداثاً أخرى لا يقبض فيها على أحد ولا تتم محاسبة أى أحد، مثلما حدث فى «الاتحادية».

■ ولصالح من عدم تطبيق القانون بعدل على الجميع؟

- لصالح من له صالح.

■ هناك مطالبات بأن يحصل مبارك على البراءة أو أن يسجن مرسى بسبب قتل المتظاهرين فى أحداث الاتحادية ومدن القناة.. ما رأيك؟

- المطالبات شىء والواقع شىء آخر، فهناك كثيرون يطالبون بإخلاء سبيل «مبارك» من السجن، وآخرون يرفضون ذلك، وفى أى دولة ديمقراطية يكون هناك الموافقون والرافضون، هذا أيضا ينطبق على «مرسى» هناك من يرى ضرورة محاكمته وآخرون يرون عكس ذلك، هناك من يطالبون بإسقاطه وآخرون يرون أن مشروعيته منتخبة ولابد أن يستمر، نحن فى بلد تعداده 90 مليون نسمة لابد أن تكون آراؤهم متابينة ومختلفة، والمثير للحزن والشفقة أنه طوال الفترة السابقة فى الأحداث الدامية التى أعقبت الذكرى الثانية من الثورة فى التحرير ومدن القناة، أنه لم يخرج مسؤول واحد محترم كما يحدث فى كل دول العالم يشرح للناس ما الذى يحدث فى البلد، ويعلن مسؤوليته ويعتذر عن الأخطاء التى وقعت. ببساطة شديدة هناك حالة ضبابية فى الشارع السياسى سببها المسؤولون فى البلد، فمن واجب الدولة على المواطنين الذين من حقهم فى مثل هذه الأحداث الكبيرة أن يخرج عليهم مسؤول حتى وإن لم يكن رئيس الجمهورية يقول ما حدث هو كذا كذا، رئيس وزراء اليابان انتحر بسبب وفاة مواطنين لم يكن هو المتسبب فى وفاتهم لكن الدولة قصرت فى حقهم، فعل ذلك على مرأى ومسمع من العالم كله، وبعث بخطاب للدولة معتذرا ثم قتل نفسه لشعوره بالذنب لأن حكومته أخطأت فى عدم حمايتهم من الموت «ولأنه عنده دم موت نفسه زى ما المواطنين دول ماتوا!».

الشىء العجيب فى بلدنا أنه حتى يومنا هذا لم يعلن أحد حقيقة ما يحدث فى مصر منذ وقوع الثورة وحتى الآن، وأشعر أن هذه الضبابية متعمدة حتى لا يُخطئ المسؤولون فى الدولة أنفسهم ويتعرضوا للمسائلة والإدانة، والنخبة والسياسين وحتى الناس فى الشارع يشعرون بذلك بشدة، وفقدوا الشعور بالآمان والثقة فى حاكميهم.

■ هل تعتقد أن المسؤولين يتعمدون ذلك استخفافا بعقول الناس؟

- ربما، حتى أن المبررات التى يسوقها بعضهم غريبة و«يقولون إننا فى فترة نقاهة بعد الثورة، والأخطاء دى طبيعية، والناس مش سيبانا نشتغل».

■ كيف ترى مشاهد العنف والسحل والتعرية التى زادت مؤخرا؟

- أنا لا أوافق مبدئياً على أى نوع من أنواع العنف، لكن ما حدث مثلا لحمادة صابر الذى تم سحله عند قصر الإتحادية، هو خطأ فردى قام به اشخاص من الشرطة، فوزارة الداخلية ليس لديها تعليمات بسحل الناس وضربهم وتعذيبهم، وأشك كثيرا أن تكون قيادات بالوزارة قد اصدرت أوامر بالتعامل مع الناس بتلك الطريقة، وأعرف ذلك جيدا لأنى مقرب منهم، قد يكون ما حدث هو نتيجة إنفعال الضباط أو صغر سنهم، وأى مجتمع فيه أخطاء فردية ليس كل المجتمع أسوياء، قد يكون ما حدث بسبب صغر سن الضباط وإنفعالهم، وأنا بذلك لست أبرر هذا الفعل غير الإنسانى وأرفضه شكلا وموضوعا، ولا أقبله على أى مصرى، لأنى لو قبلته فسأقبله أولا على نفسى.

العنف للأسف ليس ظاهرة بل أصبح منهج جديد فى المجتمع المصرى، ولم يكن لدينا ظواهر الخروج على القانون و«الناس تاخد حقها بدراعها»، ذلك كله يحدث بسبب عدم ثقة الناس فى الدولة، فالقانون «واخد أجازة»، والتسيب الرهيب فى حمل السلاح وتهريبه والحصول عليه، واستمرار غياب الأمن، بالإضافة الى قيام بعض القوى السياسية بفرض نفسها فى الشارع على الناس، مثلما حدث فى حصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى، وفرض القوة عن طريق المجتمع وليس الدولة، وعليه تم استباحت الدولة.

■ هل ترى تشابهاً بين نظامى مبارك ومرسى؟

- نعم، للأسف كلاهما وقع فى نفس الأخطاء، والضحية فيها هو الشعب، كما أن تمادى النظام الحالى فى هذه الأخطاء ليس من صالحه وسينقلب عليه ما يفعله.

كلا النظامين اعتادا إخفاء الحقائق عن الناس، مثل عدم تقديم المسؤولين فى بعض الأحيان إلى القضاء لأنهم فى السلطة، والمخطئ منهم يتم التغطية على أخطائه وعدم إظهارها حتى لا يحاسب ولا يُدان، كما أن كليهما لم يكن يستمع للمعارضة وكأنها غير موجودة أصلا، وفرض الرأى بالقوة وهذه كانت ممارسات الحزب الوطنى، هذا تقوم به الآن جماعة الإخوان المسلمين بنفس الطريقة، وعلى الجميع أن يعلم أن قوة المعارضة من قوة النظام، وهذا موجود فى أى نظام ديمقراطى فى العالم حتى إسرائيل «اللى إحنا بنكرهها» تمارس الديمقراطية، لكن نحن كدولة عريقة من حق الشعب أن يقول كلمته ضد أخطاء كثيرة ثار عليها من قبل.

■ هل منح النظام الحالى الضمانة لكى يخرج المجلس العسكرى خروجا آمناً بعد تسليمه السلطة؟

- سمعنا هذا الكلام من قبل وهو ليس صحيحا ولا أساس له من الصحة ومرفوض تماما. المجلس العسكرى ليس فى حاجة الى أن يخرج آمنا «لأنه لا سرق ولا نهب»، الخروج الآمن يطلق على اللصوص وقطاع الطرق ومن تاجروا بقوت الناس وأرواحهم، هذا الكلام كان لإلصاق التهم بالمجلس العسكرى، وتشويه صورته وإحداث الوقيعة بينه وبين الشعب، ولآخر يوم قبل تسليم السلطة كانت تقاد حملة موسعة للحط من شأن المجلس العسكرى والقوات المسلحة والإساءة لسمعتيهما، قام بها بعض المنتفعين من بعض القوى السياسية أيا كانت من هى، والذين يخشون من استمرارهما فى الحكم ولا يريدون وجودهما، والتشكيك فى رحيل المجلس والتأكيد على أنه يتلاعب ولن يسلم السلطة ولن يترك زمام الأمور لرئيس منتخب، لكن المجلس أوفى بعهده، وسلم السلطة فى احتفالية كبرى على مرأى ومسمع من العالم كله، والقوات المسلحة تعلمت الدرس جيدا من الـ17 شهراً الماضية، التى قضتها فى الحياة السياسية، وأؤكد أنها لن تعود إليها مرة أخرى إلا إذا حدث ما يستوجب ذلك بالضرورة القصوى، وهولاء المنتفعون لم يكونوا يعلمون أن القوات المسلحة تحملت بما فيه الكفاية، وأنها هى التى لا تريد البقاء على الساحة السياسية.

■ هل تعتقد أن المجلس العسكرى وقع فى أخطاء خلال مدة حكمه؟

- نعم بالطبع، لكنها لم تكن مقصودة، ولم تكن مؤثرة لا على المواطن ولا على الحياة السياسية، وفرضتها الظروف، بسبب الضغوط الرهيبة التى تعرض لها المجلس العسكرى، وإذا عاد الزمن لكانت الظروف مختلفة، فكل وقت وله ملابساته وأوضاعه، ففى ذلك الوقت كان لابد من اتخاذ المجلس العسكرى بعض القرارات والتى لم تكن على هوى الناس الذين كانوا يتعاملون معه بحساسية وترقب، لكن القوات المسلحة لم يكن بيدها أن تريح الجميع، كاننت مضطرة لتلك القرارات وكانت تعلم صداها لدى الناس.

■ لكن هذه الأخطاء غير المقصودة كلفتنا خسائر فادحة، وخرج الناس بسببها لرفض «حكم العسكر» كما كان يقال؟

- هناك فرق بين الخطأ عن عمد وبقصد تدمير البلد، وبين أخطاء لم تكن مقصودة بحكم خوض القوات المسلحة تجربة لم تكن معتادة عليها، فى الدخول لمعترك السياسة والتعامل مع القوى السياسية المختلفة الآراء والتوجهات.

لابد أن نكون منصفين، ليس كل ما قام به المجلس العسكرى خلال المدة التى قضاها سيئاً، و«مش معقول هنعلق لهم المشنقة، ونحاسبهم بالجملة»، نسبة الأخطاء بسيطة جدا من إجمالى الأحداث، وعلى سبيل المثال، المجلس العسكرى فرض عليه أن يجعل الانتخابات البرلمانية الماضية النصف بالنصف، «والدنيا قامت وماقعدتش، واتفرض عليه تعديل القرار ليكون بالتلت، بعد ضغوط كبيرة من بعض القوى السياسية»، أمور كثيرة للأسف اضطر المجلس العسكرى إلى التعامل مها واستجاب فيها للضغوط حماية للبلد والشعب.

■ يقال إن المؤشرات فى الانتخابات الرئاسية كانت لصالح شفيق، والمجلس العسكرى اضطر تسليم السلطة لمرسى حقناً للدماء بعد أن أعلن مؤيدوه فوزه.. ما رأيك؟

- ليس لدى معلومة مؤكدة عن هذا الكلام، وسمعته يتردد كثيرا، وهناك من يؤكده بشدة، لكن طالما أن أصحاب الضرر وأنا أقصد أحمد شفيق لم يقدم أدلة على حدوث تزوير، فيبقى الوضع على ما هو عليه، وليس من عقيدة القوات المسلحة أن تتسترعلى تزوير خشية ما قد يحدث لو أعلن فوز شفيق.

■ الضباط الأحرار كانوا على عداء شديد مع الإخوان، هل تعتقد أن المجلس العسكرى لم يراعى ذلك فى حساباته عندما سلم السلطة لرئيس من مرجعية إخوانية؟

- المجلس العسكرى لم يسلم الإخوان السلطة، هم وصلوا لها نتيجة لصندوق الانتخابات، حتى لو كان هذا الصندوق مشكوكا فى نزاهته.

■ قلت إن ضباط القوات المسلحة لا يقبلون إهانة قاداتهم.. فى تصورك هل اعتبروا إسقاط مبارك إهانة باعتباره قائداً عسكرياً؟

-حسنى مبارك عندما كان قائدا للقوات الجوية لم يخطئ ولا يحاسب الآن على شىء أساء به للقوات المسلحة، لكنه يعاقب على أخطاء إرتكبها أثناء وظيفته كرئيس للجمهورية وترك مهمته العسكرية، وحتى منصبه كقائد أعلى كان وجوده فيه رمزيا شرفيا لا أكثر ولا أقل، وبالتالى فإن القوات المسلحة لا ترى أن فى ذلك إهانة تمسها باعتباره كان قائدا عسكريا، ولا تشعر أنها أهينت بسببه و«مايفرقش معاهم».

■ هل تعتقد أن أمريكا تستغل الأوضاع السياسية المضطربة للضغط على المؤسسة العسكرية؟

- لا أعتقد ذلك، رغم أن البعض قد روج لذلك بأن أمريكا تتذرع بالأوضاع السيئة فى مصر لتتنصل من اتفاقيات متعاقد عليها منذ 5 سنوات ماضية، وكل هذا غير صحيح، فقد كانت هناك صفقة لشراء 20 طائرة من طراز F16، وصل منها 4 طائرات، وستصل البقية فى موعدها قبل نهاية عام 2013، وكل ما هو متفق عليه سيتم «غصب عن أى حد»، وأى شىء على خلاف المتفق عليه لن يحدث وأنا متأكد من ذلك.

■ هل تتغير النظرة الأمريكية لمصر بعد زيارة الرئيس الإيرانى مصر؟

- أعتقد أن زيارة أحمدى نجاد لمصر طالما أنها قد جاءت فى خضم القمة الإسلامية وحضرها رؤساء وملوك آخرون سيكون وقعها أقل من لو أنه جاء بمفرده فى زيارة خاصة، لكن بالطبع حضور إيران فى المؤتمر انعكس على حضور باقى ممثلى الدول، التى لم تكن سعيدة بمشاركتها، فمثلا الإمارات العربية المتحدة لم يحضر الرئيس ولا نائبه، وفى هذا إشارة لعدم رضائها عن حضور«نجاد»، وأيضا البحرين لم يحضر الملك بسبب مشاكل الشيعة فى البحرين، وبالتأكيد ستقيم كل الدول بما فيها أمريكا القرب الإيرانى المصرى، خاصة بعد تصريحات «نجاد» عن رغبته بأن تتوحد القوتين المصرية والإيرانية، وأعتقد أنه لا بأس من أن تعود العلاقات بين الطرفين، لكن فى إطار تدريجى ولا يكون هناك اندفاع فى هذه العلاقات من الجانب المصرى، بالإضافة الى احترام الشأن الداخلى لكل بلد وعدم التدخل فيه، كما أن هناك تخوفاً شديداً من شخصيات سياسية كبيرة وتيارات غير إسلامية من أن تكون عودة العلاقات تهدف إلى تصدير الثورة الإيرانية، أو نشر الفكر الشيعى، وهو تخوف مشروع.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية