كما كل شباب مصر، برزت ثورة 25 يناير، ضوء الأمل للشباب القبطى. فبعد تصاعد موجات متقطعة من الفتنة، فى آخر سنوات حكم مبارك، يجد فى الأيام الـ18 «يوتوبيا من المواطنة»، غير أنه سرعان ما صدمته حرائق بعدة كنائس، ومذبحة ماسبيرو، وتهديدات بفرض الجزية، والتهجير من رفح، وصولاً لتحريم المعايدات الاجتماعية العادية... إلخ.
رغم كل هذه الحوادث فإن النشطاء الأقباط يؤكدون أنهم، كفئة ضمن تنوعات النسيج المصرى الواحد، خرجوا بعدة مكاسب من الثورة، أهمها الاندماج فى الكتلة المدنية الأوسع اجتماعياً، ومغادرتهم خندق المطالب الفئوية، ومن وصاية الكنيسة وشعورهم فعلاً بأنهم مصريون مكتملوا المواطنة.
«لم يعد قبطياً فقط، أصبح مواطناً مصرياً، مؤمناً بذلك»، هكذا تلخص الدكتورة جورجيت قلينى، عضو المجلس الملى العام، أهم مكاسب الأقباط، بعد عامين من ثورة بهرت ميادينها العالم كله، بتناغم مكونات المشاركين فيها، الثقافية والدينية والعرقية. تضيف: الآن القبطى يخرج للشارع، كمصرى، للمطالبة بحقوقه حتى مع السلبيات التى تفاقمت، مثل الفتاوى الطائفية، والحديث السلبى عن الأقباط، والاعتداءات عليهم.
ولدى الدكتور أندريا زكى، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية، مكسب أكثر أهمية من وجهة نظره، هو أن الأقباط بعد الثورة غادروا الكنيسة كقبلة سياسية للشارع العام، واندمجوا مع كل فئات المجتمع فى الفترة الأولى من الثورة، ثم مع القوى المدنية فيما بعد. مكسب ثان يرصده أندريا، هو فرز الشارع السياسى لقيادات قبطية جديدة، متجاوزة بُعدها الفئوى، أمثال الدكتور عماد جاد، نائب رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، والدكتور إيهاب الخراط، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى، مضيفاً: فى الخلفية دائماً شعور الأقباط بأن لهم دوراً سياسياً يمكن أن يلعبوه، مثلهم مثل العمال أو النوبيين، أو أى فئة تجمعها مشتركات خاصة، داخل النسيج العام، وهو ما حفزهم على المشاركة فى التصويت. أما الخسائر فيوجزها أندريا فى فقدان قطاع منهم شعوره بالأمان، وزيادة معدلات الهجرة.
لا يرى الأب رفيق جريش، المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، مكسبا خاصا بالأقباط، فحرية التعبير كسبها الجميع من الثورة، مشددا على أن المسيحيين مازالوا ينتظرون مكاسبهم كمواطنين كاملى الحقوق، كقانون موحد لبناء دور العبادة، وقانون يمنع التمييز، وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
ويميز الكاتب الصحفى سليمان شفيق بين ما سماه «عدة نخب قبطية أفرزتها 25 يناير»، واستفادت منها بشكل أو بآخر. الأولى خرجت من الاحتجاج داخل الكنيسة، للاحتجاج داخل الوطن، وهم أصحاب قضايا خاصة مثل رابطة أقباط 1938، المطالبين بالإبقاء على لائحة الأحوال الشخصية القديمة، ويلحق بهم منظمات تطالب بعودة المختطفات للكنيسة. النخبة الثانية خرجت للشارع بذات قيم الكنيسة لماسبيرو وللتحرير. والثالثة تريد الخروج بالأقباط من الوطن، وهؤلاء يصفهم شفيق بـ«المستفيدين، ودورهم بوعى أو دونه أقرب للوكالة اليهودية فى الخمسينيات، يوظفون آلام الأقباط لمصالحهم الشخصية». ثم تأتى مجموعة رابعة قال إنها «بقايا النظام السابق، تحاول أن تبقى مع الكنيسة، وهؤلاء سنجد بينهم أسقفاً، لعب ذات الدور الذى كان يلعبه فى عهد مبارك مع المجلس العسكرى وجماعة الإخوان».
ماذا عن الكنيسة نفسها؟ «ربحت»، يجيب شفيق، فهى قد تحررت من تحملها وحدها عبء مشاكل الأقباط، لأن الشباب المسيحى نقلها للشارع العام. الخاسرون يحصرهم شفيق فى أقباط المهجر، الذين فقدوا ميزة القدرة على معارضة النظام، بفضل وجودهم فى الخارج مع تمركز الحيوية السياسية فى الشارع المصرى ذاته.
ليس بعيدا عن هذه الرؤية يعبر جون طلعت، النائب السابق بمجلس الشعب، عن فخره كمسيحى باشتراكه فى الثورة. يقول: «لو عاد التاريخ لفعلت الشىء نفسه». وتساءل: «ماذا لو سمعنا تخويف البعض لنا كمسيحيين من أن الثورة تمهد الطريق للإخوان، ماذا كان سيحدث؟». يجيب: «كان سيحدث ما حدث، ثورة. فقط لم يكن يحق لنا الحديث كمشاركين فيها، لأننا لم نكن جزءاً منها». ويشدد «جون» على أن الربح والخسارة يتشارك فيهما الجميع، فما يهدد فقراء الطرفين همٌّ واحد، حتى التطرف الذى يخشاه المسيحيون تخشاه الغالبية العظمى من المسلمين.
فى المقابل، عبر مدحت قلادة، رئيس اتحاد المنظمات القبطية فى أوروبا، عن خيبة أمله فى نتائج الثورة قبطيا، قائلا: كطائفة خسرنا على الأصعدة من الدستور الجديد لخطف بناتنا، لهدم الكنائس، وتوحش الجماعات الدينية.
يشكو «قلادة» مما رآه «استعانة الرئاسة بالتيارات الإرهابية لتعطيل مصالح البلد ومؤسساتها»، ويسخر من الأقباط «الذين رقصوا مع التيارات الإسلامية، خسرت نفسها وشعبها واحترام طائفتها لها». لكنه يستدرك: «للأمانة، هناك مكسب عام لمصر كلها ولفرص تقدمها، ويستفيد منه الأقباط، هو حرق التيارات الإسلامية لنفسها خلال 4 أشهر فقط وفقدها تعاطف الشارع».
فى الخندق ذاته، يرى إبرام لويس، القيادى بحركة «أقباط بلا قيود» أنه «لم يتغير شىء، الحال أسوأ، أصبح اضطهاد الأقباط منظماً، الاعتداء على أراضيهم، حالات اختفاء البنات المستمرة، فرض الإتاوة، شيوخ التطرف وإلصاق اتهامات بالكنيسة والأقباط والنشطاء» والأكثر سخرية ـ يضيف إبرام ـ تجاهل مؤسسات الدولة لهم، ودعوة مستشار الرئيس اليهود للعودة واستعادة أملاكهم وتعويضهم.
ولا يفرق المهندس مايكل منير، رئيس حزب الحياة، فى تقييمه للأحوال العامة، بين مسلم ومسيحى، قائلا: لقد تدهورت بالنسبة للجميع، سواء فى فرص الممارسة الديمقراطية، أو حقوق الإنسان والحريات العامة، والوضع العام للمصريين مسلمين أو أقباطاً، لكنه يرى أن للكنيسة مأزقاً خاصاً مع ما سماه «محاولات الدولة تقويض دورها».